24-مايو-2021

نشارك بالتفاهة ونروّج لها ونندرج ضمن نظامها دون أن ندري (فيسبوك)

"نجحت مواقع التواصل في ترميز التافهين، أي تحويلهم إلى رموز، فصار يمكن لأية جميلة بلهاء أو وسيم فارغ، أن يفرضوا أنفسهم على المشاهدين، عبر عدة منصات تلفزيونية عامة، هي في أغلبها منصات هلامية وغير منتجة، لا تخرج لنا بأي منتج قيمي صالح لتحدي الزمان" ما بين علامات الاقتباس، مُقتبس من الكتاب الذي يحمل عنوان المقال هذا. وهو اقتباس جميل، وفكرته واضحة، وصياغته مُغرية. يختزل كمًّا من سخطنا على سخافات مواقع التواصل. والحال هذه، فهو أخذ صيتًا فاق صيت كاتبه، وغيّب مجمل الكتاب. في قائمة أصدقائي على "فيسبوك"، أحصيت زهاء 200 منشور لهذا الاقتباس، مُرفق بصورة الكتاب، وأحيانًا صورة رمزيّة. والحقيقة، لا زال هذا الاقتباس متداولًا.

نشارك بالتفاهة ونروّج لها ونندرج ضمن نظامها دون أن ندري. وهذه هي مزيتها

الكتاب يدور حول فكرة محوريّة تتعلّق بسيادة نظام مهّد لسيطرة التافهين على مفاصل الدولة الحديثة. عرض المؤلّف لنظام التفاهة من خلال السياسة والاقتصاد والثقافة والقانون أسلوب غير معتاد، بتفكيك نظام الأشياء، وتوضيح الارتباطات المعقّدة بينها. تعابيره حادّة ومتداخلة. ثمّة إضاءات تحتاج لقراءةٍ هادئة ومتأنّية، في بعض المفاصل التي يتناولها الكاتب بغضب، يشبه نوعًا ما السخط الذي استدعانا لاستعارة الاقتباس بنسخه من آخرين، ولصقه على جدران صفحاتنا دون التأكّد من صحّته. إذن، ما الخيط الناظم بين الاقتباس وانطباعي هذا عن الكتاب؟

اقرأ/ي أيضًا: عقد مع/في الفضاء الأزرق

لا. لا تتصوّر أنّ المقال يناقش فكرة الاقتباس. ولا تحليل ظاهرة الاقتباسات التي تطفح بها مواقع التواصل. ولا حتّى تقديم قراءة عن الكتاب. إنّما عن التفاهة التي تعرّض لها كتاب يمتدّ على أكثر من 300 صفحة، يشرّحها، ويحذّر منها، بشواهد ومصاديق مستمدّة من الواقع المعاش. الاقتباس أعلاه لا علاقة له بالكاتب. يعود للمترجمة التي صاغته وفق منظورها الشخصيّ الذي يمثّل وجهة نظرها الخاصّة وبمنظور انطباعي حرّ تمامًا. وأضافت المترجمة، تصوراتها حتّى توضّح الفكرة. إذن، كان الاقتباس الذي طغى على الكتاب، للمترجمة وليس للكاتب. هذا يعني أنّ كلّ من شاركه على صفحته لم يقرأ الكتاب، وإلّا، لا يجوز نسبه للكاتب، ولأنّ العبارة تحاكي واقعنا، وترتبط ضمنًا ببنية الكتاب صارت جزءًا منه، وهي ليس منه. أليست هذه تفاهة؟

لا، قد يكون هذا خطأ غير مقصود؟ التفاهة التي أقصدها تتجاوز هذا بكثير. ثمّة تدليس تعرّض له الاقتباس العائد للمترجمة. لم تسبكه المترجمة بهذه الصياغة المتداولة ألبتّة! وصف "ترميز التافهين" الذي وظّفته المترجمة في تعليقها على الكتاب، ويبدو أنّه وصف دارج، إذ لم تنسبه لأحد بعينه؛ أخذه أحدهم، وبنى عليه هذا الاقتباس الشائع، وفق فهمه الخاص.

هكذا تتجلّى التفاهة بأبهى صورها، نشارك بالتفاهة، ونروّج لها، ونندرج ضمن نظامها، دون أن ندري. وهذه هي مزيتها.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الاستثمار في التفاهة!

مجتمع الطاغية والعبيد