10-ديسمبر-2019

من مسيرات الطلبة في بغداد (Getty)

منذ انطلاق تظاهرات تشرين الأول/أكتوبر، والتي لا تزال قائمة إلى يومنا هذا، لعب إضراب الطلبة وبعض موظفي الدولة دورًا محوريًا في دعم الاحتجاجات وإدامة زخمها، فيما استقطب الإضراب، الإعلام العالمي وجعله يسلّط الضوء أكثر على الانتهاكات التي ترتكب ضدّ المتظاهرين، حتى صار الشعار الأبرز في التظاهرات التي سميّت بثورة القمصان البيضاء "ماكو وطن ماكو دوام".

منذ بداية الاحتجاجات في العراق كان إضراب الطلبة مساندًا لها، واستمرت المسيرات الطلابية لساحة التحرير في كل يوم أحد 

نشطاء من الطلبة رأوا أن إضرابهم هو جزء من حالة التمرّد الشعبي على السلطة، بالإضافة إلى أنه يعتبر كسرًا لحاجز الخوف، فعلى الرغم من خطاب التهديد والوعيد والانتهاكات التي تعرّض لها طلبة المدارس والجامعات، لا يزال الإضراب معمولًا به إلى يومنا هذا، مما جعل السلطة والأحزاب يلجأون إلى أساليب أخرى في محاولة إنهاء حراك "ثورة القمصان البيضاء"، سرعان ما اكتشفها الطلبة والأساتذة، وكان منها "تحديد يوم 8 كانون الأول/ديسمبر يوم العودة إلى مقاعد الدراسة"، للحفاظ على مستقبل الطلبة، بحسب الشعارات التي روّج لها.

اقرأ/ي أيضًا: طلاب العراق ينعشون الاحتجاجات.. صواريخ في بغداد وجنوب ساخط على سليماني

يعرف الإضراب قانونيًا، أنه "أحد أشكال الاحتجاج السلمي، وغالبًا ما تستثنى الوظائف ذات الأهمية القومية، والتي لا يجوز الإضراب فيها لخطورة ذلك على الدولة، ومن الأمثلة على ذلك، ضبّاط الشرطة والجيش، وأطباء الطوارئ، والقضاة".

بحث "ألترا عراق"، عن الصفحات التي تروّج لمبادرات كسر الإضراب، وتبيّن أن منها صفحات تابعة إلى ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، أما اللافتات التي تصمّم وتطبع، فكانت برعاية مؤسسة الإسلام الأصيل للثقافة والتبليغ، وهي مؤسسة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالإعلام الإيراني الذي يروّج لمشروع ولاية الفقيه في العراق، بحسب المنشورات والصور الموجودة في موقع المؤسسة.

وبين فترة وأخرى، تنطلق حملات داعمة لكسر إضراب الطلبة والعودة إلى الدوام، وهو الأمر الذي يقول عنه أستاذ مادة التاريخ، هشام الصالحي، إن "هذه الحملات تقودها الأحزاب السياسية بعد أن نفدت كل أساليبهم التي باتت مكشوفة أمام حتى الأطفال؛ فطوال كل هذه السنين، كان الطالب العراقي مجهول المستقبل والحكومة لا توفر له أدنى الحقوق، فنحن نعيش في القرن الواحد والعشرين وأغلب مدارسنا من الطين فضلًا عن مشكلة الدوام المزدوج جراء نقص الأبنية المدرسية"، متسائلًا "عن أي مستقبل يتحدثون، ومنذ متى تفكر هذه الطبقة السياسية في الطالب ومستقبله؟".

يشير الصالحي لـ"ألترا عراق"، إلى "أننا إلى الآن لم نحقّق ما نصبو إليه، وهو تغيير النظام السياسي وإنهاء هيمنة الأحزاب السياسية الفاسدة بمختلف مسمياتها"، مضيفًا "نحن مستمرون بثورتنا وإضرابنا وفاءً لدماء الشهداء الأبرار الذين سقوا العراق بدمائهم الطاهرة".

مسيرات الطلبة في محافظة الديوانية (ألترا عراق)

الجامعات والمدارس الأهلية تدخل على خط الإضراب

وعلى الرغم من أن الدعوة إلى كسر الإضراب جاءت من صفحات حزبية في مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنه سرعان ما تبنتها بعض الكوادر التدريسية في الجامعات والمدارس الأهلية، وصاروا يروجون للحملة، وهو ما أكدته الدكتورة آلاء السعدي، أستاذة النقد الحديث في جامعة القادسية، حيث قالت إن "الأحزاب السياسية وجهات أخرى تدّعي اليوم حرصها على الطالب ومستقبله، وتصاعدت الأصوات التي تدعو إلى كسر الإضراب"، متسائلة "أين كانت تلك الأصوات حينما تعرض طلبة الشهادات العليا إلى القمع لما طالبوا بحقوقهم المشروعة؟ أين تلك الأصوات من المدارس الطينية الكثيرة في البلد، فأي مستقبل ينتظر الطالب في ظل أحزاب امتصت دماء الشعب العراقي وضيعت مستقبل أبنائه".

طالب جامعي لـ"ألترا عراق": أغلب المحتجين هم من طلبة المدارس والجامعات وأغلب من استشهد هم أيضًا من الطلبة

وتضيف السعدي لـ"ألترا عراق" أن "هذه الدعوات جاءت من الصفحات التي تديرها الجيوش الإلكترونية للأحزاب الحاكمة، إلا أنها لقيت رواجًا عند موظفي المدارس والجامعات الأهلية، والذين يعقدون الصفقات التجارية في كل عام دراسي فتضررت مصالحهم نتيجة الإضراب، وصاروا يتظاهرون بالحرص على مستقبل الطلبة، لذلك روجوا وتبنوا هذه الحملة عبر منابرهم الإعلامية بصرف النظر عن الجهة الحزبية التي تقف وراءها".

اقرأ/ي أيضًا: طلاب العراق يدخلون الاحتجاجات.. المهندس يترقب والصدر يحذر الحشد الشعبي!

من جهته، يقول الطالب الجامعي زين العابدين محمد في حديثه لـ"ألترا عراق": أنا "مستمر في الإضراب عن الدوام منذ شهر تقريبًا، على الرغم من كوني طالبًا جامعيًا في المرحلة الأخيرة، ومما زاد من إصراري على موقفي هذا مع إخواني الطلبة المضربين هو الأثر الكبير والدافع المعنوي الذي تلقاه إخوتنا المرابطون في ساحات الاحتجاج، والتخبط الذي وقعت فيه السلطة جرّاء إضرابنا، وهذا أقل واجب نقوم به، فالطالب الذي يذهب إلى الدوام في ظل هذه الكوارث التي حصلت إنما هو يسحق بقدمه دماء إخوته الذين سقطوا في ساحات التظاهر"، حسب تعبيره. 

يتابع زين العابدين أن "الجهات السياسية تعلم أن رجوع الطلبة إلى مقاعدهم الدراسية وكسر الإضراب يؤدي الى إطلاق رصاصة الرحمة على الاحتجاج كلّه، لافتًا إلى أن "أغلب المحتجين هم من طلبة المدارس والجامعات وأغلب من استشهد هم أيضًا من الطلبة، فمن الخيانة وانعدام الإحساس أن نتجاهل هذه المآسي ونرجع إلى مقاعد الدراسة دون تحقيق شيء، فأيام الدراسة يمكن تعوضيها، ولكن من يعوض دماء الشهداء الذين سقطوا مطالبين بوطن يليق بنا".

يذكر أن نقابة المعلمين تواصل الإضراب الطلابي والتظاهر تضامنًا مع مطالب الشعب، وأصدر ممثلو طلبة وجامعات كربلاء بيانًا أعلنوا فيه رفضهم لمثل هذه الدعوات الرامية إلى كسر الإضراب، فيما لفتوا إلى أنه "بعد الحملة التي شنتها بعض الجهات الحزبية لإضعاف الاعتصام الطلابي الموحد، ولأن الطلبة هم أساس الثورة، لذا نعلن عن رفضنا لمثل هذه الأصوات اليائسة التي تحاول ثني الطلاب عن المطالبة بحقوقهم الشرعية"، مؤكدين أن "اعتصامنا يستمر، ولن نعود إلا بعودة الوطن الذي لطالما طالب به شهداؤنا الأبرار، ولن نساوم على دمهم الطاهر مهما كلفنا الأمر".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الاعتصام وسط الدخّان.. كيف اشتد "عوده الطري" في مواجهة السلطة؟

ماذا يفعل "مسلحو الداخلية" في مدارس البنات غير إبداء "النصائح"؟