08-سبتمبر-2022
الحشد الشعبي

قصة يرويها نجل أحد المعتقلين (فيسبوك)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

وضعت قوات أمن "الحشد الشعبي" جملة تساؤلات في الشارع العراقي والديواني تحديدًا، عندما أعلنت الإطاحة بـ"شبكة تنتمي لحزب البعث" وإحباط "مخطط ضد البلد وزيارة الأربعين" بحسبما تضمن بيان هيئة الحشد، فيما كان الأشخاص المعتقلون جميعهم شخصيات ووجوه معروفة و"مقبولة" في محافظاتهم، ما شكّل صدمة لدى الأشخاص الذين يعرفونهم.

تعرف "ألترا عراق" على 4 شخصيات من الذين اعتقلهم أمن الحشد الشعبي بـ"تهمة البعث"

العملية التي جرت فجر الخميس وتحديدًا في الساعة الواحدة فجرًا كانت بإشراف "رئاسة أركان هيئة الحشد الشعبي" التي يقودها "أبو فدك المحمداوي"، حيث أشار بيان هيئة الحشد إلى أنه "انطلق أبطال الحشد الشعبي بنداء لبيك يا حسين لتنفيذ عملية استباقية واسعة باسم (الردع الثانية) تم من خلالها إحباط مخطط معاد ضد أمن بلدنا وزيارة الأربعين يقوده حزب البعث المحظور في محافظات: كربلاء، بابل، المثنى، الديوانية".

ويقول بيان الحشد الشعبي بشكل صريح إنها "شبكة فاعلة تضم أعضاء قيادات قطرية وقيادات فروع وشعب".

الاعتقال 1

وتحرّى "ألترا عراق" عن تفاصيل القضية، وتعرف على 4 شخصيات معتقلة بها في محافظة الديوانية، وهم أساتذة جامعيون وحقوقيون وشيوخ عشائر، وأبرز هذه الشخصيات هم الدكتور الشيخ إقبال دوحان، وهو شيخ عشيرة تسمى "المرمض"، والأستاذ الجامعي الدكتور نصير الجبوري، والمحامي منعم مليوخ العابدي، والشيخ عادل وحيد البديري.

وبحسب المعلومات الأولية التي وصل "ألترا عراق" إليها، فإنّ الدكتور نصير الجبوري، يعمل أستاذًا في كلية القانون بجامعة القادسية سابقًا وفي جامعة الكوفة حاليًا، وهو داعم لما يسمى بـ"تظاهرات تشرين" في العراق، أما الشيخ إقبال دوحان، فهو موال لرجل الدين المثير للجدل محمود الصرخي وبشكل علني، أما المحامي منعم مليوخ العابدي، فلا وجود لأي مؤشرات على آرائه السياسية.

وتوصل "ألترا عراق" مع أحد الحقوقيين في محافظة الديوانية والذي يمتلك معرفة مباشرة بكل من الدكتور نصير الجبوري، والمحامي منعم العابدي.

ويقول الحقوقي وهو موظف في إحدى الدوائر الحكومية بمحافظة الديوانية، إنّ "المحامي نعيم العابدي شخص خلوق وهادئ ويراجع الدائرة بصفته محام وجميع الموظفين يحترمونه ويحبونه"، فيما نفى معرفته بـ"توجهاته أو آرائه السياسية"، مستدركًا "لكن لو كان العابدي بعثيًا أو لديه مؤشرات أمنية سابقة لما كان انتمى للنقابة أو صدرت له هوية نقابة محامين بعد تخطيه إجراءات المساءلة والعادلة".

أما فيما يخص الدكتور نصير الجبوري،

 

يضيف الموظف الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية وتتعلّق بوظيفته، أنه "كان أستاذي ودرسني في كلية القانون، وليس لديه أي مؤشرات أمنية، ولما كان قد أعيد إلى وظيفته بصفته أستاذًا جامعيًا لو كان لديه أي مؤشرات أو وجود شكاوى عليه وجميع الشارع الديواني يعرفه".

ولم يكن ما تحدث به الموظف الحقوقي، بعيدًا عن ما أكده المحامي الديواني (ر.ي) الذي تحدّث بـ"لسان رأي الشارع الديواني بهذه الشخصيات" كما قال، حيث أشار إلى أنّ "الأشخاص المعتقلين هم شخصيات محترمة ومقدرة ولديهم سمعتهم وكيانهم داخل المدينة".

وبعد 2003 ـ والكلام لـ(ر.ي) ـ فقد تم "تجريم حزب البعث كل قيادات الفرق والشعب صدرت بهم أوامر قبض وتحقيقات وحجز أموال، ولا يوجد ما هو مخفي بهذه القضية، وهؤلاء الأشخاص الذين اعتقلوا ليس عليهم أي مؤشرات أو شكاوى، وحتى لو كانوا منتمين للبعث فهم لا يمتلكون مؤشرات إضرار بأحد".

وتلاقي غالبًا تهمة "الانتماء للبعث أو تخطيط البعث لعمليات ضد الزائرين"، سخرية في الشارع العراقي، الذي يرى أنّ البعثيين معظمهم بين ميت أو طاعن في السن ولا يقوى على فعل شيء، وأنها تهمة تستفيد منها القوى القائمة على النظام الحالي لـ"استهداف الشارع وتخويفه".

ويقول (ر.ي) في حديثه لـ"ألترا عراق"، إنّ "الدكتور نصير الجبوري شخصية راقية وداعم لتظاهرات تشرين ومعروف لدينا في ساحة التظاهرات، وهو أستاذ جامعي بكلية القانون، وإنسان مهني عمره 55 عامًا وزوجته أيضًا أستاذة جامعية وهو من عائلة محترمة".

أما المحامي منعم مليوخ العابدي، فهو "رجل كبير عمره 85 سنة، ولا يقدر حتى على أن يكون جزءًا من نشاطات مشبوهة، وهو إنسان قمة بالإخلاق والتعاون والجميع يحبونه ويتعاملون معه  قضاة كبار ومحامون معروفون"، بحسب المحامي، أما الشيخ عادل وحيد البديري، فهو "وجه اجتماعي واحد شيوخ عشائر آل بدير ورئيس عشيرة آل بو سعد، وهي عشيرة عريقة وهو وجه اجتماعي معروف"، وفقًا للبديري. 

وبشأن الشخصية الرابعة، وهو زعيم عشيرة مرمض، ويسمى "الشيخ الدكتور إقبال دوحان"، يشير المحامي إلى أنه "رجل مريض ولم يمض وقت طويل على إجرائه عمليتين والرجل أعمى لا يمكنه الإبصار، ومع ذلك تم اعتقاله بطريقة مهينة"، مبينًا أنّ "من قام بعمليات الاعتقال بحسب المعلومات هم أمن الحشد، ولا نعلم هل تمت بأوامر قضائية أم لا".

الاعتقال

وعلى صعيد مواقع التواصل الاجتماعي، هناك تشكيك واسع في الأوساط الشعبية بمحافظة الديوانية وفي العراق عمومًا حول دقة الاتهامات التي طالت المعتقلين، فيما ظهرت تساؤلات أكبر عن سبب حدوث هذا الاعتقال من قبل قوات أمن الحشد الشعبي، وكونها طرفًا في نزاع بتهمة "خطرة" كهذه، وهي التخطيط لاستهداف الزيارة الأربعينية واتهام المتعقلين بأنهم ضمن "شبكة يديرها حزب البعث".

ومن الملاحظ أنّ العملية تمت مباشرة بعد يوم واحد من تغريدة للصدر، دعا فيها إلى "حماية والحفاظ على السلام في زيارة الأربعين"، فيما شدد على "عدم تدخل سرايا السلام أو الحشد الشعبي أو أي فصيل مسلح بذلك، بل الأمر موكول للقوات الأمنية".

وتحوّل الحشد الشعبي وأمن الحشد، إلى تشكيل "غير موثوق به" بفعل تحوله إلى "قوة سياسية" لا أمنية بفعل مواقفه السياسية وتحوله إلى ذراع مسلح لقوى الإطار التنسيقي، كما أشار بذلك حتى زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر لأكثر من مرة. 

وباركت النائب عن "دولة القانون" المنضوي ضمن الإطار التنسيقي، عالية نصيف، عملية اعتقال الأشخاص الذين اتهموا بـ"البعث"، ووصفتها بـ"صولة حشدنا المبارك والتي أطاحت بمخطط بعثي، لافتةً إلى أنه "في كل مرة يثبت الحشد أهمية بقائه ووجوده". 

ومن الملاحظات المثيرة للانتباه والتي تم تداولها في الأوساط الشعبية، أنّ الدكتور نصير الجبوري وهو أحد المعتقلين بتهمة "استهداف الزيارة"، يمتلئ حسابه الشخصي على "فيسبوك" بصوره أثناء أداء زيارة المراقد المقدسة في كربلاء والنجف، وهو ما أدى إلى تحول بيان الحشد الشعبي إلى "نكتة ساخرة" تتداولها الأوساط الشعبية.

الدكتور نصير

وأجواء اعتقال الأستاذ الجامعي الدكتور نصير الجبوري، رواها نجله لـ"ألترا عراق"، والتي تشير إلى أنّ العملية كانت بمثابة "الخطف" وتخلو منها "أجواء الدولة".

ويقول محمد نصير الجبوري في حديث لـ"ألترا عراق"، إنه "بعد الساعة الثانية من فجر اليوم الخميس دخلت قوة عسكرية لا تحمل أي مظهر من مظاهر دولة، ويرتدون الملابس السوداء غير واضحة المعالم ولا تحمل أي علامة تدل على صنفهم العسكري أو تبعيتهم، ومدججين بالأسلحة، قاموا بعبور السياج الخارجي للمنزل وطرقوا الأبواب الداخلية بشدة وحينما كنا نحاول أن نسألهم من هم وماذا يريدون، كانوا يصرخون بنا ويأمروننا بفتح الأبواب تحت تهديد الأسلحة، مما اضطر والدي لفتح الباب".

ولم تكن تحمل القوة أي ورقة رسمية أو أمر قضائي أو أي مظهر من مظاهر الدولة، وفقًا للجبوري الذي أكد أنهم لم يسمحوا حتى بـ"توجيه الأسئلة أو معرفة الجهة التي يتبعون لها أو ما إذا كانوا يتحركون بأمر قضائي"، مشيرًا إلى أنهم "قاموا باعتقال والدي ومصادرة جهازه المحمول والحاسبة واللابتوب المتعلق بعمل والدي في الجامعة ومحفظته الشخصية، وهم يوجهون البنادق نحونا، وقاموا بمصادرة أجهزة كاميرات المراقبة في المنزل، وهنالك كاميرا يحملونها يصورون بها جميع خطوات المداهمة والاعتقال ومصادرة الممتلكات".

وأشار نجل الأكاديمي المعتقل إلى أنهم "كانوا يستقلون 3 عجلات سوداء اللون نوع فورد، فضلًا عن عجلة تويوتا صحراوية اللون". 

وبشأن الإجراءات التي اتخذوها، أوضح أنهم قاموا بتسجيل بلاغ لدى النجدة، وعند الصباح قاموا بتسجيل دعوة قضائية في المحكمة، ومازالوا يبحثون ويجهلون موقع تواجد والده.

وحول التُهم الموجهة لوالده، اعتبر الجبوري أنها غير معقولة ومُضحكة، مبينًا "أنا ووالدي سنويًا نشارك في الزيارة الأربعينية ولدينا صور في كل الزيارات الأربعينية منشورة في مواقع التواصل الاجتماعي"، معتبرًا اتهام والده بأنه "يخطط لاستهداف الزيارة الأربعينية، تهم باطلة".

قال نجل أحد المعتقلين لـ"ألترا عراق" إن القوة التي اعتقلت أبيه لم تحمل الأمر القضائي أو الورقة الرسمية

وتدور اعتقادات ومخاوف من أن "أمن الحشد" يستهدف شخصيات معروفة ومؤثرة لديها آراء سياسية ودينية لا تتماشى مع النظام الحالي والسردية "الطائفية" التي يرسخها، لذلك فأنّ من بين المعتقلين ممن يناصر حراك تشرين وينشط به، ومنهم من يقلد مرجعية محمود الصرخي التي تحولت إلى "تهمة" دون وجود قانون يحظرها.