30-أبريل-2021

تربع العراق في مدة حكم هذه القوى السياسية على عرش الفساد العالمي (فيسبوك)

الطاغية مهمته أن يجعلك فقيرًا وشيخ الطاغية مهمته أن يجعل وعيك غائبًا. كارل ماركس

كثيرًا ما تسحرني فكرة غرامشي حول العمل السياسي. إنها فكرة مفصلية بين ما نتمنّاه وبين سلوكنا على أرض الواقع، بين ما ندعيه وبين ما نكونه في السلطة. لذلك يركز غرامشي على هذه النقطة؛ إنك لكي تعمل بالنيابة عن جمهورك بحكم العلاقة التبادلية، التي تكلمنا عنها في المقالة السابقة، لأن الجمهور لا تهمه الأطر المنطقية المسبوكة، ولا يهتم بالجهد النظري، لأنه يتحرّك ضمن الطاقة الوجدانية والإيمانية العالية. في حين تتصدى النخبة لسبك هذه الآمال والوجدان العالي على شكل أطر نظرية تستلهمها من واقع التجربة المُعاشة، أي أنها تعمل داخل التاريخ وليس خارجه. إن الشرط المهم لكل تجربة سياسية هو تجربة إطارها النظري في الممارسة السياسية، لكي ندرك لاحقًا مقدار البعد العلمي والتطبيقي الذي تحظى به هذه الأفكار من جهة، وقوة المصداقية والوضوح التي تتمتع بها التجربة السياسية على أرض الواقع. إنها مواجهة عصيبة خصوصًا إذا كانت التجربة السياسية في طور التحول من تنظيمات عقائدية معارضة وناقمة ضد سلطة الاستبداد إلى تنظيمات سياسية أسست هرم السلطة.

الشعوب التي تعاني من ألم الطغيان تجنح إلى الأحلام كهروب من الواقع المر

أخبرني صديقي مرة، يوم كنّا نتهامس فيما بيننا خوفًا من بطش السلطة الصدامية، أن هذه الأسماء لو حكمت العراق يومًا ما، سيعم الخير في هذا البلد المنكوب، وسنأكل من فوقنا ومن تحت أرجلنا، فلنتأمل يا أخي أن يتحقق حلمنا. كنت في ذلك الحين في لم أتجاوز الثلاثين، فكان وقع الكلمات على مسامعي غريبًا، ولم استفق من مفعولها السحري إلا بعد أن نضجت مداركي. وممن حسن الحظ جاء هذا النضج مبكرًا. ومما يؤسف له، أن صديقي خطفه الموت بشكل مفاجئ، ولم تمهله الحياة الكثير من الوقت ليرى بأم عينه ماذا فعلت بنا الأحلام، وفي أي وادِ كنّا نهيم. لقد كنّا في وادي الشعراء السحيق، نمضغ هذه الأحلام كل يوم، كما لو أنها خبزنا اليومي، ذلك أن الشعوب التي تعاني من ألم الطغيان تجنح إلى الأحلام كهروب من واقعهم المر. على أي حال، لو كان صديقي على قيد الحياة، ربما لذكرته بفكرة غرامشي، لكي يعتمد عليها كنموذج تفسيري لما يحصل الآن للتنظيمات الإسلامية وكيفية إدارتها للسلطة.

اقرأ/ي أيضًا: العلاقة بين المجتمع والنخبة: محاولة للفهم

يقول فالح عبد الجبار في كتابه "العمامة والأفندي" ما  مضمونه، أن التنظيمات الشيعية قبلت بالديمقراطية لأنها كانت ضامنة للأغلبية الطائفية.. بمعنى أن العراق لو كان يتمتع بأغلبية سنية لتمرّدت التنظيمات الشيعية على الديمقراطية. ولهذا الكلام ما يؤيده، فالتجربة السياسية أكبر برهان؛ لقد تنكرت هذه الأحزاب لكل قيم الديمقراطية والحرية، وجردتها من كل مضمون. فلنترك الديمقراطية والحرية على جنب، فهذا موضوع ذو شجون، أو يمكن القول إنه تحصيل حاصل، فماذا تنتظر من تنظيمات مذهبية لم تستطع الاتفاق على هلال العيد، أو المولد النبوي، أو حتى وقت الإفطار في رمضان. السؤال الجوهري، الذي يشغلني على الأقل؛ هل كان هؤلاء أوفياء لدستورهم العقائدي الذي تغنوا فيه دهرًا طويلًا؟ هل كان زهد علي بن أبي طالب، ودولة الحق والعدل الإلهي حاضرة في ممارستهم السياسية؟ ببساطة شديدة نرجع إلى فكرة غرامشي!

بالإحالة إلى فكرة غرامشي، فأن القوم لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء؛ لقد تربع العراق في مدة حكمهم على عرش الفساد العالمي، وامتلأ البلد بمافيا الفساد لدرجة اليأس من كل محاولة للحد من هذا الفساد، وتعرض إلى أكبر عملية احتقار لمؤسسات الدولة في تاريخه، وأصبح القادة السياسيون هم المؤسسات، إذ لا تتحرك جماهيرهم إلا بإيعاز منهم. بمعنى أن الجماهير السياسية هي جماهير عقائدية تتحرك طبقًا للعقيدة الدينية، إنها لا تتحرك ضمن برنامج انتخابي يحسن ظروف عيشهم، ويجعل حياتهم جديرة بالعيش، وإنما روح الإيمان هي النقطة الجوهرية لتوجههم السياسي. أما التنظيمات الإسلامية فهي تتحرك طبقًا لمصالحها!؛ للجمهور إيمانه وإخلاصه، وللجماهير إيمانها الذي لا يتزعزع.

بالطبع أنا هنا لا أهاجم إيمان الناس (فهذا جنون آخر ابتلينا به من قبل المتحمسين)، بقدر ما أسلط الضوء على حالة الفصام الخطيرة التي نعانيها: نريد دولة وخدمات ومؤسسات، لكن بذات الوقت لا نخضع لها بقدر ما نخضع لمراجعنا الدينية والحزبية حتى في إدارة شؤون الدولة. فلنترك الجمهور فهم أناس بسطاء على أي حال، ولنسأل عن هذه التنظيمات الإسلامية التي صدعت رؤوسنا حينما كانت في الخارج: أين المبادئ التي آمنتم بها؟ أين دولة الحق والعدل؟ أين زهد علي بن أبي طالب في سلوككم؟ ربما نجد الجواب عند غرامشي!

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

قوافل المغدورين

الوجه الآخر للطغيان