ألترا عراق ـ فريق التحرير
تواصل أسعار النفط العالمية ارتفاعها اليومي إلى معدلات الانتعاش، ما يؤشر وجود فرصة حقيقية أمام العراق لوضع إجراءات جديدة تخرجه من مأزق الأزمة الاقتصادية التي دخل فيها منذ ظهور جائحة كورونا وتأثر الاقتصاد العالمي بشكل كلي، ما أسفر عن خسائر كبيرة على مختلف الشرائح المجتمعية، لا سيما في بلدان الصادرات النفطية الكبرى التي خفضت أنتاجها لقلّة الطلب العالمي الذي يمثل مصدر الدخل الأكبر لموازناتها المالية.
بالتزامن مع ارتفاع أسعار النفط ظهرت دعوات لتقليل نسبة الاقتراض، والسعي لإعادة سعر صرف الدولار مقابل الدينار
الموازنة المالية لعام 2021 في العراق لا تزال قيد النقاش والتعديلات بين البرلمان والحكومة، رغم أن اللجنة المالية حددت الاثنين القادم هو الموعد الثابت للتصويت على الموازنة، بالتزامن مع دعوات للاستفادة من هذا الارتفاع بأسعار النفط لتقليل نسبة الاقتراض، والسعي لإعادة سعر صرف الدولار مقابل الدينار إلى مستويات طبيعية تنهي معاناة المواطنين من غلاء الأسعار وانخفاض قيمة رواتب الموظفين، وهو ما سيكون أفضل من بقاء السعر الحالي عند 1450، كما أقرته وزارة المالية مؤخرًا.
اقرأ/ي أيضًا: اللجنة المالية تحدد "الموعد الثابت" للتصويت على الموازنة
ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور هادي الشماع في تصريح لـ"ألترا عراق"، إنه "في حال إقرار الموازنة من قبل البرلمان لن يكون لأسعار النفط تأثيرًا سوى على نتائج نسبة العجز الموجود فيها، مبينًا "يفترض ان يكون سعر النفط في الموازنة ثابت بين 52 و 54 دولارًا للبرميل حتى لو بلغ السعر العالمي 80 دولارًا فلن يكون هناك تغيير في أرقامها إلا في حال الرغبة بتشريع موازنة تكميلية".
وأضاف الشماع: "لهذا لن يكون هناك أي تغيير في أرقام الموازنة، كونها اقتربت من الإقرار، وكذلك أعداد الدرجات الوظيفية فيها، لأنها ستعتمد على سعر النفط المتفق عليه سابقًا، مبينًا أنه "قد يتغير سعر النفط إلى الانخفاض ومع بقاء الأرقام الحالية حينها سيرتفع العجز المالي، أما إذا ارتفعت الأسعار، فالعجز سينخفض في الموازنة، وهي علاقة عكسية دائمًا يجب اتخاذها بالحسبان".
يأتي ذلك في وقت اعتبر فيه مقرر اللجنة المالية النيابية أحمد الصفار، خلال تصريحات صحافية، أن اعتماد سعر برميل النفط عند45 دولارًا في الموازنة "بعيد كل البعد عن الواقع لكون كافة المعطيات وتوقعات خبراء النفط بأن سعر النفط سوف يتراوح بين 61 إلى 69 دولارًا خلال عام 2021 وكان الأجدر احتسابه على الأقل بـ 50 دولارًا للبرميل"، لافتًا إلى أن "هذا ما يؤيده أغلب أعضاء اللجنة لتوفير مبلغ 20 ترليون دينار كمورد في الموازنة".
من جهته، يعلّق الخبير الاقتصادي خطاب الضامن، قائلًا إن "الحكومة حصلت على إيرادات إضافية لخزينة الدولة نتيجة رفع سعر صرف الدولار في الفترة القريبة الماضية منذ صدور قرار الرفع، بالمقابل، فإن المواطن دفع ثمن هذه الفائدة الحكومية بارتفاع أسعار المواد الغذائية والبضائع في السوق،فضلًا عن ارتفاع نسبة الفقر في العراق ولا ننسى نسبة البطالة، مضيفًا أنه "لا نعتقد بوجود استعداد لدى الحكومة للتخلي عن الفوائد المالية من هذا القرار".
ويقول الضامن لـ"ألترا عراق"، إنه "لا يزال العراق يخوض في أزمة مالية واقتصادية، فحجم الديون الداخلية والخارجية ارتفع كثيرًا خلال السنوات الماضية بسبب جائحة كورونا وقانوني تمويل العجز المالي، بالإضافة لبلوغ نسبة العجز في الموازنة المالية الحالية 25 ترليون دينار".
أما بشأن أسعار النفط، قال الضامن إن "الأسعار انخفضت العام الماضي بسبب جائحة كورونا، إذ أغلقت الأنشطة الاقتصادية والمعامل والمصانع العالمية، مستدركًا "لكن الارتفاع اليوم حصل بفعل تحسن الأوضاع الاقتصادية العالمية وإنتاج لقاحات الفيروس وقيام مجلس الشيوخ الأمريكي بتشريع قانون يحفز ويحدث الاقتصاد بميزانية كبيرة ستجعل الانتعاش يمتد لاقتصادات الدول الأخرى".
وكان البنك المركزي العراقي، أعلن في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2020، تعديل سعر صرف الدولار، أما الدينار العراقي من 1190 دينارًا لكل دولار إلى 1450 دينارًا لكل دولار كسعر شراء العملة الأجنبية من وزارة المالية، و1460 دينارًا لكل دولار كسعر بيع العملة الأجنبية للمصارف، وأخيرًا 1470 دينارًا لكل دولار كسعر بيع العملة الأجنبية للسوق، فيما أكدت اللجنة الاقتصادية النيابية، في 10 كانون الثاني/يناير الماضي، أن رفع سعر صرف الدولار وفر 12 تريليونًا لسد جزء من عجز الموازنة، مبينة أن "اتخاذ هذه الخطوة جاء بسبب العجز بالموازنة، مرجحة "عدم عودة سعر صرف الدولار إلى قيمته القديمة".
بالمقابل، يرى الخبير الاقتصادي صفوان قصي، أن "العراق يحتاج إلى 69 دولارًا كمعدل لسعر برميل النفط الواحد كي يكون العجز في الموازنة المالية 2021 بنسبة الصفر، بمعنى أن سعر خام برنت حاليًا يتجاوز 71 دولارًا، فالحكومة خلال 2020-2021 لن تحتاج إلى تمويل العجز بالاقتراض لأنها تستطيع تغطيته بالكامل من ارتفاع اسعار النفط".
وأكد لـ"ألترا عراق"، أنه "إذا ما استمر التوتر في منطقة الشرق الأوسط ممكن أن نشهد ارتفاع إضافي بأسعار برميل النفط، ومن الممكن أيضًا أن تكون لدى العراق موازنة تكميلية تستفيد من ذلك طبعًا في حال عدم تجدد الاستهداف في مضيق هرمز، مبينًا أن "التوتر الحالي مرتبط بالمملكة العربية السعودية فهي أكبر مصدر للنفط على مستوى العالم فعملية تأثر موانئ المملكة بالتهديدات تؤدي إلى متغيرات في كل وقت".
أما بشأن تخفيض الاقتراض بالموازنة، وفيما إذا استغل البرلمان أسعار النفط وثبت سعر البرميل عند 69 دولارًا للبرميل وقام بضغط الانفاق من 164 ترليون إلى 127 ترليون، وبما أن الموازنة للآن ليست مقرة، فعمليًا ـ وبحسب الخبير الاقتصادي ـ "يجب سعي البرلمان لتغيير سعر صرف الدولار لكي يكون أكثر عقلانية كون الحركة الاقتصادية تأثرت كثيرًا بهذا الارتفاع الحاصل، ومن الممكن العودة إلى سعر صرف 1200 دينار أو 1340 دينار كحل من الممكن أن يغطي النشاط الاقتصادي وتقبل به الحكومة".
توقع خبير نفطي أن تستقر أسعار النفط عند عتبة 70 دولارًا للبرميل الواحد وقد يرتفع إلى 76 كحد أعلى خلال سنة 2021 بشكل عام
وبهذا الشأن، يقول الخبير النفطي علاء الأسدي في حديث لـ"ألترا عراق"، إن "ارتفاع أسعار النفط حصل وفق معطيات وأسباب كان أولها هو التعافي العالمي التدريجي من جائحة كورونا، حيث كان له دور كبير وخصوصًا دول شرق آسيا مثل الصين وتايوان واليابان، وأسباب أخرى، منها استخدام النفط في المعقمات والمنظفات لذلك زادت الحاجة، حيث كانت الصين تستخدم سابقا 400 ألف برميل للبتروكيمياويات، أما الآن، رفعت حاجتها إلى مليوني برميل يوميًا".
اقرأ/ي أيضًا: صادرات العراق من النفط في شباط: الإيرادات تتجاوز 5 مليارات دولار
وتوقع الأسدي استقرار أسعار النفط عند عتبة 70 دولارًا للبرميل الواحد، وقد يرتفع إلى 76 كحد أعلى خلال سنة 2021 بشكل عام، ولن يتجاوزه، مبينا أنه "في حال تجاوز السبعينات، فإن بعض الدول مثل كندا والولايات المتحدة الأمريكية ستقوم بإنتاج النفط الصخري بسعر كلفة برميل 60 دولارًا ليمثل أرباحًا كبيرة لهم بصافي ربح على الأقل 10 دولارات".
وبحسب الحكومة العراقية، فإن نسبة العجز في الموازنة المالية لعام 2021 هي 45 ترليون دينار عراقي، أي ما يعادل 30 مليار دولار، وعليه إذا ما ارتفعت أسعار النفط للأرقام المذكورة أعلاه وبقيت ثابتة فبعملية حسابية بسيطة سينخفض العجز 20 مليار دولار لتبقى 10 مليارات تمثل العجز المتبقي، أي ما يقارب 15 ترليون دينار فقط، كما أنه سيساهم بتقليل نسبة الاقتراض لتقتصر فقط على الـ10 مليارات المتبقية يتم اقتراضها، مبينًا أن "موازنة 2021 كانت فوق التوقعات ومفاجئة جدًا وبمعنى أصح، خيالية لقيام الحكومة بتقديمها برقم 110 مليار دولار في وقت كان يجب تخفيض المصروفات".
وبهذه الأثناء، تستمر بعض الكتل السياسية أبرزها "سائرون" و"النهج الوطني" بتقديم الطلبات والمقترحات إلى اللجنة المالية النيابية ورئاسة البرلمان لغرض النظر بإعادة سعر صرف الدولار لمستويات معتدلة، فيما تؤكد ضرورة وضع السياسة الاقتصادية من قبل الحكومة وفقًا لما ينص عليه الدستور العراقي، وهذا ما تتفق بشأنه رئاسة المجلس أيضًا بحسب بيانات صدرت عن أعضاء فيها بالدعوة للتعديل كون ارتفاع سعر الصرف تسبب أضرارًا كبيرة للمواطنين والطبقات البسيطة.
اقرأ/ي أيضًا:
نفط كردستان "الرخيص" يعرقل النسخة "النهائية" من الموازنة
التهريب عبر منافذ إقليم كردستان.. خسائر باهظة وفيروسات تضرب ثروات العراق