16-مارس-2020

فشلت الأطراف السياسية على مدى أشهر بإنتاج حكومة جديدة (Getty)

ألترا عراق - فريق التحرير

ليس "كورونا" وحده من يخيف العراقيين ويلبّد سماء مدنهم بسحب بالترقب والقلق، فهناك أزمة اقتصادية خانقة تلوح في الأفق، مع استمرار عقدة الحكومة المؤقتة وتصاعد الصراع الأمريكي الإيراني مجددًا على أرض البلاد.

يواجه العراق أزمات كبرى أبرزها وباء "كورونا" والصراع الأمريكي الإيراني فضلًا عن انهيار أسعار النفط

تأثيرات هذه الأزمات الأربع تبدو واضحة في شوارع المدن العراقية، وخاصة العاصمة بغداد، فهي شبه مقفرةً هذه الأيام، خاصةً بعد المغيب، فيما يظهر القلق جليًا على الوجه على الرغم من تغطيتها بالكمامات الطبية.

وليس لدى المواطنين ما يواجهون به هذه الأزمات سوى تخزين المواد الغذائية وانتقاد الجهات المسؤولة، فالحكومة المستقيلة ليس في جعبتها سوى إدارة الأمور اليومية في البلد، مقابل عجز القوات المسلحة على ضبط العنف المتصاعد من طرف الفصائل المسلحة أو منع طائرات الأمريكية من إسقاط حمولات من الصواريخ على المقار الأمنية والمؤسسات الرسمية، ضمن عمليات "الانتقام".

"ولد الخايبة"!

فبعد القصف الذي طال معسكر التاجي شمالي بغداد، مساء الأربعاء 11 آذار/مارس، حيث قتل جنديان أمريكيان وآخر بريطاني مع إصابة آخرين ضمن قوات التحالف الدولي، ردت القوات الأمريكية فجر الجمعة 13 آذار/مارس، بقصف مقارٍ للقوات الأمنية العراقية وأخرى للحشد الشعبي متوزعة بين جرف الصخر وكربلاء والنجف، كانتقام على موجة صواريخ الكاتيوشا التي استهدف قوات التحالف.

وأسفر القصف الأمريكي، وفق قيادة العمليات المشتركة العراقية، عن مقتل 5 عناصر من الجيش والشرطة وإصابة 6 من زملائهم إضافة إلى 5 مصابين من الحشد الشعبي.

اقرأ/ي أيضًا: العراق يدخل "المرحلة الأخطر".. هل تأخرت إجراءات احتواء "كورونا"؟

وأشارت القيادة أيضًا، إلى مقتل شاب مدني يعمل في مطار كربلاء الذي طاله القصف، وهو مشروع قيد الإنشاء تديره العتبة الحسينية.

مواقع التواصل تداولت صوة للشاب القتيل واسمه كرار، ليتساءل آلاف المتفاعلين عن صلته بهذا التصعيد الذي عدوه جزءًا من الصراع بين واشنطن وطهران على الأرض العراقية، وتديره فصائل شيعية ممولة من إيران بعيدًا عن مصلحة العراق.

يقع "ولد الخايبة" كما يعبر عن الفقراء والمحتاجين في العراق غالبًا ضحايا للصراع الأمريكي الإيراني

ولم يقتصر الحزن على هذا الشاب فقط، فالعراقيون يعرفون أن الطريق إلى المقار العسكرية، لا يسلكه الشبان إلا لتوفير لقمة عيش عوائلهم، بعد أن تضيق بهم السبل الأخرى، فصاروا يعبّرون عنهم بـ "أبناء الخايبة" الذين غالبًا ما يكونوا ضحايا في "صراع الصواريخ" الذي تدور رحاه بين الميليشيات والقوات الأمريكية.

وبعد القصف الأمريكي، تكرر استهداف قاعدة التاجي بصواريخ "الكاتيوشا" صباح السبت 14 آذار/مارس، ما أدى إلى إصابة اثنين من الجنود العراقيين، و3 جنود أميركيين بعضهم في حالة حرجةً كما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية التي توعدت بـ"محاسبة المهاجمين".

من جهة أخرى، يثير تصاعد الصراع بين واشنطن وطهران، مخاوف من حملة جديدة ضد المتظاهرين الذين ما زالوا مصرين على مطالبهم التي يلخصونها بشعار "نريد وطن"، كعمليات "انتقام" تنفذها الميليشيات التي تعتبر الاحتجاجات "مؤامرة أمريكية"، كما يرد على لسان بعض قادتها ووسائل إعلامها، في وقتٍ عاد فيه مسلسل اغتيال الناشطين إلى الواجهة بقوة.

"كلاوات"!

إلى جانب أعمال العنف، يتربص خطر وباء "كورونا" بالعراقيين، في ظل إجراءات رسمية وصف بالضعيفة والمتراخية، حيث يرتفع مؤشر الإصابات بسرعة مثيرة للقلق، في وقت تقر خلية الأزمة المشكلة لمواجهة المرض بأن قراراتها لا تتعدى كونها "كلاوات".

دخلت البلاد المرحلة الأخطر مع استمرار ارتفاع مؤشر الإصابات بـ"كورونا" مقابل إجراءات رسمية لا تتعدى كونها "كلاوات"

وفي حين يقول وزير الصحة جعفر صادق علاوي، إن وزارته تعمل على إنتاج لقاح للفيروس، وإنها تقدمّت على دول مثل فرنسا وإيطاليا، تشير الإحصائيات إلى أن الوفيات في العراق تقدر بـ10% من عدد الإصابات، في صدارة دول العالم.

مدير صحة دائرة الكرخ في بغداد جاسب الحجامي أقرّ، في العاشر من الشهر الجاري، بأن أداء بعض المفاصل المهمة في وزارة الصحة ومنها دائرة الصحة العامة المعنية بالدرجة الأولى بالتصدي لمرض كورونا، "فاشل"، وقال: "إذ كنا نحن المدراء العامون لا نثق بما يصدر من إعلام الوزارة ودائرة الصحة العامة فماذا يفعل المواطن"، محذرًا من أن "الفجوة بين الناس والوزارة أصبحت كبيرةً جدًا".

وقبلها، كان الحجامي قد كشف عن قيام مدراء وحدات صحية بـ"التحريض على طرد المواطنين المشتبه بإصابتهم بكورونا أو المحجورين إلى خارج المستشفيات خوفًا على أنفسهم وعوائلهم".

بالمقابل، يتعامل المواطنون بـ"استخفاف" مع مخاطر المرض، وفق ما أشرّت المفوضية العليا لحقوق الإنسان، حيث فشلت كل الدعوات لمنع التجمعات ومنها الدينية وتجنب السفر إلى الدول الموبوءة كإيران وغيرها، حتى اضطرت السلطات إلى إعلان حظر التجوال.

"رواتب الموظفين في خطر"

وفي ظل هذه الأوضاع، يعيش نحو 7 ملايين شخص بين موظف ومتقاعد ومستفيد من شبكة الحماية الإجتماعية يتقاضون رواتب من الدولة، في قلق على مصادر أرزاقهم، فالدولة قد تعجز، نهاية العام الجاري، عن دفع الرواتب، كما يقول رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.

فمع انخفاض أسعار النفط التي يعتمد العراق عليه بنسبة 95% في إيراداته المالية، يقدر العجز في الموازنة العامة للسنة الحالية بـ 45 مليار دولار.

ينتظر العراق أزمة اقتصادية خانقة مع انهيار أسعار النفط مع توقعات تشير إلى عجز عن تأمين رواتب الموظفين بنهاية العام

لكن في قبالة تحذيرات العبادي من الأزمة، التي حمّل الحكومة المستقيلة برئاسة عادل عبد المهدي مسؤوليتها نتيجة اتباع سياسيات وصفها بـ"غير رشيدة وتصل إلى مستوى خيانة أمانة الحكم"، وتحذيره من "كارثة اقتصادية" قادمة، يقول المستشار الإقتصادي لرئيس الحكومة مظهر محمد صالح، إن الحكومة تتبع تدابير خاصة لتأمين الرواتب، وتعتبرها من "الخطوط الحمراء، التي لايمكن المساس بها".

موعد جديد لـ"إسقاط النظام"..

وترتبط جميع الأزمات المشار إليها بملف واحد، وهو ما قد يفاقمها ويعرقل خطوات حلها، متمثلًا بعجز الأطراف السياسية عن إنتاج حكومة جديدة تستطيع إدارة البلاد لمرحلة مؤقتة وتكون قادرة على تجاوز المخاطر المحدقة بالعراق، وصولًا إلى انتخابات مبكرة تلبي طموحات المواطنين، الذين عزف غالبيتهم عن المشاركة في عملية الاقتراع الأخيرة عام 2018.

اقرأ/ي أيضًا: "الانتقام" الأمريكي يطال مواقع عسكرية رسمية ومنشأة يديرها السيستاني!

ولا يبدو أن الحكومة الجديدة سترى النور قريبًا، إذا انتهت المهلة الدستورية دون توصل القوى الشيعية إلى اتفاق حول مرشح بديل بعد اعتذار محمد توفيق علاوي.

وعاد المتظاهرون في ساحة التحرير، إلى التهديد بـ"إسقاط النظام" الذي وصفوه بـ"الديكتاتوري"، عبر احتجاجات "مليونية"، في حال عدم الإستجابة لمطالب حددوها في بيان أصدروه، مؤخرًا.

وتضمنت المطالب، تشكيل حكومة من المستقلين واختيار أعضائها وفق الكفاءة والنزاهة ممّن لم يشغلوا أية مناصب حكومية في السابق، إضافة إلى محاسبة الجهات المسؤولة عن قتل واختطاف المتظاهرين والناشطين الذين تجاوز عددهم الـ500 شخصٍ، وإطلاق سراح زملائهم المعتقلين، إضافة إلى تحديد موعد لإقامة انتخابات "نزيهة" بإشراف الأمم المتحدة، وحصر السلاح بيد الدولة، وإصلاح المنظومة القضائية وعدم السماح ببقاء مسؤوليها في مناصبهم أكثر من 4 سنوات.

حدد المتظاهرون يوم التاسع من نيسان المقبل موعدًا لاحتجاجات "مليونية" هدفها "إسقاط النظام"

كما طالبوا ببناء اقتصاد عراقي قوي، من خلال خبراء مختصين وبشكل يضمن زيادة الإنتاج الصناعي والزراعي والنهوض بالواقع الصحي، داعين إلى تقليص امتيازات ورواتب الرئاسات الثلاث والدرجات الخاصة وإخضاعهم لقانون الخدمة المدنية أسوة بباقي الدرجات الوظيفية، وإصلاح التعليم دون تأجيل العام الدراسي الحالي.

وفيما أكد معتصمو ساحة التحرير، التي تعدّ ساحة التظاهر المركزية في العراق، رفضهم أي نقاش أو حوار مع السلطات أو الأحزاب السياسية، وأعلنوا براءتهم ممّن يقوم بذلك، فقد ختموا بيانهم قائلين: "في حال عدم تنفيذ مطالب الشعب سوف يكون التاسع من نيسان ذكرى سقوط النظام الدكتاتوري (نظام صدام حسين عام 2003) هو نفس اليوم الذي نسقط فيه هذا النظام الفاسد، عبر مليونية حاشدة أعددنا لها بالتنسيق مع بعض المحافظات المنتفضة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

مصافحة تحرج "الميليشيات".. هل نال الكاظمي جواز المرور إلى القصر الحكومي؟

"مبادرات العجز" تعمق أزمة الحكومة.. العرف سياسي في مواجهة الدستور