08-أغسطس-2020

فشل النظام السياسي في بناء تجربة ديمقراطية متقدمة (Getty)

كانت وما زالت الأزمة السياسية العراقية الحالية في مكانها منذ 17 عامًا مما جعل الدولة تبقى في دوامة الفشل السياسي، والعجز الذي لا يسده شيء، ولذلك أن عجز النظام السياسي العراقي عن إيجاد الحلول المناسبة والمعقولة في مواجهة المشاكل والهفوات التي أوقعت نفسها وشعبها بها يلاحق جميع الطبقة السياسية باختلاف الانتماء والتوجهات (سنة وشيعة وكرد) الجميع كانوا متواطئين ومقصرين، وأصبح من الواضح جدًا أن الحياة السياسية والاجتماعية في العراق تزداد سوءًا، مع تراكم الكم الهائل من التصدعات والمشاكل والمطبات السياسية دون حلول، وهو الأمر الذي يقابله موجات من السخط والغضب الجماعي من الجماهير المطالبة بإصلاح النظام السياسي، حتى انعدمت ثقه الناس في الانتخابات، ومن الملاحظ أن الانتخابات التي كانت بصيص أمل عند العراقيين بتغيير النظام السياسي استشرى فيها الفساد إلى النخاع وأصبح التزوير والتلاعب في صناديق الانتخابات وأصوات الناس شيئًا لا بد منه لاستمرارية النظام السياسي الفاسد الحالي وهو ما أعلن على الملأ أكثر من مرة.. ودائمًا ما يواجهنا السؤال عن أهم سلبيات وعيوب النظام السياسي العراقي، وهل ياترى سيبقى النظام السياسي على ما هو عليه اليوم أم أنه سينهار؟ أنا اؤمن أن أستمرارية النظام السياسي بهذا الكم الهائل من الفساد والصعوبة في إيجاد الحلول وعدم وضع الخطط الإصلاحية المناسبة قد لا يطول مقامه، ولا يطول حكمه، فشرارة الغضب ما زالت موجودة وتكبر. 

العراقيون وفي أيام الاحتلال الأمريكي لم يكتبوا الدستور عام 2005 ولم تشارك في كتابته النخب الوطنية

وفي الحقيقة أن النظام السياسي العراقي نظام متآكل، غير مترابط وقوي، ومن السهل جدًا سقوطه، بسبب عدم اكتراث قادة النظام به، وأن الآليات التي جاء بها هذا النظام لا تنسجم مع الديمقراطية السليمة.. فمنذ كتابة الدستور العراقي الذي جاء به الاحتلال الأمريكي، والذي جاء معه شخصيات لا تمت للسياسة، ولا الإدارة شيئًا، وفصل هذا الدستور العراق إلى نظام حسب التقسيم الطائفي والمحاصصاتي للسلطة، وإنشاء ما يسمى بمجالس المحافظات ومنح الساسة الامتيازات الفاحشة، والأموال الهائلة التي كانوا يحلمون بها من قبل، ووضع القاتل الأول للعراقيين ما تسمى بالأحزاب السياسية الفاسدة، التي نهبت وأدمت قلب العراقيين وواقعتهم في مشاكل كثيرة واستغلت الاقتصاد لها، وحكرت التجارة والصناعة والزراعة لمصالحها، ودمرت البنى التحتية حتى أصبح الفساد في العراق مثلًا يضرب به في العالم.

اقرأ/ي أيضًا: الدستور: سعي لتغيير مفاهيم المحاصصة والكتلة الأكبر.. ومواد بارزانية حمراء

لم يكتب الشعب العراقي الدستور في 2005، ولم تشارك في كتابته النُخب الوطنية من المفكريين والأكاديميين والأساتذة، بل كتبته أيادي حزبية سياسية والاختلاف الطائفي والمكوناتي الكثير بينهم في تقسيمه، قبل أن يتم التصويت عليه، وقد سمي في ذلك الوقت "لجنة كتابة الدستور" المفتقرة إلى المنطق، ولا تملك أي مؤهلات رصينة في كتابة دستور لبلد مثل العراق، وخصوصًا بعد مرحله انتقالية شهدت الإطاحة بالنظام البائد واحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

إن أول خطوة يحتاجها العراق، هو إعادة صياغة وكتابة الدستور غير العراقي الذي جاء به مجموعة من المرتزقة الذين طمعوا في ثروات وأموال العراقيين، ولأنه كتب من غير إرادة ومشاركة شعبية حقيقية كبيرة، وأعطى الامتيازات للساسة، وتعامل مع المنطقة الكردية على أنها كيان مستقل، وإقليم خارج عن حدود العراق الجغرافية، وهذا ما كنا نتكلم عليه بأن يكون منصفًا وعادلًا، ولا يتم تقسيم العراق حسب الأقليات والأقاليم، وهذا مغاير ومعاكس تمامًا لما تتطلبه التجربة الديمقراطية والوطنية، وتحتاج كتابة وصياغة الدستور إلى مشاركة النخب الفاعلة في الفضاء العام، ويتم التصويت عليه عبر استفتاء شعبي من جميع العراقيين ومن حق الشعب رفضه أو الاعتراض على بعض من المواد التي باستطاعة اللجنة أن تغير منها، من حقهم رفضه لأنه كتب لخدمتهم ولراحتهم وأمنهم، كتب لأجل العراق لا لأجل المصالح الشخصية الحزبية والخارجية. 

في انعدام السلطة التي تشعر بمسؤولية يحدث الفساد، وانعدامها بدرجة مطلقة يحدث الفساد المطلق، ومن الواضح أن السلطة السياسية في العراق انعدمت، فوجودها من عدمها لا يقدم شيئًا للعراقيين بعد أن باتت هذه الوجوه متحالفة فيما بينها لاستمرار الفساد الموجود في كل مؤسسات الدولة، بسبب غياب القانون والعدالة وضياع أموال الناس، وعدم الاكتراث بها، ومن المستحيل محاسبة فاسد لفاسد، وعندما يأمن الموظف من العقاب سيقع في الفساد ويسوم الفقراء سوء العذاب. إنه لأمر كارثي، حيث وصل واستشرى الفساد حتى في القضاء العراقي! إن المشكلة هي هي أن النظام يحمي الفساد ويدفع باتجاه تفشيه، والنخبة السياسية الحاكمة تعاني منه بدرجة مطلقة. فإذا صلح القائد فمن يجرؤ على الفساد؟ لقد قام النظام السياسي العراقي على أخطاء كثيرة وعديدة، عند كتابة الدستور، ومنها المحاصصة للمناصب بشكل يقوم على الانتساب الطائفي لا الكفاءة، وتقسيم المناصب يبنى على حساب تهميش حقوق الآخرين ونهب ثرواتهم، فضلًا عن لغة العنف التي تطبع بها، والتي لم ينتج منها غير الدمار الاجتماعي، فيما عملت السلطة بعد 2003 على الحكم وإظهار بأنها ديمقراطية، لكنها لم تكن ديمقراطية أبدًا، ويصح القول إن ما يحدث في العراق ديمقراطية بلا ديمقراطيين، أو أنها ديمقراطية تحمي الفساد. 

فشلت الطبقة السياسية في وضع الحلول لكل أزمة مر بها العراق، ويمكننا أن نذكر هذا الفشل على شكل نقاط: 

  • 1ـ الدستور العراقي غير صالح للعراقيين، وضعيف، وتمت كتابته من قبل أشخاص لا يمتون للسياسة والعمل السياسي بشيء ولأجل مصالحهم وأهدافهم لا أكثر. 
  • 2ـ  تقسيم السلطة على أساس نظام طائفي والمحاصصة وإعطاء الرئاسات الثلاث والوزارات حسب الطائفة والمذهب وليس على أساس الكفاءة. 
  • 3ـ الاستغلال والتستر بالدين عبر ما يسمى أحزاب الإسلام السياسي في مجتمع متنوع.
  • 4ـ  عدم استقلالية المفوضية العليا للانتخابات. 
  • 5ـ منح الامتيازات الفاحشة والرواتب إلى الساسة والقادة. 
  • 6ـ إنشاء مجالس المحافظات الذي لا ينسجم مع واقع العراق. 
  • 7ـ غياب وتشضي المعارضة الحقيقية القوية التي تطالب بحقوق الشعب وتعارض النظام السياسي داخل البرلمان..
  • 8ـ غياب الدور الرقابي والتشريعي للبرلمان والضعف والفساد في النظام القضائي.
  • 9ـ غياب الهوية الوطنية للساسة العراقيين وتبعيتهم وولائهم المطلق لدول الجوار أو الغرب حفاظًا على مصالحهم.
  • 10ـ غياب وجود قوة وإرادة حقيقية في تغييرالنظام السياسي.
  • 11ـ عدم وجود نظام اقتصادي في العراق تحت مبدأ المصلحة العامة للبلاد.
  • 12ـ غياب دور السلطة والقانون في كشف الفساد ومحاسبة الفاسدين وتقديمهم للعدالة.
  • 13ـ خضوع النظام السياسي العراقي إلى إرادة غير عراقية خارجية تتحكم فيه وبثرواته ومستقبله.
  • 14ـ اعتماد النظام على النفط تاركًا التجارة والصناعة التي من شأنها أن ترفع اقتصاد البلد.
  • 15ـ تدمير القطاع الزراعي وعدم تشجيع الفلاح العراقي وتقديم له المعونة والمتطلبات الحقيقية.
  • 16ـ غلق المصانع والمعامل وعدم تشجيع المنتج الوطني المحلي والاستيراد من دول الجوار والغرب.
  • 17ـ كثرة البطالة، وخصوصًا عدم تخصيص درجات تعينية للمتخريجين والاستفادة من خبراتهم.
  • 18 ـ عدم السيطرة على تهريب النفط إلى الشمال ودول الجوار والفساد الضخم فيه.
  • 19ـ سوء وضعف الجهاز الأمني بسبب فساد النظام السياسي.
  • 20ـ تسيس الإعلام وخضعه لأيادي حزبية، ولصالح السلطة السياسية غير الوطنية.
  • 21ـ تهميش وتهجير الكفاءات العلمية النزيهة المستقلة.
  • 22ـ غياب دور القانون مما أدى إلى انتشار السلاح خارج إطار الدولة وتأسيس جماعات مسلحة قد تهدد الدوله نفسها.
  • 23ـ ضعف التمثيل الخارجي الدبلوماسي سواء في الأمم المتحدة أو العلاقات الدولية بعد أن أصبحت وزاره الخارجية مقرًا لأبناء وأقارب الوزير و"طائفته" بالضرورة المحاصصاتية.
  • 24ـ إهمال مراقبه الحدود الجغرافية العراقية وعدم حمايتها من المتربصين بأمن العراق وشعبه.
  • 25ـ سوء الخدمات اللازمة التي يحتاجها المواطن العراقي. 
  • 26 ـ سوء التعليم في العراق وعدم وجود كوادر تدريسية كافية مع قلة المدارس.
  • 27 ـ تدمير الثقافة والفن وعدم وجود أي برامج أو مواصلات داعمة للحراك الثقافي.
  • 28ـ عدم وجود خطط للتحديث العمراني والبنى التحتية والبدء بمشاريع خدمية. 

كل هذه النقاط ما هي، إلا لمحة صغيرة، ونقطة في بحر من الهفوات والعيوب ومساوئ العملية السياسية العراقية، التي لم تصلح منها أي شيء، وأن المشاكل في جميع النظام السياسي والمؤسسات والفساد يستشري بها كالمرض الخبيث. ومن هذا الفشل المتفاقم يطرح السؤال عن سقوط هذا النظام وهل من الممكن انهياره؟ إن أقوى وأعظم الإمبراطوريات قد تلاشت مع مرور الوقت، وإن في عالم السياسة لا يوجد ما هو ثابت، وخير مثال (الاتحاد السوفيتي). إن الحكومات لا تسقط بل تتساقط، وهي من تسقط نفسها بنفسها، وذلك بسبب الاستخدام المفرط للقوة أو الاستبداد، والاستخدام المفرط للجشع، وطبقها على النظام السياسي في العراق فقد بدأ بالتساقط تدريجيًا، وهناك عوامل كثيره تجعله هشًا، ومنها عدم الشرعية، وعيشه في أزمة الإنجاز، ولم يؤد مهامه اتجاه الشعب، وعدم إتاحة الفرصة للآخرين بالمشاركة الفعلية وتقديم الخبرات، كل هذه العوامل، ومعها عوامل كثيرة تشير إلى انهيار النظام السياسي، ولا ننسى غضب الشعب العراقي وعدم تقبله للنمط الموجود في الحكم. 

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد تحديد موعد الانتخابات المبكرة.. ما هي سيناريوهات العمل السياسي للمحتجين؟

بين "الصوريّة" و"الأبكر".. شبكة علاقات السلاح تهدد الانتخابات