تشكلت في الآونةِ الأخيرة الأسواقَ الإلكترونية، وأصبحت محطةً ونقطة إنطلاق للكثير من الطاقاتِ الشبابية في تحدٍ للبطالةِ وبديل للوظائف الحكومية، فبعد سنوات الدراسة المضنية تصطدم أحلام الشباب في البلاد، والتي تتمثل بالوظيفة والزواج والسكن، بالواقع القاسي الذي يترجمه المثل الدراج في العراق "مد رجلك على كد غطاك"، ما دعا الكثير منهم إلى خوض تجربة العمل التجاري الحر مدفوعين بالتشجيع الأسري واليأس من الحكومات، مقابل الكثير من المتطلبات والمعوقات.
انتشرت خلال السنوات الأخيرة الماضية المتاجر الإلكترونية التي يؤسسها الشباب في العراق في محاولة لمواجهة البطالة المتفشية
يقول علي ناصر، 30 عامًا، وهو شاب مطّلعٌ ومهتمٌ بالتسويق الإلكتروني، إن "المشاريع الصغيرة والمتوسطة توفر السلعَ نفسها الموجودةَ في الأسواق الواقعيةِ ناهيك عن توفير فرص عملٍ للكثير من الأفراد، مع إمكانية تخفيضُ السعر بنسبة 10 – 20% عن الأسعار في الأسواق الواقعية".
اقرأ/ي أيضًا: الآلاف في الشوارع: "ثورات" أججها عبد المهدي بوجه حكومته.. كيف سيواجهها؟
يضيف ناصر في حديث لـ "الترا عراق"، أن "الفائدة الأكبر من التجارة الإلكترونية هي تحريكِ العقولِ وتشجيعِ الشبابِ وخاصةً النساء اللواتي يعانين من ضغطِ المجتمعِ والعائلة التي تقيدُ من حركتهم على مستوى العمل في شركاتِ القطاعِ الخاص"، مبينًا أن "أغلب المشاريع هي من صنع اليد (الهاند ميد) وليست مستوردةً".
"منافسة قوية لكنّها غير عادلة"، هكذا يقول أثير محمد، صاحب مشروع "مرح" الإلكتروني لبيع الفضة، حيث يشير إلى إيجابيات وسلبيات التجارة الإلكترونية مقابل الأسواق الواقعية، موضحًا لـ "الترا عراق"، أن "الأسواقَ التجارية الإلكترونية تصل إلى زبائنَ أكثر من الأسواق الواقعية، مقابل تكلفة أدنى أيضًا، مع ميزة احتواء الأولى (الأسواق الإلكترونية) على سلع نادرة لا توجد إلا في أسواق خاصة".
ثلاثة معوقات!
من جانبه يقول مهند منجد، مستشار إعداد الخطط التسويقية لشركات القطاع الخاص في المنطقة العربية إن "معوقات تطور التجارة الإلكترونية في العراق ثلاثة: البيئة المالية، الثقافة العامة، والبيئة القانونية. لذلك أغلب الشبابِ يتجه نحو فتح المشاريع خارج العراق، ويستهدف بالتسويق المناطقَ العربية"، موضحًا أن "التجارة الإلكترونية تحتاج إلى خطط تسويقية وترويج وتحضير رأس المال، والجمهور المستهدف".
توفر المتاجر الإلكترونية الكثير من المميزات من بينها الأسعار المناسبة والتنوع الكبير للبضائع مع سهولة الوصل إليها وسرعة استلامها
يبين ذو الـ 30 عامًا أيضًا في حديث لـ "الترا عراق"، أن التجارة الإلكترونية تقدم "خدمة مضافة" هي سهولة الحصول على معلومات المنتج والسلعة، "إذ بإمكاننا تصفح الكثير من المنتجات في دقائقَ معدودة، والطلب يصل بسهولة وأسرع من خيار الخروج للأسواق الواقعية"، مؤكدًا أن "فرق أسعار السلع بين الأسواق الإلكترونية والأسواق الواقعية طفيف، كون التجارة الإلكترونية داخل العراق لا تخضع للضرائب ولا تحتاج إلى تكاليف الإيجار والكهرباء، عكس المشاريع الإلكترونية خارج العراق".
ويعتمد مستقبل التجارة الإلكترونية في العراق على سياسة البنك المركزي العراقي، في حال كانت هنالك وسائل حقيقية وواقعية تطبق في الفترة القادمة لتطوير بيئة التجارة الإلكترونية داخل البلاد، منها تشغيل بوابة الدفع الإلكتروني بين المصارف، في ظل توسع كبير للتجارة الإلكترونية بسبب الثقافة العامة نحوها، إذ بدأت بالانتشار مع اهتمام متزايد خاصةً بعد توطين الرواتب للموظفين الحكوميين والمتقاعدين في المصارف الأهلية والحكومية والشركات المالية.
ميزة أخرى
توفر الأسواق الإلكتورنية ميزة أخرى تتمثل بسرعة الاستجابة للطلب في ظل سرعة الحياة العامة وعدم امتلاك شريحة كبيرة من المجتمع لوقت كافي للانشغال بالتسوق الواقعي، كما تقول سارة نظام صاحبة مشروع "pearl for shoping" الإلكتروني للالبسة المستوردة، مبينةً أن "التواجد لـ 24 ساعة والاستجابة السريعة للقائمين على حسابات التسويق الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي خاصة، يمكن الأفراد من طلب البضائع في أي وقت يناسبهم، حتى في ساعات الليل المتأخرة".
تضيف سارة لـ "الترا عراق"، أن "الإقبال على التسوق الإلكتروني بات يفوق الأسواق الواقعية"، مبينة أن "أغلب أصحاب المحلات حتى في بعض الدول تغلق لعدم قدرتها على منافسة الأسواق الالكترونية"، فيما أشارت إلى أن "هنالك حالة سلبية تواجه أصحاب المشاريع الإلكترونية هي رغبة الزبون ومزاجيته في تغيير رأيه وإلغاء الطلب عند وصوله"، مؤكدة أن "اختلاف الأسعار يعتمد على نوع المنتج وجودته".
يعتمد مستقبل التجارية الإلكترونية في العراق على سياسات البنك المركزي ومعرفة القائمين عليها بأساليب الوصول إلى الزبائن عبر منصات التواصل
كما يعتمد نجاح المشاريع الإلكترونية التجارية التي يقف وراء أغلبها جيل من الشباب الذي عاصر مواقع التواصل الاجتماعي واهتم بجمع المتابعين وجذب الاهتمام عبر صناعة المحتوى الخاص، على معرفة ما يهم مستخدمي تلك المواقع وفن التسويق وأساليب الوصول، حيث نشطت مؤخرًا الكثير من الورش التي تخص إدارة السوشيال ميديا بما يخص التسويق وصنع المحتوى وإدارة تلك المواقع والتدوين، من قبل المنظمات والجمعيات وحتى من قبل أشخاص ذوي اختصاص.
تشير فاطمة عبد الكريم، من البصرة، وهي مالكة مشروع "جليتر الإلكتروني"، لتجهيز الأعراس والمناسبات والتزيين، إلى ضرورة "معرفة الأسعار المنافسة للتخطيط ومعرفة كيفية الربح السريع"، مبينة في حديث لـ "الترا عراق"، أنّ استراتيجيات التسويق تنبع من معرفة تنويع مصادر الوصول والانتشار، فيما ترى أن أبرز التحديات تكمن في "عملية التوصيل والمحافظة على التنويع بالعمل والتطوير، والتعامل مع رغبات الزبائن وصناعة محتوى مختلف لجذب الزبائن".
اقرأ/ي أيضًا: عمّال يهتفون لـ"صدام حسين".. البطالة تفتح النار على الفشل الحكومي!
لكن لا تزال هناك شريحة كبيرة من الزبائن تفضل اللأسوق الواقعية، حيث يضمنون رؤية البضاعة وقياس جودتها ومعاينتها فضلًا عن تجربتها، وهو ما يؤكده هشام العقراوي، مالك متجر للألبسة. يقول العقراوي لـ "الترا عراق"، إن "الأسواق الواقعية بإمكانها الاستفادة أيضًا من الأسواق الإلكترونية من خلال الترويج للبضاعة الموجودة وبتلك الطريقة استفدنا من السوقين واستطعنا توسيع قاعدة الزبائن"، عادة تلك الطريقة إيجابية "لتعويض ما يحصل من فرق في الأسعار".
فئات الزبائن..
بدورها تشير زينب أديب، مالكة مشروع "علاكة" الإلكتروني في حديث لـ "الترا عراق"، إلى أن "هنالك فئتين من الزبائن، فئة تبدأ أعمارها من 30 سنة وأقل، وهي تفضل التسويق الإلكتروني، وفئة من 40 سنة فما فوق والتي تفضل التسوق الواقعي"، معللة ذلك "بكون الفئة الشبابية مواكبة للحداثة والتطور وسهولة التسوق، عكس الفئات كبيرة السن التي تريد ضمان نوعية البضاعة كما أنها تستمتع بالتبضع في الأسواق الواقعية".
يرى مختصون في الأسواق الإلكترونية صورة من صور المستقبل الذي تفرض فيه التكنولوجيا نفسها كبديل لجميع التفاصيل التقليدية على جميع المستويات
ويرى صبيح الهاشمي، خبير اقتصادي، أن "العمل الإلكتروني والتجارة الإلكترونية هي إحدى صور المستقبل الذي يعتمد أكثر يومًا بعد آخر على التكنولوجيا، نظرًا لسهولة الأمر توفير الوقت، حيث يبرز القطاع الإلكتروني كبديل للأساليب التقليدية في التسوق والمعاملات وغيرها"، مضيفًا لـ "الترا عراق"، أن "الأسواق التجارية الإلكترونية تؤثر تأثيرًا مباشرًا على الأسواق الواقعية، وأغلب الأفراد يسعون إليها للتخلص من الروتين والتعقيدات".
اقرأ/ي أيضًا:
الخريجون الذين تحولوا إلى دعاية انتخابية.. قصة البطالة العراقية مع "عطية"
قدرة العراقيين الشرائية.. من مغامرات صدّام إلى فقدان 790 مليار دولار!