مع انطلاق الجولات التحضيرية لقانون الموازنة المالية الاتحادية لعام 2022، وقرب انتهاء عمر الحكومة الحالية، بدأ الحديث عن تفاصيل التخصيصات المالية التي تعتزم الحكومة وضعها في القانون، فضلًا عن كيفية طرح الحلول المناسبة للأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، بالإضافة لمناقشة إمكانيات الاقتراض الداخلي والخارجي، فيما لو لم تكن أسعار النفط بالمستوى المطلوب لتغطية أي عجز مرتقب الحصول.
الديون الداخلية والخارجية للعراق تجاوزت 100 مليار دولار وفقًا لبيانات رسمية
وزير المالية علي علاوي، كان قد أعلن في 6 آب/أغسطس، أن "موازنة 2022 التي شرعت الوزارة بإعدادها قبل أيام ستكون ذات بعد إصلاحي، فهي تختلف عن الموازنات السابقة وتعكس واقع التزامات العراق"، موضحًا أن "الوزارة سوف تسعى إلى رفع هذه الموازنة الجديدة للبرلمان قبل الانتخابات النيابية المبكرة المقررة في تشرين الأول المقبل، وستكون موازنة إصلاحية، لكن ربما ستكون صعبة سياسيًا".
اقرأ/ي أيضًا: موازنة 2022 والعجز.. هل ستواجه صعوبة في تمريرها "قبل الانتخابات"؟
وبالحديث عن حجم الالتزامات التي تقع على عاتق العراق، يجدر التذكير بتصريحات لوزير المالية، بتاريخ 25 كانون الثاني/يناير الماضي، قال فيها إن "العراق يجري مباحثات مع صندوق النقد الدولي للحصول على حزمة اقتراض بقيمة 6 مليارات دولار"، وفي ذات السياق، كان لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي خلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية جولة من المباحثات مع رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس، تضمنها طلب عراقي للبنك بـ"الإسراع في صرف أكثر من مليار دولار، كقروض لدعم الحكومة في مشاريع جاهزة للتنفيذ".
وبينما تستمر المحاولات العراقية للحصول على الاقتراض الخارجي رغم عودة أسعار النفط للتعافي من الجائحة، يقول المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، إن "الديون الداخلية والخارجية تجاوزت الـ100 مليار دولار، مبينًا في تصريحات تابعها "ألترا عراق"، أنها "تشمل 40 مليار دولار معلّقة منذ ثمانينيات وسبعينيات القرن الماضي، فضلًا عن تراكم ديون الحرب ضد تنظيم داعش، وأخرى تقدر بـ 23 مليار دولار تكلفة مشاريع للتنمية مقدمة من بعض الصناديق العالمية، وجميعها واجبة الدفع".
من جهتها، اعتبرت عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، ندى شاكر جودت، حديث الاستغناء عن الاقتراض الخارجي بـ"الصعب"، معللة ذلك بـ"عدم وجود إرادة سياسية حقيقية لتسديدها وإيقاف فوائدها المترتبة"، مضيفة في حديث لـ"الترا عراق"، أن "موازنة عام 2021 بلغت فوائد القروض فيها نحو 15 مليار دولار من الدين الخارجي".
وبحسب جودت، فإن "العراق سيبقى مديونًا لعام 2050، فيما لو لم توضع جداول حكومية واضحة وحقيقية للديون الخارجية وجدولتها بشكل يلائم وضع الاقتصاد السيئ، والضغوطات التي يواجهها مقارنة بالإيرادات المالية المتوفرة، فضلًا عن تحذيرها من "إقدام الحكومة الحالية على الاقتراض مجددًا من البنك الدولي تحت أي ذريعة كانت".
وتم تشريع موازنة العام الحالي، بنحو 130 تريليون دينار عراقي 89.65 مليار دولار، وبمعدل عجز 28.7 تريليون دينار عراقي، أي 19.79 مليار دولار، فيما لحق ذلك توقعات بإمكانية سد العجز بسهولة في ظل ارتفاع أسعار النفط فوق 70 دولارًا للبرميل بعد أن جرى تخمينه في القانون بـ45 دولارًا بفعل الانخفاض نتيجة جائحة كورونا.
وتعتبر الديون الخارجية من الملفات الأصعب في اقتصاد العراق، بحسب الخبير الاقتصادي، مصطفى أكرم، الذي يقول في حديث لـ"ألترا عراق"، إن "العراق يعتبر شبه تابع للبنك الفيدرالي الأمريكي، كما أنه ووفقًا لرأي الكثير من المستشارين الحكوميين فأن بغداد يجب أن تستمر بسحب الديون وسد احتياجاتها لتجنب دخولها بمشاكل أخرى، كالعقوبات دولية".
ويعتقد أكرم أن المؤسسات التي تقدم قروضًا للعراق، يكمن مصدر قوتها بـ"بفرض الشروط السيادية، مثلما حصل في اتفاقية نادي باريس التي كبلت الدولة العراقية بإيقاف التعيينات وتوزيع الأراضي، ويؤكد أن "مثلها أيضًا ما حصل مع حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي عام 2018 التي تنصلت من الشروط ولم تكمل بنودها".
لكن الحكومة الحالية، وبحسب أكرم، تعمل على العكس، إذ أنها "تحاول صناعة علاقات خارجية عبر الديون في وقت لا يعتبر العراق فيه بحاجة للاقتراض خارجيًا، مشيرًا إلى أنه "بإمكان الحكومة الاكتفاء بالقروض الداخلية عبر صندوق التعليم ويوجد فيه أكثر من 8 تريليونات، وصندوق التقاعد، والتربية، والضمان الاجتماعي".
وتؤشر الخبيرة الاقتصادية، سلام سميسم، وجود مشاكل عديدة برسم السياسة الاقتصادية للبلاد، قائلة إن "هناك فجوة حاصلة في الموارد المالية، بمعنى وجود حاجات أكثر من الإيرادات الحقيقية المثبتة".
وترى سميسم في حديثها لـ"ألترا عراق"، أن "استمرار الاقتراض بهذا الشكل المتبع منذ سنوات يؤكد عدم وضع سياسة اقتصادية منهجية بطريقة تدل على الموائمة الفعلية بين الموارد والنفقات، عادةً ذلك بـ"الواضح جدًا من خلال تتبع سير السياسات الحكومية، وبوجود الموظفين الفضائيين، وتعدد الرواتب، وشبكات الفساد التي تساهم باستنزاف الموارد"، فضلًا عن "الحاجة لإعادة النظر بهيكلة السياسات الاقتصادية من جهة، وهيكلة الاقتصاد العراقي من جهة أخرى، بالطرق المنطقية والعلمية لإدارة الاقتصاد وهو ما لم يتوفر لغاية الآن".
وتعتقد سميسم أن "الشعب هو من يدفع ثمن عدم قدرة الحكومة على التحكم بالموارد الموجودة، بالإضافة إلى مجاملتها أطراف مستفيدة من الاستمرار بسحب الأموال من الخارج".
تعتقد عضو في لجنة الاقتصاد والاستثمار أن العراق سيبقى مديونًا لعام 2050 فيما لو لم توضع جداول حكومية واضحة وحقيقية للديون الخارجية
وتصاعدت الأزمة المالية في العراق بعد انخفاض أسعار النفط الذي يشكل أكثر من 90% من مجموع الإيرادات العامة للبلاد، فضلًا عن تداعيات الإغلاق العالمية نتيجة الظروف التي فرضتها جائحة كورونا، ما دفع الحكومة للتعثر بعدم استطاعتها دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين، واللجوء إلى الاقتراض داخليًا وخارجيًا لسد النفقات.
اقرأ/ي أيضًا:
اللجنة المالية: القروض الداخلية لن تغطي رواتب الموظفين حتى نهاية العام
المستشار المالي للكاظمي يحدد طريقين لمواجهة تقلبات أسواق النفط العالمية