رأي

كيف تتعلّم كراهية البعث؟

17 أكتوبر 2023
126229.jpg
استولت الأحزاب الحاكمة في العراق على "روح البعث"، وأعادت تمثيله (فيسبوك)
أحمد سعداوي
أحمد سعداوي كاتب وروائي من العراق

بعد عشرين سنة ما زالت هناك خشية معقولة ومفهومة لدى شريحة في المجتمع العراقي من شبح البعث، ويمكن لي أن أؤكد أن جزءًا مهمًا من النخب الثقافية لديها خشية مماثلة، لدواعي حفظ الذاكرة وعدم نسيان الماضي، وهو ماضٍ يحتلّ البعث، كحزب وأفكار وقيادة سياسية ومغامرات عسكرية، مقطعًا كبيرًا منه.

المزاج الذي أنتج البعث يمكن له أن ينتج غيره إن لم تكن هناك مصدّات قوية

إن نسيان "جرائم البعث" يحرمنا من إمكانية فهم الماضي، ومن ثمّ إمكانية فهم الحاضر ومتغيراته. ولكن هناك فرق بكلّ تأكيد بين تصنيم البعث في صورة نمطية مقفلة، يتم استهلاكها في ماكنات الخطابة السياسية عند التيارات المعارضة للبعث، والتي ورثت مواقعه في السلطة، وأن يكون البعث، بكلّ تاريخه المتداخل مع تاريخ العراق المعاصر، مادة للبحث والدرس والقراءة ومحاولة الفهم.

إن إنهماكي الشخصي بالبعث الذي ولدت في زمنه وعاصرت جزءًا من أدواره ثم سقوطه وزواله، جعله حاضرًا في أعمالي الإبداعية. كتبت عملين تلفزيونيين هما مسلسل "ضياع في حفر الباطن" [بث في العام 2012] ومسلسل "وادي السلام" [بث في العام 2015]، كما أن مراجعة زمن البعث كان حاضرًا في أغلب رواياتي. وما كان يهمّني، خارج تحويل البعث إلى صنم يُرجم، كيف أن هذا البعث رغم أنه أيديولوجيا جاءت من خارج العراق، هو نتاج الأرض العراقية، ونتاج المزاج العراقي. وأن هذا المزاج الذي أنتج البعث يمكن له أن ينتج غيره إن لم تكن هناك مصدّات قوية، وهذه المصدّات تأتي من تغيير المعطيات الاجتماعية وتغيير واقع الأفراد الذين يجدون في الأيديولوجيات الشمولية والشعبوية فضاءً للتعبير عن الذات.

إن انشغال النظام السياسي الحالي بصبّ المزيد من الزيت على صنم البعث وحمايته من آثار الزمن، يتعارض تمامًا مع الجهد العقلاني لتفتيت تراث البعث، والذي يستهدف الأرضية التي نبت فيها البعث، لا المظهر الخارجي له، وهي في واقع الحال أرضية تشترك غالبية الأحزاب الحاكمة اليوم مع البعث فيها. إن الأحزاب الحاكمة استولت على كلّ مواقع البعث السابقة، في السلطة وأجهزة الدولة، وهذا أمر طبيعي ومفروغ منه، ولكنها استولت أيضًا على "روح البعث"، وأعادت تمثيله، وفهم المجتمع سريعًا هذا التناظر والتطابق في العمق، فكان يصدر تعليقات ساخرة من وقت مبكّر، ومنها: قبل كانت رفيقي وهسّه مولاي!

صار المجتمع يفهم أن لقب "الحجّي" مثلاً، خرج من إطاره الدلالي السابق الذي يشير الى اثنين: الشخص الذي حجّ إلى بيت الله الحرام، والرجل الكبير بالعمر، حتى وإن لم يقم بالحجّ. صارت "الحجّي" مفردة تشير إلى قيادي أو زعيم ميليشيا أو عضو متنفّذ في حزب من أحزاب السلطة. ومثلما كان الرفاق البعثيون يتصرّفون وكأنهم فوق السلطة، فإن "الحجّاج" صاروا يقومون بالأدوار نفسها.

كانت هناك مادة قانونية تعاقب من سبّ أو تجاوز على رموز القيادة البعثية، ولدينا أصدقاء حكموا على وفق هذه المادة في زمن نظام صدّام، ولكن هذه الحصانة من النقد للقيادة السياسية تحوّلت اليوم إلى مستوى أعلى، وصار الزعماء السياسيون مقدسين، ونقدهم هو نقد لله سبحانه وتعالى. المهم اليوم ليس إقرار نشر كتب دراسية في الجامعات والمدارس الثانوية للتذكير بجرائم البعث، وإنما تثقيف الطلبة بالوسائل الواقعية التي يمكن اتباعها كي لا تكون بعثيًا في العمق، واستبداديًا في المجتمع والسلطة.

مثلما كان الرفاق البعثيون يتصرّفون وكأنهم فوق السلطة، فإن "الحجّاج" صاروا يقومون بالأدوار نفسها

إن نسيان البعث وجرائمه سهل ومتاح، وهو ما تقوم به أحزاب السلطة الحالية، من خلال تكرار هذه الجرائم، حتى يتساوى الزمنان؛ زمن البعث وزمن من تلاه. وهذا هو السبب الذي يدفع بعض شرائح المجتمع، حتى داخل البيئات التي تنشط بها أحزاب السلطة، في أن تستذكر بشيء من الفتور زمن البعث، أو قد تمتدح بعض جوانبه. لأنها ببساطة لم تر زمنًا مفارقًا للبعث.

إن زمن البعث ليس زمن الشياطين، تمامًا كما هو زمننا الحالي، وفي الزمنين جوانب جيّدة وأخرى سيئة، وشيطنة زمن البعث وتحويله إلى صنم يُرجم لا يصفّي وجه النظام الحالي ولا يغسله من ذنوبه المشابهة لذنوب البعث، حذو القذّة بالقذّة.

التذكير بالبعث وجرائمه يكون بالانعتاق من متوالياته الداخلية، وإنشاء نظام ديمقراطي حقيقي، لا يكمّم الأفواه ولا يجعل السياسيين فوق المجتمع، ولا يفرّض العقائد والأيديولوجيات بالقوة والإكراه والترهيب. وكلّ ما عدا ذلك هو عملية تبييض مستمرة لصفحة البعث وزمنه.

 

 

 

 

 

 

الكلمات المفتاحية

.

بزشگيان.. "يلتسن إيران"

سيناريو إيراني شبيه بـ"تفكك الاتحاد السوفيتي"


الحروب.jpg

2025.. عام الحرب والسلام

الحروب هي في الأساس توترات مؤجلة انفجرت وتصاعدت بسرعة


الدراما في العراق.jpg

المسلسلات في "عام الإنجازات"!

هناك أسئلة عديدة حول المنحة الحكومية للدراما في العراق خلال 2024


احتفالات في غزة.jpg

نعم.. انتصرت غزة

الكيان الإسرائيلي في نكبة ليست أقل من نكبة غزة

جواد محسن
ثقافة وفنون

العراق يودع مطرب "قطار العمر".. جواد محسن رحل إثر سكتة مفاجئة

نعت وزارة الثقافة والسياحة والآثار وفاة الفنان العراقي جواد محسن الذي توقف إثر سكتة قلبية مفاجئة

واسط
راصد

منع "البرمودة" في واسط.. الشرطة تصدر توضيحًا إثر انتقادات وردود ساخرة

أثار قرار منع ارتداء "البرمودة" ردودًا غاضبة وأخرى ساخرة ما دفع الشرطة إلى إصدار توضيح رسمي


نفط
سياسة

العراق يقدم أدلة البراءة من النفط الإيراني ويشعل الغضب في طهران.. القصة الكاملة

اشتعل سجال بين العراق وإيران على خلفية معلومات كشفها وزير النفط العراقي عن عمليات تهريب نفط إيراني تجري وفق وثائق عراقية مزورة

الشرطة
سياسة

أحداث الناصرية.. اتهامات متبادلة بين الشرطة وعائلة الناشط إحسان أبو كوثر

قالت قيادة الشرطة في ذي قار إنّ قواتها داهمت منزل الناشط إحسان أبو كوثر لاعتقال شقيقه أحمد الهلالي بتهمة التحريض على التظاهر في الناصرية، وإنّ قواتها تعرضت إلى إطلاق نار أثناء المداهمة ثم اعتقلت 3 أشخاص وضبطت أسلحة

الأكثر قراءة

1
مجتمع

تقارير برلمانية تؤشر ازدياد حالات التسمم الغذائي لمرتادي المطاعم وطالبي "الدلفري"


2
منوعات

الاتحاد الدولي يدرس طلب العراق العاجل قبل مواجهة الأردن في تصفيات المونديال


3
سياسة

خاص| العراق أصبح بـ19 محافظة.. تفاصيل استحداث "حلبجة" والخلافات السياسية والقانونية حولها


4
مجتمع

التربية: المفصولون بالغياب غير مشمولين بالدخول الشامل


5
أخبار

المفوضية: عدد الناخبين الذين يحق لهم المشاركة في انتخابات 2025 يتجاوز 29 مليون عراقي