17-أغسطس-2021

فساد لا نهائي ودولار رخيص بيد المستوردين (فيسبوك)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

لا توجد صورة أوضح على غياب التنسيق ومقارنة البيانات بين البنك المركزي والمنافذ الحدودية، بقدر التضارب الكبير بين حجم مبيعات البنك من العملة الصعبة لغرض الاستيراد مقارنة بما تسجله المنافذ الحدودية من إيرادات جمركية من البضائع المستوردة الداخلة.

 البنك المركزي يبيع الدولار إلى الجهات أو الأشخاص الذي يريدون استيراد البضائع من الخارج، لكن دون تتبع ما إذا كانت هذه البضائع ستدخل بالفعل من منافذ العراق

وفي مثال واضح فقد أعلنت وزارة التخطيط في إحصائية بوقت سابق من شهر آب/أغسطس الجاري، أن حجم استيراد العراق للبضائع في عام 2020 بلغ 15 مليار دولار فقط، في الوقت الذي تظهر فيه مبيعات البنك المركزي من العملة الصعبة لغرض الاستيراد بأنها بلغت 40 مليار دولار خلال 2020.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا لا يستطيع العراق الاستغناء عن الاقتراض الخارجي؟

وعلى هذا الأساس، فإن البنك المركزي يبيع الدولار إلى الجهات أو الأشخاص الذي يريدون استيراد البضائع من الخارج، لكن دون تتبع ما إذا كانت هذه البضائع ستدخل بالفعل من منافذ العراق، فضلًا عن تطابق كميات ونوعيات هذه البضائع في الواقع مع ما مسجل في الأوراق المقدمة للبنك المركزي.

واعتمادًا على هذه المقدمة، فإن العراق ووفقًا لخبراء، يقف أمام "أبواب فساد ليس لها نهاية" فيما إذا تم تطبيق مقترح قدمته نقابة الصيادلة لغرض تخفيض أسعار الأدوية.

ويتمثل هذا المقترح بحصول مستوردي الأدوية على استثناء من سعر الصرف الحالي للدولار، وشراؤه من البنك المركزي بسعر 1200 دينار بدلًا من 1460 دينارًا للدولار الواحد، وذلك لغرض تخفيض أسعار الأدوية للمواطنين في الصيدليات من خلال تخفيض سعر صرف الدولار الذي يشترونه من البنك المركزي لغرض استيراد الأدوية.

وتم طرح هذا المقترح أكثر من مرّة في أوقات سابقة عندما ارتفعت أسعار الأدوية بشكل كبير عقب قرار الحكومة والبنك المركزي برفع قيمة الدولار أمام الدينار وفق تسعيرة جديدة، فيما كشف نقيب الصيادلة مصطفى الهيتي في تصريح للوكالة الرسمية تابعه "ألترا عراق"، أن "رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وافق على مقترحنا وما زلنا ننتظر الإجابة"، مبينًا أن "المقترح يتمثل بفكرة جديدة، وهي أن فرق سعر صرف الدولار الحالي 1470 في القطاع الخاص، بينما في الدولة يبلغ 1200، حيث لو التزمنا وسعرنا الأدوية على 1200 سوف نؤمن فارق سعر كبير جدًا يبلغ حوالي 20% بين الدواء المتسلل عبر الحدود وبين الدواء القادم من وزارة الصحة"، مشيرًا إلى أن "هذا الفرق سيؤمن الدواء القادم الذي سيكون فيه فتح اعتماد بـ1200 دينار، حيث سيكون هذا الدواء آمنًا وفعالًا وبسعر مقبول".

ويقصد نقيب الصيادلة في تصريحه، أن يقوم البنك المركزي ببيع الدولار إلى مستوردي الأدوية المعرّفين لدى وزارة الصحة، والذين يحصلون على تراخيص من قبل وزارة الصحة حصرًا، بسعر 1200 دينار للدولار الواحد، بعيدًا عن الأدوية التي يتمّ تهريبها وتدخل الحدود دون معرفة وزارة الصحة بنوعياتها وجودتها.

وبعيدًا عن الخوض في ملف الأدوية المهرّبة وغير المفحوصة، والتي تمثل النسبة الأكبر من الأدوية المنتشرة في الصيدليات، مقارنة بالأدوية المرخصة من وزارة الصحة، فإن مسألة "السعر المدعوم" والمقدّم إلى مستوردي الأدوية أو ما يعرف بـ"الدولار الدوائي"، يفتح باب التساؤلات عمّا إذا كان الدولار المدعوم هذا سيتم استخدامه باستيراد الأدوية بالفعل بعد شرائه من البنك المركزي بسعر منخفض، خصوصًا إذا ما استُذكر حجم "اللا تنسيق" بين البنك المركزي والمنافذ الحدودية، وعدم تتبع البنك المركزي للجهات التي اشترت منها العملة الصعبة لغرض الاستيراد، والتأكد من مطابقة البضائع التي أدخلوها، مع الأوراق الاعتمادية التي قدموها للبنك المركزي.

الدولار المدعوم.. وسيلة متاجرة جديدة

هذه التساؤلات وحقائق عدم التنسيق بين البنك المركزي والمنافذ، تؤكد وجود احتمالية كبيرة بأن يقوم مستوردو الأدوية باستغلال السعر المدعوم وشراء الدولار بهذا الرقم المنخفض، وبعد الحصول عليه لا يتمّ استخدامه في استيراد الأدوية، حيث سيفتح بابًا للمتاجرة بالعملة الصعبة، والذهاب لبيعها في السوق السوداء بفارق أكثر من 250 دينارًا للدولار الواحد، أو بيع الاعتمادات لجهات أو مستوردين آخرين، ليستوردوا بالعملة الصعبة المدعومة ببضائع أخرى غير الأدوية.

ويرفض الخبير الاقتصادي منار العبيدي تصديق موافقة الدولة على هذا المقترح، بالرغم من إعلان نقابة الصيادلة أن الكاظمي وافق على المقترح، وبانتظار الإجابة، مشيرًا إلى أنه "سيفتح أبوابًا للفساد ليست لها نهاية"، حيث يبيّن في حديث لـ"ألترا عراق" أنه "لا يوجد أي ضمان بأن العملة الصعبة التي سيتم شراؤها من البنك المركزي بالسعر المدعوم سيتم استخدامها لاستيراد الأدوية بالفعل، لذلك لا أتوقع أن يتحقّق الموضوع".

ويؤكد أنه "لا يوجد ربط واتصال بين البنك المركزي والجمارك، فمن الممكن أن يتم فتح اعتماد لدى البنك المركزي لاستيراد الأدوية، لكن تصل بضائع أخرى إلى المنافذ دون اكتشاف الأمر".

العراق يقف أمام "أبواب فساد ليس لها نهاية" وفقًا لخبراء فيما إذا تم تطبيق مقترح قدمته نقابة الصيادلة لغرض تخفيض أسعار الأدوية

وبحسب تصريح سابق لوزارة الصناعة، فإن العراق يستورد أدوية بنحو 3 مليار دولار سنويًا، وبما أن فارق سعر الدولار المدعوم البالغ 1200 دينار لمستوردي الأدوية، يمثل 260 دينارًا للدولار الواحد، مقارنة بالتسعيرة المحددة من البنك، فإن الدولة ستخسر نحو 780 مليار دينار سنويًا بتخفيضها سعر الدولار المباع إلى مستوردي الأدوية أو مستوردين آخرين سيشترون العملة الصعبة المدعوم من مستوردي الأدوية واستخدامها في بضائع أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: المستشار المالي للكاظمي يحدد طريقين لمواجهة تقلبات أسواق النفط العالمية

وتقول الخبيرة الاقتصادية الدكتورة سلام سميسم في تصريح لـ"ألترا عراق"، إن "سعر الصرف المدعوم أو التشجيعي يمنح للجهات المصنعة والمصنعين ليتمكنوا من استيراد المواد الأولية بأسعار منخفضة، بالتالي يتم تشجيع الصناعة والإنتاج المحلي".

واستدركت، أن "منح هذا السعر التشجيعي وهذه الميزة لاستيراد الأدوية لغرض تخفيض أسعار الأدوية للمواطنين هو أمر جيد، ولكن يطرح تساؤلات خطرة، من قبيل من المسيطر على استيراد الأدوية في العراق؟".

وتتسائل سميسم بصيغة قد تكون استنكارية لا استفهامية: "هل أن تجارة الأدوية في العراق تخضع للشفافية؟ هل أنها لا تخضع للاحتكار في السيطرة على المذاخر الكبيرة؟"، مبينة أن "هناك قضية مهمة يجب أن يتم العمل بها لحماية مصالح المواطن فيما يتعلق بالدواء قبل القيام بخطوة منح الدولار التشجيعي لاستيراد الأدوية".

وتضيف سميسم أنه "في البلدان الرأس مالية يمنع الاحتكار بشكل مشدد، وتغريم من يقوم به، أما في العراق؛ فلا وجود لقانون يجرم الاحتكار، ولا سيما في السلع الأساسية المتمثلة بالغذاء والدواء"، معتبرة أنه "إذا أردنا مصلحة المواطن فيجب أن تكون وفق هذه الضوابط".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

اللجنة المالية تحسم الجدل: سعر الدولار لن يتغيّر قبل 5 سنوات

محافظ البنك المركزي يرد على مطالبات تخفيض سعر صرف الدولار