22-يوليو-2019

تنشغل الحكومة العراقية في توزيع المناصب بين قوى المحاصصة وليس هناك جدية في التعامل مع مسيحيي العراق (AFP)

في 27 تموز/يويلو 2014 أجبرت عائلة يونس على الرحيل من الموصل، وضع في خيارات كانت أما أن يسلم أو يدفع الجزية لداعش أو أن يرحل. كان الكثير من المسيحيين فضلوا الرحيل، لم يسمح لهم بأخذ حاجياتهم، وقصد الأغلبية منهم إقليم كردستان العراق الذي يتاخم الموصل.

للمسيحيين 19 كنيسة كانت قائمة قبل اجتياح داعش للموصل التي يسكنون فيها منذ أزمنة بعيدة ولهم فيها ذاكرة وطنية وثقافية 

المسيحيون يسكنون الموصل منذ أزمنة بعيدة، ولهم 19 كنيسة كانت قائمة حتى صيف 2014، كانوا أيضًا يملكون منازل في جانبي الموصل الشرقي والغربي، وأغلبها في مواقع تجارية وسكنية مهمة.

اقرأ/ي أيضًا: عيد القيامة في أربيل.. احتفال ممزوج بذكريات بغداد ودمشق

يقول يونس الذي يبلغ من العمر 50 عامًا، وهو يسكن مع زوجته الآن في عينكاوا بأربيل، إنه "كان في حي الزهور بالجانب الشرقي من المدينة، وكانت له بنت واحدة، كانت تتعرض دائمًا للتنمر بسبب أنها مسيحية، من قبل عناصر الجيش الذين كانوا يسطيرون على المدينة، كما هو حال كثير من الفتيات والناس هناك، حتى جاء "داعش" وطلب من جميع المسيحيين أما إعلان الإسلام أو دفع الجزية، أو الرحيل من دون أي أمتعة".

يروي يونس لـ"ألترا عراق"، كيف سلك الطريق الرابط بين شرق الموصل إلى دهوك والخوف يخيم على العائلة داخل سيارته القديمة، حيث اجتمع الأقارب معه أيضًا، وتعرضوا للتفيتش والسرقة من قبل عناصر تنظيم "داعش" في الطريق، لكنهم وصلوا إلى مدينة دهوك ومن ثم انتقلوا إلى أربيل، ووفرت الكنيسة السريانية لهم المزيد من الدعم هناك للسكن والبدء بحياة جديدة.

أضاف أن "الأمور بدأت تسير طبيعية في عينكاوا التي تعد أكثر مدينة يسكنها مسيحيون في العراق الآن، مستدركًا "لكن عقب التحرير، زرت المنزل الذي سكنه عناصر في "داعش"، ومن ثم جيران آخرون من دون إيجار، لأجد أن جميع محتويات المنزل قد سرقت".

يقول يونس إنه "دخل في نزاع جديد، فالسكان من الجيران، إما يرفضون الخروج من العقار أو يدفعون أجورًا زهيدة، لأننا مسيحيون فقط، ولا شيء آخر، كما أن حكومة الموصل لم تبادر بأي اهتمام"، مبينًا أنه "كان يعمل في مشروع نفطي بالقيارة، عندما كان يسكن الموصل، وخلال فترة سيطرة "داعش" انتقل إلى العمل في كركوك".

يرفض يونس العودة إلى الموصل، لأنه لا يشعر بأمان، كما أن جميع أقاربه لم يعودوا وإنما غادروا العراق تمامًا.

نحو 9 عائلات عادوا إلى الموصل مركز محافظة نينوى، لكنهم سرعان ما غيّروا محل سكنهم إلى مدينة برطلة، شرق الموصل

عادت نحو تسع عائلات للسكن في الموصل بسبب ارتباطها بدوام رسمي، لكن سرعان ما عادوا لتغيير محل سكنهم إلى برطلة، وهي ناحية تتبع الموصل، أو الحمدانية المجاورة.

اقرأ/ي أيضًا: سنان أنطون: تركت العراق لكنه لم يتركني

كنيستان أعيدتا مجددًا في الموصل، لكن الكثير من الموظفين انتظموا في أعمالهم الحكومية من دون السكن هناك، فيما يقيم بعض القساوسة في كنائسهم المرممة جزئيًا.

للموصل كنائس مهمة مثل كنيسة الساعة التاريخية وكنيسة اللاتين، وكنائس أخرى لا تزال مغلقة حتى الآن.

ثلاث أسباب تلخص أزمة العودة

يقول السياسي المسيحي، والنائب السابق في البرلمان العراقي، جوزيف صليوا، إن "هناك ثلاثة مشاكل تعيق عودة المسيحيين إلى الموصل وتقلّل أيضًا من فرص عودتهم إلى المناطق المحيطة للمدينة مثل برطلة وتلكيف وتل اسقف وبعشيقة والحمدانية".

أضاف صليوا لـ"ألترا عراق"، أن "السبب الأول هو الأمن غير المستقر في الموصل، بالإضافة إلى الخوف من عودة "داعش"، أو الخلايا النائمة التي قد تستهدف المسيحيين، مبينًا أن "السبب الثاني هو الانهيار الاقتصادي في الموصل، ومصادرة منازل المسيحيين حتى الآن، وعدم وجود جدية في حمايتهم وإعادة منازلهم لهم".

جوزيف صليوة: هناك فصائل عسكرية تتغطى بشكل الدولة من قوميات ومذاهب معينة تعيق عودة المسيحيين إلى ديارهم باسم الدين

أشار صليوا إلى أن "النقطة الأهم كذلك، هي وجود فصائل عسكرية تتغطى بشكل الدولة من قوميات ومذاهب معينة تعيق عودة المسيحيين باسم الدين، لغايات الاستحواذ على أملاكهم في الموصل ومحيطها، التي تعد روح المسيحيين في العراق".

برطلة والتغيير الديموغرافي

أقرب منطقة للموصل مأهولة للسكان المسيحيين هي برطلة بالوقت الحالي، يعرف عن برطلة أنها منطقة مسيحية، ويسكن فيها منذ سنوات عائلات من الشبك، لكن إدارتها وكل ما فيها يعود بالأصل للمسيحيين، وفق ما يقول مسؤولون محليون.

اقرأ/ي أيضًا: أسسها اليسوعيون وجمعت يهودًا ومسلمين.. صور نادرة تروي قصة كلية بغداد

قال عضو مجلس برطلة المحلي، يوسف يعقوب، إنه "في برطلة كانت توجد قبل أحداث "داعش" 3200 عائلة سريانية، مستدركًا "لكن الآن لا يوجد سوى 1200 عائلة، وأغلب المتاجر التي كانت مستأجرة من قبل البلدية لسكان المنطقة أصبحت لمستأجرين من قومية أخرى".

أضاف يعقوب لـ"ألترا عراق"، أن "التغيير الديموغرافي أصبح ظاهرًا للعيان بشكل واضح الآن، مستدركًا "ولكن القصة ليست جديدة، حيث أنه في زمن صدام حسين ضمت آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية إلى الناحية، وتم إسكان مواطنين من النمرود والقيارة، وسكان شبك كثر في المنطقة وأصبح تعداد السكان فيها نحو 10 آلاف نسمة، وأصبحت برطلة بوابة الموصل تفقد خصوصيتها".

أوضح يعقوب أنه "بدأت تلك العائلات بمحاولة الاستحواذ على متاجر البلدية، وبعد سقوط صدام أصبحت المتاجر في المزادات، وبعد "داعش" رفعت أعلام طوائف ولوحات وصور، أثرت على النفسية وأعطت انطباعًا بأن المدينة ليست كما هي في الأساس، وبدأت تلك الجهات التي تمتلك حشودًا شعبية، تمنع السكان الأصليين من حرية التنقل والعيش، وأصبحوا يستحوذون على برطلة".

وينتشر لواء 30 من الشبك في الحشد الشعبي ببرطلة ومداخل الموصل، وهم يسيطرون على أجزاء كبيرة من الناحية، ولهم حواجز تفتيش وشعارات دينية وصور شهداء تنتشر على طول طريق برطلة.

عضو مجلس برطلة المحلي: في برطلة كانت توجد قبل أحداث "داعش" 3200 عائلة سريانية، لكن الآن لا يوجد سوى 1200 عائلة

مصدر في لواء الشبك، قال لـ"ألترا عراق"، إن "الشبك حالهم حال المسحيين تعرضوا للظلم في فترة "داعش"، ولم تنصفهم الحكومة، مستدركًا "ولكن انتشارهم في برطلة جرى بتنسيق حكومي وبشكل رسمي، وليس كما يشاع بأنه استحواذ وسيطرة إجبارية، ولم تسجل أي دعوى قضائية في المحاكم ضد اللواء أو أي جهة سياسية أو على مواطنين من الشبك طيلة الفترة الماضية".

المسيحيون.. أين وجهتهم؟

وجهة المسيحيين الآن هي ليست العودة إلى برطلة أو الموصل والحمدانية، أو حتى البقاء في إقليم كردستان العراق، تقول عائلات تستعد للرحيل خارج البلاد إلى الأبد.

اقرأ/ي أيضًا: البقاء والهجرة والتهجير.. المركز العربي يفتتح مؤتمر المسيحيون العرب في المشرق

أصالة، وهي فتاة في عقدها العشرين، تقول إنها "تعيش مع عائلتها الآن في عينكاوا، ولكنهم يحزمون الحقائب لشهر آب/أغسطس القادم لغرض السفر إلى عمان ومن ثم تقديم طلب لجوء إلى أوروبا.

أضافت أصالة في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "قرار الرحيل جرى بإجماع عائلتها، لأنهم لم يجدوا أن الأمور بعد طرد "داعش" أصبحت أفضل بكل شيء، مبينة "ارتفع في السوق حتى إيجار منازلهم التي يسكنون فيها نازحون، ولا يوجد استقرار في أي مكان بالعراق للبقاء".

ستغادر عائلة اصالة، وهم محملون بألم الوضع الذي عاشوه، لم يبق من أقاربهم أي أحد، كما هو حال أغلب العائلات المتواجدة في كردستان، لكنهم يقولون إن ثمة غصة لا تزال في قلوبهم وهم يتركون كل شيء خلفهم. "لا يوجد أعز من البلاد"، هكذا يقول رجل مسيحي تصر عائلته على الهجرة إلى أوروبا.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

التهريب والأتاوات في الموصل..هل هو الانهيار مجددًا؟

رغم تغريدة الصدر وموقف البرلمان.. مرشح الحشد محافظًا لنينوى