08-أبريل-2021

ولادتها وموتها كعقيدة واستثمار "شبحها" (فيسبوك)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

بعد إتمام العراق عامه الـ18 على تعرضه للغزو من قبل القوات الأمريكية في نيسان/أبريل 2003، وإسقاط النظام السابق برئاسة صدام حسين، لا تزال مسألة طبيعة العلاقة والرؤية العراقية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية غير مستقرة ومحل خلاف شاخص، إلا أن أهم مافي المسألة هو تبدل الأدوار وانقلاب المواقف بالنسبة للأطراف السياسية والاجتماعية في البلاد.

 لم تعدّ مواقف الأمس البعيد في الداخل العراقي تجاه الولايات المتحدة الأمريكية كما كانت قبل 18 عامًا

وبينما كانت ثنائية "المحتل - المحرّر" محل خلاف شغل النقاشات على الأصعدة السياسية والاجتماعية والدينية، لم تعد مواقف الأمس البعيد في الداخل العراقي تجاه الولايات المتحدة الأمريكية على حالها، وتقلبت تارة لأسباب تتعلق بواقع الحال والحل الأسلم، وتارة أخرى تتعلق بمسائل تتعدى التعلق بالداخل العراقي، بل محكومة بحسابات أخرى معظمها خارجية وإقليمية.

اقرأ/ي أيضًا: 9 حقائق هامة ينبغي ألا ننساها عن الغزو الأمريكي للعراق

ويقود هذا الملف إلى إلقاء نظرة حول واقع ومفهوم "المقاومة" بين الأمس والحاضر، وهو المشكلة الأبرز التي يعاني منها العراق في سنواته الأخيرة، فمنها ينطلق التوتر الأمريكي الإيراني وانعكاساته على الأراضي العراقية وشرعية وجود الفصائل وسلاحها الذي انسحبت تبعاته على الدولة واقتصاد البلاد والشعب عمومًا، حتى سقطت دماء عراقية عديدة بفعل صواريخ الكاتيوشا، وما تسبّبه هذه الصواريخ من تهديدات على الوفود الأجنبية وتطوّر الاستثمار الخارجي في البلاد.

ووفقًا لمراقبين وباحثين، يمكن تقسيم الأطراف الأبرز في قضية الرؤية تجاه الجانب الأمريكي عقب سقوط نظام صدام حسين إلى 3 أقسام، الأول يتمثل بـ"الجانب السنّي"، بالإضافة إلى جانبين شيعيين، تمثل الأول بالشخصيات المعارضة القادمة من الخارج والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي كان يضم معظم الرموز والحركات المرتبطة بعائلة المرجع الديني محمد باقر الحكيم، والجناح العسكري التابع للمجلس متمثلًا بمنظمة بدر التي يرأسها هادي العامري، زعيم تحالف الفتح الحالي، فضلًا عن التيار الصدري الذي ورثه مقتدى الصدر من والده المرجع محمد محمد صادق الصدر، كطرف ثالث في هذه المعادلة.

كان لكل طرف من الأطراف الثلاثة، إرث وتطلعات وأسباب ترسم شكل العلاقة والرؤية تجاه الجانب الأمريكي عقب سقوط نظام صدام حسين على يد هذه القوات.

الجانب السني.. ما زال يعتقد بـ"الاحتلال" ولكن!

اتخذ الجانب السني كمنظومة دينية ومجتمعية موقفًا واضحًا مضادًا للغزو الأمريكي، وكان هو أول من وصفه بـ"الاحتلال"، فيما كان هذا الموقف مدفوعًا بعدة قضايا، من بينها دينية وعقائدية، وأخرى تتعلق بالنظام السابق وكون صدام حسين من "الحاضنة السنيّة" في العراق، وعلى هذا الأساس، انطلقت حركات "المقاومة" من الداخل السني بقوّة، ضمّت بداخلها ضباطًا من الجيش العراقي السابق الذي تم حلّه على يد الحاكم الأمريكي المدني بول بريمر، وخاضوا المعارك الكبيرة مع الجانب الأمريكي، فيما تم تحريم الاشتراك بالانتخابات من قبل المنظومة الدينية السنية آنذاك، إلا أن الموقف السني الواضح اليوم، أصبح يرى الجانب الأمريكي صديقًا، في تبدل للموقف محكوم بـ"واقع الحال".

ويرى القيادي في جبهة الإنقاذ والتنمية، أثيل النجيفي، التوصيف الرسمي والواقعي للتدخل الأمريكي في العراق "هو احتلال" وأن الجانب السني ما زال يعتقد بهذا، وما تغير هو النظرة حول طبيعة العلاقة مع الجانب الأمريكي.

ويضيف النجيفي في حديث لـ"ألترا عراق"، أنه "لا شك أن التوصيف الوحيد للتدخل الأمريكي في العراق عام 2003 هو الاحتلال وهذا باعتراف الأمريكان أنفسهم"، مشيرًا إلى أن "كل من يغيّر هذا التوصيف فانه ينظر من ناحية مصلحة حزبه، وليس من ناحية التوصيف الدولي والواقعي لذلك الحدث الذي ضرب أمن واستقرار المنطقة برمتها وليس العراق لوحده".

ويتابع: "بغض النظر عن الموقف من النظام السابق، إلا أن الفوضى التي رافقت التغيير وعدم وجود اتفاق استراتيجي حول ما بعد التغيير هو الذي تسبب بالحال الذي يعيشه العراق"، معتبرًا أن "هذا التوصيف لم يتغير بالنسبة للمجتمع السني، مستدركًا "ولكن الذي تغيّر هو النظرة حول أهمية العلاقة مع الولايات المتحدة، وهل أن قيام الولايات المتحدة باحتلال العراق عام 2003 يعني استمرار حالة العداء معها، أم أن السنة أصبحوا يرون أنهم بحاجة الآن للمجتمع الدولي الذي تؤثر الولايات المتحدة كثيرًا في قراراته؟".

يقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري إن سبب تبدل القناعات يعود إلى تغيّر المصالح

ويعتقد النجيفي أن "أغلبية السنة يفضلون الرؤية الثانية، ويعتقدون أن القوى الفاعلة حاليًا داخل العراق لا تمتلك أي حل للازمات التي يعاني منها العراق، ويعرفون بأن الدعوة لحل أزمات العراق داخليًا هي بطريقة غير مباشرة، إعلان من الجهات التي امتلكت السلاح خارج الدولة العراقية للحفاظ على وضعها ومصالحها".

الصدر والإرث الثقيل

انفرد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، من بين الجانب الشيعي الأكبر الذي كان يستعد لاستلام زمام الحكم في العراق لأول مرة في تاريخه على يد القوات الأمريكية، انفرد بخيار "المقاومة"، الخيار الذي جاء على أثر تبعات عديدة تتعلّق ربما بالإرث الذي تركه والده محمد الصدر، والذي يُترجم بشكل واضح بالهتاف والشعار الأبرز الذي ثبته محمد الصدر في أسماع ونفوس أتباعه "كلا كلا أمريكا".

اقرأ/ي أيضًا: جردة حساب في مواجهة الاحتلال الأمريكي.. كيف انقسمت المقاومة العراقية طائفيًا؟

هذا الشعار الذي يكون قد وضع مقتدى الصدر في حرج واختبار اتخاذ الموقف الصريح من الجانب الأمريكي، كان مدفوعًا أيضًا برؤية الصدر الذي يمثل طرفًا شيعيًا مهمًا في الداخل العراقي تجاه الأطراف الشيعية القادمة من الخارج التي تستعد لاستلام الحكم فيما كان الصدر يراقب، ربما دفعت الصدر لاتخاذ خياره بـ"المقاومة"، الطريق الذي وضعه على أهداف القتل أو الاعتقال من قبل الجانب الأمريكي، وفقًا لعديدين كتبوا عن ظاهرة التيار الصدري في العراق.

إلا أن الصدر الذي اشترك مع "المقاومة السنيّة" في عام 2004، يبدو أنه اتخذ موقفًا مشابهًا للموقف السني الحالي من القوات الأمريكية، والتعامل مع "الأمر الواقع" واستبعاد خيار المقاومة المسلحة.

الأطراف الشيعية الأخرى.. مقاومة الحسابات الأخرى!

وسط التبدلات في المواقف واستعراض مبررات "المقاومة" لدى الجانب السني والصدر، يبرز التحوّل الأهم، والذي يتعلق بالأطراف الشيعية الأخرى، التي تمثل العصر الجديد من "المقاومة" التي قد لا تشابه النسخة الأولى منها.

تبرز منظمة بدر وعلى رأسها هادي العامري اليوم كعنصر فاعل ومقرّب من تيارات "المقاومة الحديثة"، في الوقت الذي كان هذا الجناح المصد الأول ضد الصدر وجناحه العسكري "جيش المهدي" في خيار المقاومة، حتى وصل الأمر إلى التصادم المسلح في عام 2004 وشن عناصر من منظمة بدر هجومًا على مكاتب الصدر في النجف وحرقها، حتى قال العامري في تصريح حينها إن "جيش المهدي يريد مقاومة الاحتلال لكننا لا نرى فائدة من مواجهة مع الأمريكيين".

وكانت شهادات من محافظة النجف وبعض المحافظات، تؤكد مشاركة قوات بدر بالقتال إلى الجانب الأمريكي ضد قوات الصدر وأوقعت منهم العديد من القتلى، فيما تظهر منظمة بدر وعلى رأسها العامري، كداعم للفصائل التي اختارت "المقاومة" بشكلها الحديث، في انقلاب بالموقف محكوم بحسابات أخرى لا تتعلق بمفهوم "المقاومة"، بحسب متابعين.

يقول إحسان الشمري إن العراق بلدًا ديمقراطيًا ولا وجود لمفهوم المقاومة، فبغداد كحكومة وسلطة تنفيذية تتعاون مع أمريكا بشكل رسمي

يقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري في حديث لـ"ألترا عراق"، إن "سبب تبدل القناعات يعود إلى تغير المصالح، ففي الوقت الذي كانت الولايات أصدقاء للشيعة، الآن تحول بعض الشيعة والحديث عن القوى المرتبطة بالفصائل، ترى أن هنالك خطرًا عليها فيما إذا استمر التواجد الأمريكي داخل العراق إضافة إلى أن رؤيتهم هذه ترتبط بمصلحة وأهداف إيرانية، فوجود أي قوات دولية يهدد أمنها القومي".

اقرأ/ي أيضًا: المقاومة والسلطة.. معركة النفور المتبادل

وبشأن الجانب السني، يشير الشمري إلى أنه "وبعد سنوات أدرك عدم وجود مصلحة في استمرار المقاومة وتحول الجانب الأمريكي إلى صديق لا عدو، خصوصًا وأن إخراج القوات الأمريكية من الداخل العراقي أو ابتعاد أمريكا عن العراق سيتسبب بابتلاعه من قبل إيران، وهذا له محاذير والسنة قلقون جدًا بهذا الشأن".

وبشأن المقاومة كمفهوم، يعتبر الشمري أن "العراق بلدًا ديمقراطيًا ولا وجود لمفهوم المقاومة، رسميًا على الاقل، فبغداد كحكومة وسلطة تنفيذية تتعاون مع أمريكا بشكل رسمي وما تتواجد من قوات على أراضي العراق فهو بطلبها، وأغلب الأطراف لا يجد مبررًا لمفهوم المقاومة".

ويختم الشمري حديثه بالقول إن "مفهوم المقاومة مرفوض من أغلب الشيعة، ومن السنة والكرد، لذا فأن قضية المقاومة صفحة طوتها أغلب القوى السياسية والشعبية ولا ترى فيها مصلحة".

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

مركز أبحاث الجيش الأمريكي: إيران هي المنتصر الوحيد في حرب العراق!

عدوان عدسة أبو غريب.. الدم العراقي في إطار الصورة والمعنى!