24-فبراير-2023
رائدات الأعمال في العراق

الدعم يجب ألا ينتهي من خلال منح التمويل (Getty)

يشير مصطلح ريادة الأعمال إلى "تطوير وإدارة المشاريع التجارية والرغبة في البدء بمشروع جديد على سبيل كسب الربح وخوض العديد من التحديات". وتلعب ريادة الأعمال الدور المحوري في تعزيز السياسة التشغيلية للبلاد عن طريق توفير فرص العمل ومواجهة البطالة، لما توفره من دعم وتطوير في النمو الاقتصادي للبلد. وعلى الرغم من الإمكانات الكبيرة التي يمثلها هذا القطاع في بلد كالعراق، إلا أنّ العاملين في هذا المجال ما يزالون يواجهون الكثير من التحديات والصعوبات، ولاسيما بين النساء منهم.

الاستراتيجية العامة لدعم قطاع الريادة الأعمال في العراق

مر أكثر من عامين، على تأسيس قسم ريادة الأعمال في العراق، 

بحسب فلاح حسن الجبوري، وهو مدير ريادة الأعمال والعلاقات العامة في غرفة تجارة بغداد، حيث يقرّ الأخير بمرور القطاع الخاص في العراق بتحديات كبيرة ومعوّقات، بالإضافة إلى حاجته لجيل جديد ليتمكن من النمو، مبينًا: "لدينا قاعدة بيانات تضم 3500 من رواد ورائدات الأعمال، ونعمل على تقديم تدريبات خاصة لهم كلًا حسب مستوى ما يقدمه وما يحققه في المشروع الخاص به".

ووفقًا للجبوري، فإنّ غرفة تجارة بغداد تقدم دعمًا خاصًا للنساء من رائدات الأعمال، من "خلال الشراكة مع البنك الدولي ومنظمات دولية عاملة في العراق على برامج تمكين المرأة"، مضيفًا أننا "نقدم دورات تدريبية حولإنشاء وإدارة المشاريع الناشئة، وتم تدريب 450 امرأة على 6 مراحل تدريبية رئيسية، كما نعمل خلال هذه الدورات على تأسيس شبكة رائدات الأعمال الذي تؤهل النساء المتدربات اللواتي يصلنّ لمراحل متقدمة ليكن مرشدات أعمال".

تعتبر مشاركة الإناث العراقيات في القوى العاملة منخفضة حيث تبلغ 11% مقارنة بـ 68% للذكور

وحول التحديات التي تواجهها رائدات الأعمال، يقول الجبوري لـ"ألترا عراق"، إنهنّ "يواجهن الصعوبات التي تبدأ من داخل المنزل حتى حصولهن على التمويل، مبينًا أنّ "القليل من النساء تجد الدعم وتقديم المساعدة من الأهل أو الزوج والعائلة، كما تحتاج المشاريع في بدايتها إلى الدعم المادي, خصوصًا وأن ريادة الأعمال حديثة على السوق العراقي, كما هنالك صعوبة في الحصول على القروض الميسرة للمشاريع المتوسطة والصغيرة، فيما لا تتوفر كافة شروطها بالنسبة إلى المشاريع الناشئة، حيث تبدأ الكثير من النساء حاليًا مشاريعهن من خلال صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لتسويق المشروع, وهكذا مشاريع يصعب حصولها على القروض الميسرة، بسبب وجود ضوابط من قبل البنك المركزي العراقي تخضع لها كافة البنوك الأخرى".

ومن ضمن التحديات، فإنّ عدم استقرار سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، يؤثر بشكل سلبي على إدارة المشروع المالي بأقل كلفة، خصوصًا للمشاريع التي ما تزال في بدايتها, مما يسبب لها الخسارة أو التوقف، بحسب الجبوري.

وفي إحصائية نشرت في تموز/يوليو 2022، لمنظمة العمل الدولية، فإنّ "هناك نحو 13 مليون امرأة في سن العمل في العراق، ومع ذلك هناك مليون امرأة فقط يعملن"، كما يشير المسح إلى أنّ "معدل مشاركة الإناث في القوى العاملة كان منخفضًا بشكل خاص حيث بلغ 11% مقارنة بـ68% للذكور".

علي طارق، وهو المدير التنفيذي لرابطة المصارف الخاصة في العراق، يقول لـ"ألترا عراق"، إنه "يدعم وجود برامج متخصصة في ريادة الأعمال للنساء لتحقيق الاستقلالية المالية، مستدركًا "لكن نحتاج إلى بناء القدرات وتنمية المشاريع الريادية الناشئة لزيادة نسبة النساء اللواتي لديهن أعمال خاصة، حيث إنّ نسبة النساء العاملات في ازدياد مستمر خصوصًا بمجال ريادة الأعمال, ومن هنا نحتاج إلى نموذج لبناء الطريق للراغبات في دخول هذا المجال، والنموذج يتمحور في قصص المشاريع الناجحة التي تقودها نساء لتحفز الأخريات على خوض هذا التحدي". 

ونموذج قصص النجاح ليس في ريادة الأعمال فقط، بحسب طارق، بل "في كافة المجالات التي فيها تحديات كبيرة لعكس صورة واقعية عن الظروف الصعبة التي تواجه المرأة العراقية".

ويبيّن طارق أنّ "المشاريع الجديدة فيها آليات وأفكار مختلفة عن المشاريع الاعتيادية، مما يجعل التحدي أكبر, مبينًا أنّ "دورنا كرابطة في العمل على تثقيف القطاع المصرفي العراقي، عن ريادة الأعمال بشكل عام، وآلية تمويلها، كونها تختلف عن المشاريع الأخرى من ناحية التدفقات النقدية، وأعداد الموظفين بالنسبة إلى المشروع".

المرأة العراقية وريادة الأعمال

 

إنّ التحديات التي تواجه قطاع ريادة الأعمال في العراق كانت موجودة في كل دول العالم، بحسب طارق الذي يستدرك قائلًا: "لكن بدأت تتقدم الدول في هذا المجال، وفي العراق ما زلنا في مرحلة التطور والنمو في عملية فهم الأنواع الجديدة من المشاريع".

ويدعو طارق الجهات المعنية، ومنها دائرة تمكين المرأة في الأمانة العامة لمجلس الوزراء, إلى أن "يكون من أولويات برامجها التي تتعلق بتمكين المرأة، هو تحقيق الاستقلالية المالية كهدف رئيس، حيث تسهم المشاريع الخاصة، واستثمار ودعم الأفكار للمشاريع الناشئة من تحقيق استقلال المرأة اقتصاديًا، وهو قوة على المستوى الثقافي والاجتماعي والعائلي، مما يوفر أرضية للنساء تمكنهن من تجاوز الصعاب". 

دور حاضنات ومسرعات الأعمال

تطلق عدة مؤسسات وشركات مهتمة في قطاع ريادة الأعمال برامج ومبادرات لدعم رائدات الأعمال والمشاريع صغيرة والناشئة المملوكة من قبل النساء، من خلال الوصول إلى التمويل والاستثمار وتزويدهن بالمهارات المطلوبة لتوسيع نطاق أعمالهن/ وزيادة حصتهن في السوق لتحقيق الإيرادات، ومواجهة التحديات الاقتصادية، وعلى سبيل المثال، وتحت شعار "عيشي حلمج", تمكنت خمسة مشاريع من أصل 10 تقودها نساء، من خلال برنامج "رائدات" بدورته الثالثة للعام الحالي، الانتقال للمرحلة الثانية لخوض المنافسة المحلية وتلقي الإرشاد والتدريب, لإدارة مشاريعهن وتطويرها. 

أنموذج لمشاريع ريادية بقيادة نسائية

مشروع الذهب الأخضر للتنمية المستدامة، وهو مشروع بيئي مستدام لإنتاج وتطوير المنتجات الزراعية، والعضوية، ورفع الوعي البيئي للأفراد والمؤسسات في المجتمع العراقي. حصل المشروع على المركز الأول لجائزة (إي با) للأعمال الريادية، من بين أفضل عشرة مشاريع ناشئة للعام 2021، كما حصل المشروع في عام 2020، على المركز الأول ضمن برنامج "ينهض".

مؤسسة المشروع، مروة رائد النعيمي، تقول لـ"ألترا عراق"، إنّ "فكرة المشروع بدأت كتحد شخصي بالنسبة لي, بسبب ما ألاحظه من خلال الهدر الكبير لمخلفات الطعام في مجتمعنا, منها قررت تأسيس مشروع الذهب الأخضر, ليكون أول مشروع في العراق لإعادة تدوير النفايات وتحويلها إلى أسمدة عضوية، للتقليل من تراكم النفايات العضوية، وزيادة المساحات الخضراء والحد من التلوث بيئي الحاصل، خصوصًا وأنّ العراق يحتل المرتبة الخامسة من بين الدول الأكثر تضررًا بالتغيرات المناخية".

وينتج مشروع "الذهب الأخضر" من خلال إعادة تدوير المخلفات العضوية وتحويلها لأسمدة عضوية مفيدة للنباتات والتربة، نوعين من الأسمدة، وهما؛ كرات البذور الزراعية, وسماد "الفيرمي كومبوست"وهو سماد عضوي يعزز خواص التربة الفيزيائية.

وحول أبرز التحديات لاستمرار مشروعها , تقول النعيمي: "نحن بحاجة إلى الدعم والتشجيع من الجهات المختصة في قطاع البيئة، وإيمان بالخبرات والكفاءات, لكي تنعكس نتائج جهودنا بصورة إيجابية على المجتمع ككل، مبينة "في الوقت الحالي أنا استأجر قطعتي أرض في محافظة بغداد، أحدهما في جانب الرصافة والأخرى في الكرخ، وفي المرحلة الحالية من المشروع نحتاج لتطويره وتوسعته، ويتطلب ذلك حصولنا على قطعة أرض ذات مساحة 50 دونمًا، لكن ما زلت أواجه صعوبات كبيرة، ولا أجد الدعم للحصول على أرض بهذه المساحة".

وضمن خططها المستقبلية، تحاول النعيمي زيادة "أعداد المنتجات التي نقدمها في السوق من المخلفات العضوية، وفي الوقت الحالي لدينا منتج قيد التطوير سوف نطرحه قريبًا في السوق، بالإضافة أهمية المساهمة المجتمعية بالنسبة لمشروعنا، من خلال إيصال برنامج أصدقاء الكوكب إلى كافة محافظات العراق، ويهدف البرنامج من خلال عدة نشاطات وفعاليات لتعليم الأطفال الزراعة، وأهمية التربة لزيادة الوعي البيئي في سبيل تحقيق التغير الذي نطمح له ليكون الجيل القادم جزءًا فاعلًا من المجتمع".

تشجع النعيمي النساء لدخول مجال ريادة الأعمال والبدء في تطوير مهاراتهن، وتعزيز معرفتهن من خلال الدورات التدريبية، والبحث واستثمار أفكارهن لإحداث تغيير وخوض مغامرة مختلفة، حيث تقول إنها دعت "النساء القادرات على ابتكار منتجات، وتوفير خدمات ذات فائدة وأثر بالنسبة إلى مجتمعهن أن يطورن تلك الأفكار، ولا يترددن في البدء، لافتةً إلى أنّ "الفشل والعثرات التي قد يمر خلالها المشروع هي جزء من نجاح المشروع".

الحواجز والتحديات التي تواجه رائدات الأعمال

غياب الدعم، وعدم وجود التسهيلات لتحقيق التقدم في مشروعاتهن مهما كانت مبتكرة، أسباب تدفع النساء لهجرة مشاريعهن الخاصة. وتقول مسؤولة وحدة تمويل المشاريع الريادية في مصرف آشور الدولي، تمارة رعد شاكر، إنه "بالرغم مما نشهده خلال السنوات الأخيرة من ارتفاع في أعداد النساء اللواتي بدأن مشاريعهن الخاصة، ودخلن سوق العمل، لكن ما زلت المشاريع ذات الأفكار الريادية التي تحل مشكلة وتعتبر منتجات محلية أو خدمات جديدة ومبتكرة لطرحها في السوق قليلة إلى حدٍ ما".

وتضيف شاكر لـ"ألترا عراق"، أنّ "الدعم لمشاريع النساء يجب ألا ينتهي من خلال منح التمويل فقط، مبينةً "لا بد من المتابعة والرقابة المستمرة للمشاريع الحاصلة على التمويل من المنظمات الدولية أو المحلية، ويمكن أن تمنح هذه التمويلات على شكل قروض ميسرة و يتم تدويرها، وتمنح عند إرجاع القرض لرائدة أعمال أخرى، مشيرة إلى أنّ "هذه الاستدامة تحفز رائدات الأعمال على إيجاد الحلول والتطوير من مهاراتهن في سبيل مواجهة المشاكل الذي تطرأ على مشاريعهن الخاصة، خصوصًا وأن العراق بيئة صعبة، بسبب التغيرات المستمرة سياسيًا واقتصاديًا".

ولفتت شاكر إلى مشكلة أخرى، وهي أنّ "العراق يشهد في الفترة الحالية تذبذبًا في أسعار سعر الصرف دينار مقابل الدولار، مما يشكل تحديًا ومشكلة بالنسبة إلى رواد الأعمال من كلا الجنسين, لذا من الضروري أن يكونوا على استعداد لمواجهة كل التحديات في سبيل استمرار مشاريعهم".

رائدات الأعمال في العراق

 

وبحسب بيانات البنك الدولي للعام 2020، فإنّ العراق يحتل المرتبة 172 عالميًا من بين 190 بلدًا، حول "مدى سهولة بدأ مشروع تجاري"، وبالإضافة إلى ذلك، كان "ضمن الدول الاسوأ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، كما يعتمد المؤشر في مقياس مدى سهولة البدء في المشروع على معايير منها، "سهولة الحصول على تصاريح البناء، تسجيل الشركات والمشاريع، حماية المستثمرين". 

وبحسب التقرير، فإنّ "الحصول على الائتمان في منطقة الشرق الأوسط أصعب مما هو عليه في أي مكان آخر في العالم, عازيًا ذلك بشكل جزئي إلى "عدم كفاية سبل حماية المقترضين". كما أشار التقرير إلى أنّ "رائدات الأعمال في منطقة الشرق الأوسط تترتب عليهن إجراءات إضافية, عند البدء بالنشاط التجاري". 

يقول خبراء إنّ الدعم لمشاريع النساء يجب ألا ينتهي من خلال منح التمويل فقط

ولتجاوز هذه الحواجز أكد العديد من المتحدثين خلال كتابة هذا التقرير، على أهمية التركيز على قصص النجاح لرائدات الأعمال الحاليات لجذب قوة نسائية عاملة أكثر, بالإضافة إلى "دعم حاضنات الأعمال من المنظمات الدولية والجهات الحكومية في سبيل توفير المزيد من البرامج التي تخص رائدات الأعمال لتشمل محافظات مختلفة من العراق"، فكل مشروع لرائدة أعمال يوفر فرصة عمل جديدة لنساء ضمن نطاق عمل المشروع.