13-أغسطس-2019

الحادث هو الـ 15 عشر من نوعه في العراق خلال ثلاثة أعوام فقط

الترا عراق - فريق التحرير

ساعات طويلة من الرعب عاشتها بغداد، حين أمطرت سماؤها مقذوفات وصواريخ للحشد الشعبي على منازل المدنيين، الذين فروا إلى الشوارع بعد حادث "مجهول" تعرض له معسكر يضم عددًا من ألويته ومخازن أسلحة جنوبي العاصمة.

عاشت بغداد ساعات من الرعب بعد انفجار أدى إلى تطاير صواريخ ومقذوفات للحشد الشعبي بشكل عشوائي على مدى ساعات مخلفةً 37 قتيلًا وجريحًا

بدأ الحادث بانفجار، عصر الإثنين 12 آب/أغسطس، هز الأحياء القريبة من "أبو دشير"، أحد آخر أحياء العاصمة جنوبًا، ثم ارتفع عمود دخان هائل بدا واضحًا لعدسات هواتف المواطنين من الأحياء القريبة للموقع، قبل أن يتصاعد الخطر، حين فجرت النار أكداسًا من القذائف والصواريخ لتنطلق في مشهد "هوليودي" نحو مناطق متفرقة من العاصمة مخلفةً 37 قتيلًا وجريحًا، وفق حصيلة نهائية أعلنتها وزارة الصحة في بيان ورد لـ "الترا عراق".

اقرأ/ي أيضًا: انقسام وسخط داخل الحشد الشعبي مصدره "إسرائيل"!

لم تتمكن فرق الدفاع المدني من السيطرة على الحادث والحريق الذي خلفه إلا بعد ست ساعات، حيث واجه رجالها خطرًا مميتًا بالاقتراب من أسلحة وأعتدة كانت تنتظر دورها لتنفجر بفعل الحرارة والنار، فيما تضاربت المعلومات خلال الساعات الأولى حول عائدية المعسكر ونوع الأسلحة التي تعرضت للحادث، والأهم السبب.

"حرج وصمت"!

لكن ما خفي ما لبث أن كشف، حيث تبين أن المعسكر الذي يطلق عليه اسم "الصقر" تديره الشرطة الاتحادية ويضم أربعة ألوية للحشد الشعبي من بينها لواء 14 "كتائب سيد الشهداء" بقيادة أبو ولاء الولائي، والذي طالت النيران مخزن أعتدته، وسط معلومات تشير إلى أن السبب الحادث يعود إلى "سوء" خزن الأسلحة وعدم عزلها عن مصادر الكهرباء، وهو ما تعززه الصور التي بينت لاحقًا أن أسلحة خطيرة ومقذوفات بعيدة المدى خزنت في مسقفات حديدية دون أي وسائل حماية.

لكن رواية أخرى اشتعلت كالنار التي خلفها الحادث، سريعًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي وروجت لها بعض الفصائل المنضوية في الحشد الشعبي ومنها "كتائب حزب الله"، وفق ما رصده "الترا عراق"، تقول إن طائرة مسيرة "مجهولة" استهدفت المعسكر عدة مرات ما أدى إلى انفجار كبير ثم تفجيرات ثانوية للأسلحة والأعتدة وتطاير الصواريخ، في استمرار لمسلسل ضرب أهداف للحشد الشعبي في العراق بعد معسكرين في صلاح الدين وديالى.

ألمح صحفي إسرائيلي إلى أن الحادث وقع نتيجة قصف صهيوني استهدف صواريخ بالستية إيرانية!

الرواية عززتها تغريدة أطلقها الإعلامي والباحث الإسرائيلي إيدي كوهين، حين قال،: "لقد تم تطهير بغداد الرشيد قبل قليل من الصواريخ البالستية الإيرانية بعون من الله سبحانه وتعالى.. شلع قلع وعشيرج قطعة من السوفييت تقدم يا المهداوي تقدم". كما عززتها تصريحات قياديين في الحشد الشعبي.

بالمقابل لا شيء رسمي حتى الآن من الجهات المسؤولة كالقيادة العامة للقوات المسلحة وحتى قيادة هيئة الحشد الشعبي التي حرصت على نفي تعرض معسكرييها لقصف إسرائيلي أو أميركي سابقًا، فيما يشير مراقبون إلى أن كلتا الروايتين تحرجان قيادة الحشد الشعبي والحكومة على حد سواء، وتتلاعبان بمصداقيتهما حيث تؤكد الرواية الأولى تقصيرهما بحفظ أسلحة خطيرة وصواريخ بين الأحياء السكنية دون أي إجراءات سلامة، وتفضحهما الثانية بحقيقة انتهاك الطيران الإسرائلي للأجواء العراقية مقابل عجز تام عن الردع.

عبدالمهدي.. أوامر فقط!

صباح الثلاثاء 13 آب/أغسطس، ظهر عادل عبد المهدي رئيس الحكومة، إلى جانب وزير الداخلية ياسين الياسري ووأبو ولاء الولائي في موقع الحادث، كما أظهرت صور نشرها مكتبه الإعلامي، ثم أتبعها ببيان ذكر فيه أن عبد المهدي، اطلع على واقع الحادث والإجراءات المتخذة بعد الانفجارات التي وقعت في مخازن الأعتدة واستمع إلى التقارير الأولية من مختلف الأطراف، كما اطلع على تقرير بعدد الإصابات التي تعرّض لها المواطنون، وأمر بمتابعة حالة المواطن الذي استشهد نتيجة سقوط المقذوفات وتقديم التعويضات اللازمة لعائلته.

15 انفجارًا سبق تفجير "معسكر الصقر" وقعت في مخازن للأسلحة خلال ثلاثة أعوام في العراق

كما وجه عبد المهدي، وفق البيان، باستكمال التحقيقات لمعرفة أسباب الحادث، وأصدر التوجيهات "بوضع ترتيبات متكاملة لكافة المعسكرات ومخازن القوات المسلحة من حيث إجراءات السلامة ومواقعها لمنع تكرار مثل هذه الأحداث المؤسفة".

تأتي التوجيهات الجديدة ضمن عدة أوامر "لم تطبق حتى الآن" بشأن مخازن الأسلحة والأعتدة وأوضاع فصائل الحشد الشعبي وتنظيمها، كما يؤكد مراقبون، حيث نشر الأكاديمي العراقي مصطفى الناجي، إحصائية تكشف مجموع انفجارات مخازن الأسلحة في البلاد خلال آخر 3 أعوام، مشددًا على ضرورة نقل مخازن السلاح خارج المدن بمسافة لا تقل عن 20 كيلو مترًا، وأن تكون المستودعات مطابقة لشروط الخزن الآمن.

قال الناجي عبر صفحته في فيسبوك، إن السنوات الأخيرة شهدت تزايد مشاهد انفجارات أكداس العتاد في العراق، وخصوصًا في مقرات الحشد الشعبي والشرطة الاتحادية، مؤكدًا أن السبب الرئيس يعود إلى سوء تخزين الذخيرة، وارتفاع درجات الحرارة، وأسباب فنية أخرى تتعلق بالتماس الكهربائي في الأشهر التي تشهد ارتفاع في درجات الحرارة كحزيران وتموز وآب".

كما رد، على المعلومات التي عزت الحادث إلى قصف أمريكي، مبينًا أن "جميع التحقيقات الرسمية لم تتبن هذا السيناريو، وجعلت احتمالية وجود استهداف أمريكي بطائرات مسيرة ضعيفة".

إحصائية بعدد انفجارات مخازن الأسلحة وتفاصيلها

وأوضح الأكادمي، أن أكثر من 15 انفجارًا وقع خلال الأعوام الثلاثة 2016 – 2019، مع ملاحظة ان هذه القائمة غير نهائية، ولا تشمل التفجيرات لأكداس العتاد المسيطر عليها من قبل القوات الأمنية، فيما رأة أن سوء التخزين ناتج عن "قلة الخبرة وعشوائية اختيار اماكن  التخزين، فضلا عن عدم ملاءمة المستودعات لخزن الاعتدة، وهي في أغلبها مقرات مؤقتة فرضتها ظروف معركة تحرير العراق".

"خيانة".. عليكم بـ أس 400 أو "خرداد"!

لكن روايات مصادر في الحشد الشعبي وأخرى مسؤولة من بينهم نائب رئيس الوزراء السابق ذهبت إلى غير ذلك، حيث أكد الأخير في تغريدة له، أن "طبيعة النيران لحريق مخازن العتاد في المعسكر، تظهر أن الأسلحة التي أحرقت غير عادية ولا تستعملها القوات العراقية ولا حتى الحشد الشعبي"، فيما رأى أنها "أمانة من دولة جارة"، في إشارة إلى إيران كما يبدو والمعلومات التي سربت سابقًا عن نقلها صواريخ بالستية إلى معسكرات تابعة للحشد الشعبي في العراق.

قال نائب رئيس الوزراء السابق إن الأسلحة التي انفجرت جنوبي بغداد هي "أمانة" من دولة جارة استهدفت بـ "وشاية عراقية خائنة"!

أضاف الأعرجي، المعروف بتصريحاته المثيرة، أن "تلك الأمانة قد استهدفت من دولة استعمارية ظالمة بناءً على وشاية عراقية خائنة". فيما دعا القيادي في الحشد الشعبي والنائب حسن فدعم، إن "تطوير الدفاعات الجوية العراقية بشراء منظومات متطورة وفعّالة لمواجهة أي عدوان"، مؤكدًا أن عدم اتخاذ ذلك الإجراء يعني أن "سيادة العراق ستبقى منقوصة لأن الأجواء مفتوحة لكل من هب ودب".

كما قال فدعم، إن "من الضروري شراء منظومات أثبتت فعاليتها مثل أس – 400 الروسية او خرداد الإيراني، سواء كان قصف المعسكرات ومخازن الأسلحة من عدو خارجي أو بغيره، لتحصين الأجواء العراقية"، فيما طالب الحكومة ببيان ملابسات عشرات الحوادث المتعلقة باستهداف مخازن الأسلحة والمعسكرات والإسراع بوضع خطة سريعة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية أجواء العراق من أي اعتداء".

ماذا عن "حصر السلاح بيد الدولة"..؟!

"حصر السلاح بيد الدولة" عبارة تنادي بها جميع الأطراف وتتعهد بها الحكومات واحدة بعد أخرى، لكن حادثة بعد أخرى تؤكد انفلاته وقوته بيد أطراف وميليشيات وفصائل بأسماء متعددة أضعفها قوات الدولة ذاتها التي تتهم بارتكاب عمليات قتل خارج القانون وتعذيب.

اقرأ/ي أيضًا: صواريخ على الأرض و"رسائل ود" في فيسبوك.. "إسرائيل" لا تفكر بالسلام مع العراق!

وعلى الرغم من ذلك، طالب رئيس اللجنة الأمنية في البرلمان محمد رضا آل حيدر، بـ "حصر السلاح بيد الدولة" مجددًا، وفق بيان ورد لـ "الترا عراق". قال آل حيدر، إن "الحكومة (وزارة الدفاع، وزارة الداخلية) تتحمل المسؤولية التامة باتخاذ الإجراءات الكفيلة بنقل هذه الأكداس خارج مدينة بغداد وخارج الأحياء السكنية ليس فقط في بغداد، وإنما في كافة المحافظات".

دعا عبد المهدي اللجنة الأمنية في البرلمان  إلى استثمار الحادثة لـ "حصر السلاح" وإخراج مخازن الأسلحة من بغداد والمدن

كما طالب، بإبعاد المعسكرات الغير رسمية الموجودة ضمن المناطق السكنية والتحقيق بأسباب الانفجار، ومعرفة هل هي أسباب فنية، أسباب عرضية، أم استهداف، داعيًا عبد المهدي إلى "استغلال الحادثة لغلق كافة المعسكرات وسحب ونقل الأكداس إلى معسكرات آمنة تتوفر فيها مستلزمات الحماية الآمنة ومستلزمات الصيانة الفنية لمثل هكذا أكداس خطرة داخل المدينة".

ترسانة الحشد.. "كومة حديد"!

 وعلى الرغم من أن أغلب المختصين بالشأن الأمني والعسكري استبعدوا احتمال وقوع الحادث نتيجة قصف أو استهداف خارجي، لكن ذلك لم يمنع من تقديم قراءات وتحليلات للمشهد الذي أرعب مئات العوائل البغدادية مساء الإثنين.

حيث قارن المختص بالشأن الأمني والجماعات المسلحة هشام الهاشمي، بين ما يجري في العراق وما جرى في لبنان سابقًا، ورأى أن "عمليات محور المقاومة سوف تلزم العراق كما ألزمت لبنان من قبل أن تدفع ثمنها، بعد أن باتت صور عوائل جنوب بغداد ليلة أمس تشبه إلى حد كبير عوائل جنوب لبنان، وهي تحمل الأطفال وكبار السن هربًا من شظايا الانفجار".

وصف الهاشمي، ترسانة الفصائل الشيعية في العراق من صواريخ مختلفة المديات بـ "أطنان من الحديد شديد الانفجار لا قيمة لها دون جوار استراتيجي لردع العدوان"، في إشار إلى ضرورة توفير أرضية تمكن تلك الفصائل من استهداف إسرائيل على غرار حزب الله اللبناني.

أضاف الهاشمي، أن "سوريا لا تقبل للمقاومة الشيعية العراقية استخدام أراضيها كمنصة لتهديد إسرائيل، ويؤكد ذلك أن ثلاث من الوحدات الصاروخية الشيعية العراقية لمدة 6 سنوات هي مرابطة في سورية وبجوار مريح لاستهداف إسرائيل لكنها لم تفعل أو حتى أن تحاول ولو مرة واحدة، وقد تعمدت إسرائيل استهدافها واستفزازها اكثر من مرة آخرها في محيط مطار دمشق وريف حمص بالإضافة إلى استهداف مباشر عام 2018 للواءي 45 و46 حشد شعبي في قرية الهري الحدودية من الجانب السوري".

وصف مختص ترسانة الحشد الشعبي بـ "كومة من الحديد" مقدمًا توضيحًا لأسباب "تهرب" الحشد من اتهام إسرائيل بالهجمات التي طالت معسكراته

أكد الهاشمي، أن صورايخ المقاومة التابعة للحشد الشعبي هي "مجرد أهداف سهلة للعدوان الإسرائيلي الذي يمتلك تقنيات وترسانة جوية متطورة وتواطؤ أمريكي يحميه ويبرر له، في حال عدم وجود قوة رادعة"، كما أشار إلى "فقدان فقدان المقاومة الشيعية توازنها السياسي ودخولها بصدام مع أبرز الداعمين لهم، وأيضًا تراجع شعبيتهم بسبب ملامة الأهالي عن جدوى تحمل وجود هذا التهديد الخطير بلا فائدة سيادية أو عسكرية تذكر".

وعزا المختص بالشأن الأمني، "تهرب إعلام المقاومة الشيعية العراقية الرسمية من اتهام إسرائيل بهذا العدوان وعدوان آمرلي أو حتى تقديم تبرير لما حدث في معسكر اشرف بمدينة الخالص، إلى أسباب أبرزها عدم امتلاكهم فتوى جهادية بالرد على إسرائيل، وأيضا عدم امتلاكهم القدرة الدفاعية، وعجزهم عن استخدام القوة الهجومية للرد بالمثل أو تحقيق الردع الكافي"، متسائلًا بالقول: "لماذا يتورط العراق بتكاليف لا قدرة له على تحملها؟، المراجعات الراشدة والاستفادة من العبر في جنوب لبنان وحدها كفيلة بإنقاذ المقاومة الشيعية العراقية داخل جسم الحشد الشعبي".

 

اقرأ/ي أيضًا:

 معسكر آمرلي "فخ جديد".. إسرائيل تُذكر بضربة تموز وبغداد تُبرئ تل أبيب

"لا دمج ولا حل".. ما مصير فصائل الحشد المقاتلة في سوريا بعد قرار عبد المهدي؟