02-أكتوبر-2021

تتلخص تشرين وديمومتها بلحظة اكتشاف الهوية (Getty)

التحقت صور "شهداء تشرين" بجولة احتجاجية جديدة بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لولادة قضيتهم، بعد أن اختتمت مشاركتها في الزيارة الأربعينية، وقفت خلالها في مواكب ممتدة على طريق سير الزائرين صوب كربلاء، الذين حمل بعضهم أيضًا هذه الصور على صدورهم وألبستهم ورايات يحملونها، وقبل ذلك كانت لصور الضحايا مشاركات في فعاليات أدبية ودينية ورياضية مختلفة طوال العامين الماضيين منذ انطلاق تظاهرة تشرين 2019.

أي فعل احتجاجي أو  اجتماعي إصلاحي مستقبلي بمشاريع صغيرة أو كبيرة سيكون امتدادًا ومتصلًا بتشرين

هكذا، كان وربما سيبقى حضور تشرين وضحاياها قائمًا، وكما يبدو أن انطلاقتها أصبحت بلا رجعة، وهو ما لم تتمتع به أي حركة احتجاجية منذ 2003، من هنا حازت وصفها بأنها فعالية لا نظير لها في تاريخ العراق الحديث.

اقرأ/ي أيضًا: عامان وتشرين على قيد الحياة.. عصارة احتجاج فضح "التشيّع السلطوي"

تشير التقديرات الى اندلاع قرابة 200 تظاهرة في عموم العراق ما بعد 2003، من بينها بعض الاحتجاجات البارزة والكبرى، في سنوات 2010، وتظاهرات 2015 و2016، وتظاهرات 2018 في البصرة وبغداد وبعض المحافظات، وتظاهرات 2012 -2013 في المحافظات الغربية التي شابت نهاياتها فعاليات مسلحة، إلا أنه لم تمكث أي تظاهرة احتجاجية أو اعتصام، في ذاكرة ووجدان العراقيين كما فعلت تظاهرات تشرين 2019، وهو الأمر البارز بوضوح في الحضور الدائم لتشرين وضحاياها في مختلف الفعاليات.

المكوث الدائم، أتاح قاعدة ثابتة منطلقها ولادة تشرين ولم يعد العراقيون بحاجة إلى العودة لنقطة الصفر الاحتجاجية كما كل مرة، فأي فعل احتجاجي أو اجتماعي إصلاحي مستقبلي، بمشاريع صغيرة أو كبيرة سيكون امتدادًا ومتصلًا بتشرين.

يُفسر هذا المكوث، بما أنتجته تشرين من إيجاد الضائع، مع بدء الخروج العشوائي لمتظاهرين من فئات غير معروفة وغير معلومة الخلفية، بوصفهم عراقيين تائهين لا يملكون سوى أشباههم، أدى بالنهاية إلى صنع هوية موحدة جديدة، ففيما سبق كانت فئات معروفة تنظم تظاهرة ما، فيطغى وصفهم الفئوي عليها، ولكن هذه اللامركزية التي تمتعت بها تظاهرات تشرين، أدت فيما بعد إلى خلق الهوية التي كانت ضائعة، بعد أن كانت جميع التظاهرات السابقة يطغى عليها الاستياء والانزعاج فقط من الوضع السياسي والاجتماعي، تميزت تشرين بخلق هوية ومبدأ وأفكار جديدة.

ومع سقوط عدد كبير من الضحايا ليلامس الـ700 متظاهر، واستحضار صورهم وكلماتهم ومواقفهم في مواقع التواصل الاجتماعي، أظهرت مبدأ ثابتًا ومشتركًا لكل هؤلاء الضحايا، وتحول إلى وقود وأمانة يحملها الأحياء من بعدهم.

هذه المبادئ المشتركة التي ظهرت أنها متطابقة لدى ضحايا واحياء تشرين على حد سواء، حولت تشرين إلى "هويّة جامعة" وبطاقة تعريفية، ولبنى أولية تختصر شكل الحياة والوطن والدولة التي يطمح إليها العراقيون، بهذا تمتعت تشرين، وربحت من خلاله المكوث المستمر، ومن مصاديق تحولها إلى هويّة، وجود المناصرين لها من مختلف الفئات يصدحون بالانتماء إلى هذه الحركة أكثر من كونها تظاهرة، فتظهر فنانة في لقاء متلفز لتقول أنا "تشرينية" كما فعلت آلاء حسين، كتعريف انتمائي، وهكذا فعل العديد من الفنانين والشعراء والرياضيين في مناسبات عدة.

من هنا تتلخص تشرين وديمومتها بـ"لحظة اكتشاف الهوية"، فجميع المتظاهرين والمواطنين "الغرباء" في بلادهم، وجدوا الملايين ممن يشبهونهم في الساحات، ففي لحظة ما، لم يعودوا يشعروا بالغربة، وهذا ما يفسر ما أبدوه المتظاهرون من شجاعة في الساحات، بعد أن أصبحوا يشعرون بالقوة لأنهم ضمن عائلة واحدة، وأصبح المتظاهرون يرون أنفسهم بأنهم ندًا للسياسيين، يرفضون مرشحين ويفرضون الشروط، وليسو مجرد "رعية" تنتظر من السلطة الالتفات إلى مطالبها.

ومن هنا، تحولت التظاهرة، إلى محور انتماء، وتكتل بارز الملامح والأبعاد، يحمل مبادئ وقضيّة واضحة مناهضة للعملية السياسية وممارساتها وما يرتبط بها من أفكار تتبناها القوى الحاكمة، لتمثل أبرز كتلة معارضة ومناهضة للنظام السياسي تبلورت بعد 18 عامًا على تأسيس هذا النظام، شهدت فيه هذه الأعوام الكثير من الأفكار أو الحركات المناهضة للعملية السياسية إلا أنها كانت "مشوبة" تارة بالسلاح، وتارة أخرى بمطامع في الحكم فضلًا عن أفكار طائفية وأخرى تورطت بالإرهاب وطرق غير مشروعة، وهذا ما يميز تشرين بأنها الشكل النهائي للمعارضة "النقيّة" التي نجت من السقوط بالفخاخ التي تسلبها شرعيتها لصالح شرعية النظام السياسي والقوى الحاكمة، وهكذا كانت منذ انطلاقتها، كلما تبذل جهدًا أكبر للحفاظ على ذاتها من الفخاخ والقوالب المعروفة، كلما نجحت بقضم وأكل المزيد من شرعية الطرف المقابل المتمثل بالقوى والنظام السياسي.

تتلخص تشرين وديمومتها بلحظة اكتشاف الهوية فجميع المتظاهرين والمواطنين "الغرباء" في بلادهم وجدوا الملايين ممن يشبهونهم في الساحات

إن هذه الهوية بدأت تُنتج عنها أعمال روائية وشعرية ومسلسلات وأفلام ومسرحيات ورسوم، لتمثل كتلة بشرية جديدة تمثل النسخة المرادة لعراق ما بعد 2003، التي لم تنجح القوى السياسية بتكوينها منذ 18 عامًا.

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

العجلات تطأ أراضي تشرين "المحرمة" بعد عام.. ما هي السيناريوهات الجديدة؟

حشود تطلب القصاص.. "عاصمة تشرين" تغص بأفواج "التكتك" وصور الضحايا