23-يوليو-2019

جاء التعليم الأهلي نتيجة عن التعليم الحكومي المتراجع والذي يعاني من نقص كبير في أساسه (Getty)

أدى تراجع مستوى التعليم الحكومي واكتظاظ المدارس بالطلبة إلى نمو قطاع التعليم الأهلي في العراق على المستويين الابتدائي والثانوي، فوجود صفوف حديثة بأعداد تصل إلى نصف ما في صفوف المدارس الحكومية، بالإضافة إلى تعلّم الإنجليزية والحاسوب والموسيقى والملابس ووجبة فطور وتكييف في الصفوف، كلّها عوامل ساهمت في جذب الأهالي. إلا أن المفاجأة الأخرى، إضافة إلى مستوى الخدمات، فإن النجاح مضمون بهذه المدارس، كما تشير إلى هذه الحقيقة مصادر مطلعة.

تراجع مستوى التعليم الحكومي واكتظاظ المدارس بالطلبة أدى إلى نمو قطاع التعليم الأهلي على المستويين الابتدائي والثانوي

تبدو الفكرة جيدة للوهلة الأولى، مدارس نموذجية وفق معايير حديثة تلتزم باللوائح والتعليمات التي تحددها وزارة التربية بشأن عمر الطلبة، والمناهج، والخطة الدراسية، بالإضافة إلى نسب نجاح عالية، لكن الاختبار الحقيقي لتلك المدارس هو المراحل المنتهية، والتي تكون فيها الأسئلة والتصحيح شأنًا مركزيًا، الثالث متوسط والسادس الاعدادي بالدرجة الأولى.

نجاح مضمون

الرغبة بالحصول على "مستوى دراسي جيد" للأبناء، كان واحدًا من أسباب تحمل العوائل للأجور المكلفة لتلك المدارس، خاصة التي لديها أكثر من طالب، بالإضافة إلى خلاصها من الدروس الخصوصية والمتابعة المستمرة للأبناء، لا سيما الأمهات الموظفات، وهذا ما لا توفره نظيراتها الحكومية، فيما يصفها مختصون بـ"المشاريع الاستثمارية"، التي تعنى بالجانب المادي على حساب "المستوى التعليمي".

اقرأ/ي أيضًا: القطاع العام في العراق.. المحاصصة في التعليم الابتدائي أيضًا!

تقول زينب حسن، إن "السبب الأساس في جذب الطلبة هو نظافة المدارس الأهلية، خاصة الحمامات التي تعد من آخر اهتمامات المدارس الحكومية، فضلًا عن قلّة الطلاب في الصف الواحد ما يوفر أجواء إيجابية للطلبة، بالإضافة إلى تدريس اللغات الأجنبية، والاستغناء عن الدروس الخصوصية"، لافتةً إلى أن "الرسوب مستبعد فيها بسبب الخوف من نقل الطالب إلى مدرسة أخرى، وهذا ما يزعج المستثمر".

أضافت زينب وهي أم لطالب في الخامس الابتدائي، في حيث لـ"ألترا عراق"، أن "المدرسة الأهلية توفر الحرية في اختيار المدرسة المناسبة من حيث رصانة التدريس والظروف الأخرى، مبينةً "وهذا ما لا توفره نظيراتها الحكومية، خاصة وأن استقبال الطلبة يكون حسب الرقعة الجغرافية"، فيما تشير إلى أن "العائلة تقع عليها مسؤولية المتابعة ومراقبة التدريس، وعدم الفرح بنجاح ابنهم لأن ذلك قد يكون بهدف المحافظة عليه كرقم في حسابات المدرسة".

في السياق يرى حسن الرماحي ضرورة تدخل الحكومة في الرقابة على تلك المدارس ومتابعة تدني المستوى التعليمي والمعرفي فيها، مبينًا في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "ما يحدث سيتضاعف أكثر لو استمر الحال من دون تدخل الدولة، وإصلاح الجيل القادم، مضيفًا "من سيبني هذا الوطن غدًا ومن يصلح الحال، لستُ مبالغًا، إنما هذا الواقع".

أضاف الرماحي وهو مدرس في مدرسة أهلية، أنه "ما بين المدارس الحكومية المكتظة بالتلاميذ والأهلية المكتظة بالمحاباة لأولياء الأمور لإبقاء أبنائهم في المدرسة ضاع التلاميذ، وثبطت رغبة التعلم لديهم بظل ضعف المتابعة وغياب مبدأ الثواب والعقاب"، لافتًا إلى أن "الكثير من المدارس تتعامل مع التلاميذ بحسب عوائلهم ووضعهم المادي والاجتماعي".

ما بين المدارس الحكومية المكتظة بالتلاميذ والأهلية المكتظة بالمحاباة لأولياء الأمور لإبقاء أبناءهم في المدرسة ضاع التلاميذ، وثبطت رغبة التعلّم لديهم

أشار الرماحي إلى أن "الأمر لا يتعلق بشخص واحد دون الآخر، إنما هي سلسلة، يشترك فيها الجميع من المستثمر ومدير المدرسة، والكادر وصولًا إلى ولي الأمر، وهو حجر الزاوية في المعادلة، حيث يريد النجاح لابنه من دون متابعة وقراءة خلال العام الدراسي، خاصة في المراحل المنتهية يريده أن يدخل الامتحان الوزاري، وبعدها يتأمل أن يجتاز الوزاري بمساعدة المدرس الخصوصي".

اقرأ/ي أيضًا: العراق.. مدارس خاصة للميسورين ولا عزاء للفقراء

تابع الرماحي أن "العقل يحتاج إلى المرونة والرياضة، ورياضته في كثرة القراءة وعدم الانقطاع، والمدرسة الأهلية ما يهمها هو الأموال والشهرة من خلال التسويق خاصة في "فيسبوك" حيث المبالغة في الخدمات حد الكذب"، مشيرًا إلى أن "الأمر الآخر هو عدم محاسبة التلميذ فهو مدلل والمعلم الذي يتقاضى مبالغ زهيدة لا بد أن يستجيب له لأنه داخل بـ"فلوس أهله"، وعند محاسبته يعاقب وقد يخسر عمله".

مدارس لا رقابة عليها

بالوقت الذي تحدد وزارة التربية سلسلة شروط لمنح الإجازة لفتح مدرسة أهلية تكون هي عاجزة عن الإشراف التام وتطبيق التعليمات عليها، وسط تسهيلات توفرها أموال المستثمر على حساب الرصانة، فيما تكون مدارس الابتدائية وهي الأساس في البناء الذهني موردًا كبيرًا يدر الأموال على مالكي المدارس.

ويشكو المشرف التربوي "م ر"، من عدم إمكانية تطبيق القانون على المدارس الاهلية، يقول إن "دور الإشراف التربوي شكلي بالنسبة للمدارس الأهلية بالرغم من الزيارات لها وإعطاء التعليمات الوزارية، مستدركًا "لكن أدوات المراقبة وإلزامها بالتنفيذ مفقودة" لافتًا إلى أن "السلطة التي يمارسها الإشراف على المدارس الحكومية في حالة التقصير مثل قطع الراتب أو تأخير العلاوة أو توجيه إنذار أو التوبيخ، بلا قيمة للمدرس في المدرسة الأهلية لأنه لا ترتبط بالوزارة أية عقوبة تجعله يترك العمل بكل سهولة".

أضاف في حديث لـ"ألترا عراق"، أن " المدرس في المدرسة الأهلية يعتمد طريقة التدريس بحسب رأيه، ولا يلتزم بالخطة الموضوعة من قبل الوزارة لكل درس والخطوات المحددة بالوقت، فيما يكون الكثير منهم غير تربويين، خاصة وأن التلاميذ عددهم قليل فيظن طريقته توصل المادة بسهولة". لافتًا إلى أن "الخدمات التي تقدمها المدرسة الأهلية هي عنصر الجذب بالدرجة الأولى مثل خطوط النقل ووجبة الطعام والملابس ودروس اللغات الأجنبية وتعلم الموسيقى والرسم".

الخدمات التي تقدمها المدرسة الأهلية هي عنصر الجذب بالدرجة الأولى مثل خطوط النقل ووجبة الطعام والملابس ودروس اللغات الأجنبية وتعلم الموسيقى والرسم

أشار المشرف الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلّق بوظيفته، إلى أن "المدرسة لا ترسب أي طالب لأن ذلك يعني خسارتها له، ونقله إلى مدرسة أخرى، و كانت قبل 2003 بصعوبة تحصل على إجازة فتح مدرسة أهلية، إضافة إلى سلسلة ضوابط وشروط بشأن التدريسيين والإدارة وهذا ما ينطبق على الكليات الأهلية"، مشيرًا إلى أن "الأعداد تزداد في المدارس الأهلية، خاصة الابتدائية جراء السهولة في الحصول على إجازة، حيث يشترك مجموعة مستثمرين بمدرسة واحدة بعد الاتفاق مع تربوي لتسجيلها باسمه وفقًا لشروط وزارة التربية".

اقرأ/ي أيضًا: التعليم.. وسياسة التجهيل الحزبي!

وتابع المشرف أن "الاختبار الاكبر لمدى رصانة التعليم في تلك المدارس هو في مرحلتي الثالث متوسط والسادس الاعدادي، والتي فيها وضع الأسئلة والتصحيح مركزي في الوزارة لعموم البلاد، فيما يكون امتحان السادس الابتدائي أقل اهمية لأن هناك تساهل في التصحيح، فضلًا عن اتفاقات يجريها مدراء المدارس لرفع نسب النجاح في مدارسهم، مبينًا أن "الاستثمار في المدارس الابتدائية يدر أرباحًا كبيرة على المستثمرين لضعف الرقابة من قبل التربية، وعبور الطلبة بسهولة، وهذا ما يلاقي استحسان أولياء الأمور".

لفت المشرف إلى أن "وجود عدد كبير من المدرسين غير المختصين ساهم بانحدار المستوى، فهناك من خريجي كليات الهندسة والزراعة والعلوم والمعاهد التي ليس لها علاقة بالتعليم، سيما وأن خريجي هذه الكليات  يصعب عليهم الحصول على تعيين، فيقبلون بأي عمل، خاصة الإناث منهم، مبينًا أنهم "يحاولون الاندماج في المؤسسة التعليمية على حساب جودة المادة وفي حال كانوا من ذوي الاختصاص فهم يعانون من ركود معرفي بسبب عدم زجهم في دورات مثل ما يتم مع معلمي وزارة التربية لأن وجودهم وقتي والمدرسة لا تريد تحمل نفقات تلك الدورات".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

اللغة العربية في العراق.. من أبي الأسود الدؤلي إلى "أبو مازن"

"العلمو نورون".. مجزرة اللغة العربية في العراق