15-يناير-2022

الديمقراطية في نظر هذه التنظيمات ليست سوى استيلاء على السلطة (فيسبوك)

"نعتقد أن مسارات إنجاز الاستحقاقات الدستورية ليست صحيحة وتنطوي على مغذيات أزمة سياسية ومجتمعية قد تمنع نجاح أي جهد حكومي أو برلماني في تحقيق مطالب وتطلعات الشعب المهمة وتخفيف معاناته وتحسين واقعه الخدمي والاقتصادي". مقتطع من بيان للإطار التنسيقي في 13 كانون الثاني/يناير 2022. 

في قاعة الخلد المشئومة، وبعد أن صفّى صدام حسين خصومه السياسيين بطريقة عدوانية خالية من الرحمة، وبخطاب تهكمي، ونبرة استهزائية واضحة، خاطب ما تبقى من خصومه بما مضمونه "ربما يرون أنفسهم أهلًا للسلطة فليأتوا لاستلامها". وبهذه الطريقة افتتح صدام حسين حقبة ثانية لنهر الدماء، واستكمالًا لإرث الانقلابات أعلن نفسه رئيسًا أوحدًا لجمهورية العراق بعد أن زرع الرعب في قلوب كل العراقيين، وكأن لسان حاله يردد مقولة "من قال برأسه هكذا قلنا له بسيوفنا هكذا".

بدلًا من السحل والتنكيل وحياكة المؤامرات جاءت الديمقراطية كرافعة أمينة لسيادة الأغلبية الطائفية

ولأن هذه "الأوحدية" عزيزة على قلوب الساسة العراقيين، ومنهم صدام حسين بالطبع، أعلن نفسه زعيمًا عسكريًا أوحدًا في المؤسسة العسكرية برتبة مهيب ركن، وهي رتبة لم يبلغها كبار القادة العسكريين في العالم، حتى من شاركوا في الحربين العالميتين. وكانت بزّته العسكرية مطرّزة بالنياشين كما لو أنه أحد الفاتحين العظام. وبهذا ضَمَنَ رئيس العراق الجديد سلطته المطلقة التي لا ينافسه فيها أحد.

اقرأ/ي أيضًا: هل يوجد لدينا نظام سياسي؟

ليس هذا فحسب، فثمّة شيء منسيّ غاب عن بال صدام حسين وتذكّره لاحقًا، وهو إعلان ربوبيته أيضًا، لذلك أعطى لنفسه أسماءً شبيهة بأسماء الله الحسنى. غير أن هذا لا يكفي، إذ ختم هذه المحطة السوداء من السنين العجاف باكتشاف أخير، وهو يصارع الذُلّ والهوان، وأعني به نسبه الذي يرجع إلى أئمة آل البيت الأثني عشر، وأصبح صدام حسين حفيدًا للإمام الحسين. إنه القائد الأوحد، والفاتح العسكري صاحب الرتبة الأعلى في العالم، وحفيد الأمام الحسين، وصاحب "الأسماء الحسنى". هل بقي شيء غائب عن البال؟ نعم،  أصبح العراق أثرًا بعد عين بسبب حرب عبثية طال أمدها ثمان سنوات، ثم توّجَها باجتياح دولة الكويت، وفي الأخير حصار منحط، وجوع، وخوف، ونقص في الأموال والثمرات. وكانت الخاتمة، أو الثمن المدفوع لقاء ذلك، هو تدمير العراق.

 وبعد سقوط نظام البعث، وأصبح نظام الحكم ديمقراطيًا كما يبدو، وبدأت الانتخابات البرلمانية تلقي بظلالها على وعي الناخبين، كانت الفرصة مواتية للشروع بتأسيس اللبنات الأولى لدولة ديمقراطية حرّة، تحترم الاستحقاقات الدستورية وتودع بالتدريج ذاكرة الاستيلاء على السلطة. إلا أن القوم تعكزّوا على الديمقراطية بدافع الأغلبية الطائفية، وكانت الضربة التي وُجٍّهَتْ إلى الديمقراطية هي أسطورة الكتلة الأكبر، وهي الخطوة التي أعلنت فيها التنظيمات الطائفية فشل الديمقراطية.

  وبما أن دوافع المرء تفضحها فلتات لسانه، صعّد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، على المنصة وسط الهتافات الحماسية لوجهاء العشائر، ونطق بهذه العبارة الشهيرة التي تترجم نظرة "المعارضين" القدامى حول الديمقراطية، "هو أحنا بعد ننطيها؟!". أي أننا لن نعطي السلطة أبدًا.

واتضح أن الديمقراطية في نظر هذه التنظيمات ليست سوى استيلاء على السلطة. فبدلًا من السحل والتنكيل وحياكة المؤامرات، جاءت الديمقراطية كرافعة أمينة لسيادة الأغلبية الطائفية. واتضح كذلك، أنهم لم يقبلوا بالديمقراطية لولا أغلبيتهم الطائفية. ورجعنا بشكل وبآخر إلى ذلك الحنين الذي يداعب معظم السياسيين العراقيين، وأعني به الوقوف عند عتبة السلطة، والتنكر لأهم المطالب الجوهرية، وهو بناء المؤسسات.

ووجه المقارنة هنا ليس التماثل أو المطابقة الكلية بين ساسة اليوم وصدام حسين من حيث الإجرام، فصدام متفوق وسبّاق في فنون التنكيل بالخصوم ووحشيته المعروفة. لكن أتكلّم بالذات عن هذه النزعة التي رافقت، ولا زالت، ذاكرة الساسة العراقيين، وأعني بها نزعة الاستيلاء على السلطة. فلا أحد من هؤلاء له أدنى صلة بالاستحقاقات الديمقراطية؛ إمّا نكون في السلطة أو لا نكون! بل بدأنا نسمع عبارات مثل الأغلبية الطائفية، ونحو ذلك. أما سؤال الدولة فلا زال غائبًا كليًا.

يقف اليوم الصدريون في صدارة القوى السياسية التي تدافع عن مفهوم الأغلبية، ويكافحون بقوة لترسيخ هذا المفهوم. ويحاربون مبدأ "الكتلة الأكبر في 2010" الذي يتنكر للكتلة الأكبر من حيث عدد الأصوات. والطريف أن الكثير من العراقيين المشككين بمواقف الصدريين السياسية، يقفون اليوم لتأييد هذا الموقف الذي يُعد موقف غريب بالنسبة للقوى السياسية التي تصدرت الزعامة في عراق ما بعد 2003، ومن جانب آخر ثمة فئات ليست بالقليلة تشكك في هذا الموقف: هل هو شكل تعبيري مختلف من حيث الشكل ومتفق من حيث المضمون فيما يتعلق بنزعة الاستيلاء على السلطة، أم أن الصدريين هم فعلًا في طور مراجعة الذات وترميم ما يمكن ترميمه؟

هل سيتوقف مفهوم الأغلبية عند عتبة الاستيلاء على السلطة أم سنشهد سؤالًا مفصليًا طالما ظل منسيًا في دهاليز الذاكرة السياسية، وهو ماذا بعد الاستيلاء على السلطة؟

يجادل البعض، أن مطلب الصدريين هو استحقاق دستوري، وأساس متين لكل عملية ديمقراطية وهذا صحيح، بل هو السبب الجوهري لتأييد الكثير من العراقيين للصدريين من هذه الجهة بالذات. لكن التشكيك ينطلق من هذه الإشكالية بالذات: هل سيتوقف الصدريون عند هذه العتبة، أم سنشهد قطيعة حقيقة مع ذاكرة الاستبداد والدخول في حقبة ديمقراطية حقيقية؟ بمعنى آخر، هل سيتوقف مفهوم الأغلبية عند عتبة الاستيلاء على السلطة، أم سنشهد سؤالًا مفصليًا طالما ظل منسيًا في دهاليز الذاكرة السياسية، وهو ماذا بعد الاستيلاء على السلطة؟

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الواقع العراقي وشروطه المُعَقّدَة

تضامنات سياسية مٌزَيّفَة