29-يونيو-2020

مصطفى الكاظمي (فيسبوك)

لا تستغرب ولا تعجب أيها الكاظمي عندما تلتقي أو تقابل أي مواطن بسيط ليخبرك بأنك قد وقعت في فخ المسؤولية، وإن الذين جاءوا بك إلى رأس السلطة التنفيذية هم أنفسهم الذين سيكونون أعدائك. وبالرغم من أنك كنت جزءًا من نظام سياسي (فاشل) أنتج عملية سياسية (عرجاء) بعد عام 2003 كانت نتائجه كل هذا الخراب والدمار والقتل والتشريد وإنهاء كل شيء اسمه العراق، إلا أنك ربما لم تُدرك بالرغم من أنك كنت تقود أخطر جهاز أمني في البلاد ما يدور حولك من خفايا الأمور في الغُرف المظلمة وأسرار السياسة المقيتة في العراق.

 هناك فئات تعتقد أن مجرد التفكير بإجراء بعض التغييرات في المنظومة الحاكمة سيُنهي مكاسبها ويُبدد مشروعها الفاسد ويجعلها عُرضة للانقراض

لم تتعرف على حقيقة الوجوه التي تلتقي بك، وتفرّق بين الصديق والعدو وبين الوطني والعميل والمحب لشعبه والحاقد عليه. ولا نتمنى لك الفشل نحن عراقيو الداخل الذين اقتطع الحصار سنوات من أعمارنا وعشنا مرارته، فكنا نأكل نوى التمر مطحونًا ونحسبه طحينًا، ومضغنا التمر مع الشاي بدل السكر، لأن الحكومة وقتذاك أصدرت أمرًا بمنع صنع الحلويات و(الچكليت) بحجة عدم توفر السكر في الأسواق ولشحته في أيام الحصار.

اقرأ/ي أيضًا: قرضٌ ورفحاء وحكومة صحفية.. ليس من هنا يبدأ الإصلاح

كنا نشاهد في ذلك الوقت الصعب توابيت الأطفال حديثي الولادة وهي تجوب الشوارع، بعد أن تم إطفاء التيار الكهربائي عن حاضنات الأطفال الخُدّج بصورة مقصودة أو غير متعمدة، لا ندري، كانت عيون أطفالنا ترنو إلى فاكهة غريبة في محلات البقالة اسمها (الموز) لا يجوز التقرّب منها أو لمسها لأن ثمن موزة واحدة كان يكلف نصف راتب الموظف آنذاك. وبالرغم من تلك السنين العُجاف إلا أن الأمل كان يحدو بنا إلى التغيير الذي جاء فعلًا حيث تغيرت الوجوه وتبدلت المناصب، لكن السيئ تحول إلى الأسوأ. وبالرغم من أننا لم نعد نهتم بالكثير من الوجوه التي اعتاشت على خداعنا وتضليلنا، إلا أننا لا زلنا نحلم ونتمنى، وإذا كان هؤلاء الذين جاءوا بك إلى هذا الموقع قد أجادوا فن الخداع والتضليل، فإني أضع أمامك أيها الكاظمي خارطة طريق مُعتقدًا أنها قد تُنجيك من هذا المأزق الذي وضعوك فيه، حيث تقضي هذه المعادلة إلى ثلاثة محاور تداخلت فيما بينها لإسناد هذه العملية السياسية، وفي كل محور، فئة تظن جازمةً أن مجرد التفكير بإجراء بعض التغييرات في المنظومة الحاكمة سيُنهي مكاسبها ويُبدد مشروعها الفاسد ويجعلها عُرضة للانقراض. ثلاث فئات أيُها الرئيس هي القابض والماسك لدفة الحكم في العراق، وأتمنى من مُستشاريك وناصحيك أن يضعوا أمامك هذه الحقائق عن هذه الفئات الثلاث التي ستنقض عليك لمجرد الاقتراب من مصالحهم.

أما الفئة الأولى؛ فهم من مُزدوجيّ الهوية أو الجنسية، وهم قوم لا ندري كيف سمح لهم الدستور العراقي والقوانين الوضعية بأن يتولوّا مسؤولية مناصب مهمة وحساسة في هذه الدولة بالرغم من أن كل قوانين دول العالم ودساتيرها تمنع بل وتُحرّم تولي أي مسؤولية وظيفية أو سياسية في البلد لشخص يحمل جنسيتين إلا في العراق، والمصيبة أن أكثر الذين يحملون الجنسيتين أو أكثر، يكونون بصفة موظف بدرجة خاصة من درجة مديرعام فما فوق، تُرى كيف سيكون الانتماء الوطني لمواطن يحمل في جيبه شعارين لبلدين مختلفين، وهل تظن أيها الرئيس أن هذا المواطن سيحمل من المواطنة والوطنية ما يؤهله لتولي أي منصب قيادي في الدولة.

أما الفئة الثانية، فهم من مُزدوجيّ الولاء والانتماء، وهؤلاء هم الأكثر غرابة والذين يُثار حولهم ألف سؤال وسؤال، وهو لماذا كل هذا التنكر والإنكار لبلدهم ووطنهم، ولماذا مشاعرهم وأهوائهم تتخطى الحدود إلى دول الجوار أو دول أخرى، ولماذا قلوبهم وسيوفهم على وطنهم بالرغم من أنهم أكالون شرابون مُتشدقون في الكلام ومتنعمون في بلدهم ولماذا ولماذا، الخ.. 

أما الفئة الثالثة، فهم من مُزدوجيّ الراتب وهم فئة قليلة غادرت وتركت العراق وأهله إلى دول أخرى، لتتكاثر وتتناسل هذه الفئة ولتصبح أعدادها تفوق الأرقام الحقيقية للهاربين، وتصبح طبقة لا يُستهان بها من الذين يستلمون أكثر من راتب، ولتكون ازدواجية الراتب هي السائدة في أغلب قيادات العملية السياسية في العراق، بل أن الكثير من السياسيين والمسؤولين اعتمد على السُحت المزدوج بالرغم من أن الكثير منهم ليسوا حتى مجاهدين، بل هم مُرتزقة تم إضافة أسمائهم عن طريق الرشوة أو المحاباة، ويظن هؤلاء أن المساس بهذا الارتزاق اللامشروع هو من المُحرمات التي لا يجوز التقرّب منها.

ولا أكتُمك أيها الكاظمي أن مهمتك صعبة وليست باليسيرة، فتحقيق العدالة الاجتماعية وإنعاش الوطنية وتوفير العيش اللائق لهذا الشعب المظلوم وتثبيت السيادة، سيتوجب عليك مواجهة هذه الفئات، ولن تكون المواجهة سهلة، ولكنك اخترت، فهؤلاء (المُزدوجين) هم رؤوس المثلث الذي كان دائمًا العكازة التي تسند هذه العملية السياسية البائسة، يجهلها الكثير ويتغاضى عنها الأكثر، ولكنها بوابة الحل لمشاكل العراق، وستجد أن باقي مصائب العراق من الطائفية واللصوصية والإرهاب وانفلات السلاح ستذوب بمجرد القضاء على هذه المزدوجات. العراقيون أيُها الرئيس يُريدون وطنيًا يحمل جنسية عراقية، وولائه للعراق وليس غير العراق، وأن يتقاضى راتبًا واحدًا أو حتى لا يتقاضى أي راتب.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

معضلة النظام العراقي وأزماته.. انتهت حلول الأرض؟

العراقيون بين رهاب كورونا ومخاوف الجوع