19-فبراير-2020

بعد تكليف محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة (Getty)

لا تنتهي الخلافات والتعقيدات في نظام المحاصصة الطائفية، مهما استجدت ظروف صعبة وتعقد المشهد السياسي وتطور المجتمع وعيًا ووطنيةً. وعلى غير عادة الأنظمة الديمقراطية السليمة، يزداد الصراع الحزبي إبان كل عملية اختيار رئيس للحكومة ووزرائه، وفي كل مرة، يأخذ الصراع أشكالًا ومسارات جديدة.

على غير عادة الأنظمة الديمقراطية السليمة، يزداد الصراع الحزبي في نظام المحاصصة إبان كل عملية اختيار رئيس للحكومة ووزرائه

وعلى إثر "الصفعات" التي وجهتها انتفاضة تشرين لوجه غالبية الأحزاب الشيعية، اضطرت الأخيرة أن تتنازل ـ في العلن على أقل تقدير ـ عن استحقاقاتها في حكومة المكلف محمد توفيق علاوي. وفي ظل الضغط الذي تعيشه من رفض المتظاهرين لتكليف علاوي، وتوتر الوضع السياسي والأمني بشكلٍ عام، انتفضت القوى الكردية والسنية الرافضة لتشكيل حكومة من "مستقلين" لا تُراعي مصالحها و"استحقاقاتها" في المناصب الوزارية وغيرها، وزاد ذلك تغريدة الرئيس المكلف في 15 شباط/فبراير حيث أعلن اقترابه من "إكمال كابينة وزارية مستقلة من الأكفاء والنزيهين من دون تدخل أي طرف سياسي"، واصفًا ذلك بـ "الإنجاز التاريخي".

اقرأ/ي أيضًا: "كابينة منقوصة" بإصرار كردي.. هل يكرّر علاوي سيناريو عبد المهدي؟

في اليوم التالي، هبطت طائرة رئيس مجلس النواب وتحالف القوى محمد الحلبوسي في أربيل، ليبحث مع رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني "تشكيل الحكومة" وملفات أخرى.

وبحسب البيان الذي أصدره المكتب الإعلامي للبارزاني فأن الطرفين أكدا على ضرورة أن تكون "أي حكومة قادمة ممثلة لجميع مكونات العراق، وعلى قاعدة الشراكة الوطنية".

بدا المشهد السني والكردي موحدًا وواضحًا، إذ تُطالب الأحزاب الممثلة للمكونين بتعبيرات النظام، بالاشتراك في تسمية وزراء حكومة محمد علاوي كلٌ حسب حجمه وتأثيره ومقاعده النيابية، وأشار العديد من النواب والمراقبين إلى "ضغوط" يتعرض لها علاوي من الكتل الكردية وبعض الكتل السنية.

صراع سني ـ سني

عبّر النائب محمد الكربولي بتغريدة له في 13 شباط/فبراير عن "قلق" من إمكانية أن يلجأ الرئيس المكلف لاختيار أسماء "بعيدة عن الواقع السياسي لمجرد ملئ تشكيلته الوزارية بوجوه جديدة".

وفي السياق، قال المتحدث باسم تحالف القوى فالح العيساوي  إن تحالفه "لا يقبل بتمرير الوزارات التابعة للمكون السني دون استشارته"، مبينًا أن "الوزراء الذين سيقدمهم علاوي جاءوا بالتنسيق مع الكتل السياسية حيث أن كلام الكتل في وسائل الإعلام عن تفويض علاوي باختيار كابينته مختلفًا عن كواليس المباحثات".

أثيل النجيفي لـ"ألترا عراق": لا يمكن أن تنجح حكومة علاوي إذا دخلت فيها الكتل السياسية الشيعية والسنية والكردية

هدد المتحدث باسم تحالف القوى باتخاذ "قرارات مصيرية وتاريخية" إذا تعرّض المكون السني للتهميش في حكومة علاوي، مشيرًا إلى أن "استحقاق المكون السني هو 9 وزارات في الحكومة".

اقرأ/ي أيضًا: ديمقراطية التوافق.. رؤساء بلا أب ومكلف بـ"التواثي"

على الجانب الآخر، قال رئيس جبهة الإنقاذ والتنمية أثيل النجيفي إن موقف جبهته كان واضحًا منذ البداية بعدم الاشتراك في حكومة عادل عبد المهدي وكذلك حكومة محمد علاوي، كون حكومة الأخير"لا يمكن أن تنجح إذا دخلت فيها الكتل السياسية الشيعية والسنية والكردية"، مشددًا على ضرورة أن تكون "حكومة مستقلة هدفها إجراء الانتخابات والخروج من الأزمة، إذ لا يمكن لحكومة فيها تمثيل سياسي أن تُجري انتخابات نزيهة يقبل بها الشارع".

صراع الفساد أم الخارج؟

يقول النجيفي في حديث لـ"ألترا عراق" إن "كتلًا سنية ليس لها وجود إلا من خلال الفساد الذي تمارسه في الوزارات لا تريد أن تُضحي بوزاراتها كونها تعرف أن خروجها من الوزارات سيعني كشف أوراق كثيرة من الفساد وملاحقتها قضائيًا وخسارتها لمصدر قوتها الوحيد، لذا هي تقاتل من أجل البقاء في الوزارة".

أضاف أن "الحل الوحيد هو تخلي جميع الكتل عن مصالحها"، مبينًا أن "المعركة الأولى التي على علاوي كسبها هي إقناع الشارع بأنه جاء بحكومة مستقلة ليس ممثلة للكتل".

كما بدا رئيس تحالف المحور الوطني خميس الخنجر داعمًا لتكليف محمد علاوي بتشكيل الحكومة منذ اليوم الأول، إذ اعتبر تكليفه "خطوة في الاتجاه الصحيح نحو عودة الأمن والاستقرار للعراق".

نائب عن "سائرون": أكثر من 70% من القوى السنية مع تمرير الكابينة الحكومية لمحمد علاوي في حال عرضها في مجلس النواب

في السياق، يقول النائب عن تحالف الفتح أحمد الكناني في تصريح تلفزيوني تابعه "ألترا عراق"، إن "هناك صراعًا داخل المكون السني حول زعامة المكون"، كاشفًا عن "دور خليجي ـ تركي في عملية تشكيل الحكومة مقابل تراجع إيراني".

اقرأ/ي أيضًا: تعهدات وتحديات جسيمة.. هل ينجح محمد توفيق علاوي؟

أوضح الكناني أن "طرفًا سنيًا مناقضًا للحلبوسي يدعم حكومة علاوي دون الاشتراك فيها"، كما يُرجع سبب موقف هذا الطرف إلى صراعه مع الحلبوسي.

لمن الغلبة؟

يقول عضو مجلس النواب عن محافظة ديالى عبد الخالق العزاوي في 14 شباط/فبراير إن "القوى السنية لم تقدم حتى اللحظة أي مرشح في حكومة رئيس الوزراء المكلف الجديدة، وأن الجميع اتفق على المضي بتشكيل الحكومة من خلال دعم الشخصيات الكفوءة بعيدًا عن المحاصصة".

أشار العزاوي إلى أن "أحد قادة الكتل السياسية وحده فقط من مارس الضغط على علاوي وهذا يمثل تصرفًا فرديًا لا ينطبق مع الموقف الجمعي الداعم للحكومة بشكل عام"، مؤكدًا أن "تمثيل المكونات مطلوب في الحكومة ولكن وفق إطار متطلبات العمل والاختصاص والخبرة وليس وفق مصالح القوى السياسية".

في السياق، قال النائب عن تحالف سائرون حسن الكناني إن "أكثر من 70% من القوى السنية مع تمرير الكابينة الحكومية لمحمد علاوي في حال عرضها في مجلس النواب".

لكن المتحدث باسم تحالف القوى فالح العيساوي كشف مؤخرًا في تصريح تلفزيوني تابعه "ألترا عراق" عن "اجتماع مرتقب سيعلن فيه 58 نائبًا سنيًا تخويلهم لمحمد الحلبوسي بالتفاوض عنهم في تشكيل الحكومة".

تمرير بالأغلبية؟

على غرار قرار مجلس النواب بإخراج القوات الأجنبية من العراق، الذي صوتت عليه الكتل الشيعية منفردة بعد اغتيال سليماني والمهندس، تتحدث بعض الأطراف عن تمرير حكومة علاوي بالطريقة ذاتها.

نائب عن الفتح: القوى السياسية الشيعية اتفقت على منح الثقة لعلاوي وحكومة الجديدة مع وجود اعتراضات لقوى سياسية سنية وكردية

يقول النائب عن تحالف سائرون حسن الكناني في تصريح صحفي إن "القوى الشيعية تسعى لتمرير حكومة علاوي في مجلس النواب وفق مبدأ الأغلبية النيابية وليس التوافق السياسي"، مطالبًا الكتل بـ "إعادة جدار الثقة مع الجماهير عبر الابتعاد عن مبدأ المكاسب والمحاصصة في تقسيم الوزارات".

اقرأ/ي أيضًا: انقسام وبحث عن "المصالح".. تسريبات جديدة حول موقف الكرد والسنة من علاوي

يؤكد ذلك النائب عن تحالف الفتح كريم المحمداوي في 17 شباط/فبراير بالقول إن "القوى السياسية الشيعية اتفقت على منح الثقة لعلاوي وحكومة الجديدة مع وجود اعتراضات لقوى سياسية سنية وكردية على منح الثقة بسبب عدم إعطائها وزارات في الحكومة الجديدة".

أضاف: "هناك اتفاقاً وامكانية على أن تُمرّر حكومة علاوي، ولو كان باعتراض القوى السياسية الكردية والسُّنية، فهناك أغلبية سياسية شيعية قادرة على منح ثقة البرلمان لعلاوي وحكومته، كما حصل ذلك في قضية القرار البرلماني الأخير القاضي بإخراج القوات الأجنبية من العراق".

أوضح أن "اتفاقًا حصل بين تحالفي الفتح وسائرون، وقوى سياسية أخرى، على تمرير حكومة علاوي، حتى لو تمّ ذلك بالأغلبية السياسية الشيعية فقط، ونحن قادرون على ذلك".

لكن النائب عن كتلة صادقون فاضل الفتلاوي، حذر من تمرير الكابينة الوزارية بالأغلبية، واصفًا تبعاته بـ "الخطيرة"، وقال في تصريح صحفي إن "الكتل الشيعية قادرة على تمرير الكابينة لكننا لن نذهب أو نفكر حتى الآن بهذا الخيار".

أضاف: "نأمل بتخلي بعض القوى السنية والكردية عن استحقاقاتها من أجل تشكيل حكومة قوية ومستقلة تلبي طموح الشارع العراقي".

تهديدات وتحذيرات

وسط حديث المصادر وأعضاء تحالف القوى عن عدم حسم التحالف قرار دعمه لحكومة محمد علاوي، قال النائب عن تحالف القوى رعد الدهلكي في تصريح تلفزيوني تابعه "ألترا عراق" إن تحالفه "لن يتنازل عن استحقاقاته في حكومة علاوي"، مبينًا أن هناك خطوات عديدة بالإمكان اتخاذها كمقاطعة جلسة التصويت والذهاب إلى المعارضة.

النجيفي لـ"ألترا عراق": إذا جاء علاوي بممثلين عن الكتل السياسية فيكون قد حكم على نفسه بنفس مصير سلفه عبد المهدي

وعن إمكانية إعطاء وزارات للمكونين السني والكردي فقط، يقول القيادي في جبهة الإنقاد والتنمية أثيل النجيفي إن "ميزان القوى سيختل في حال كانت الكتل السنية والكردية موجودة في الحكومة دون الشيعية"، مبينًا أن هذا الموضوع "سيرتد إلى المجتمع الشيعي ويعتبر نفسه ضعيفًا في الحكومة ولن يقتنع بها".

اقرأ/ي أيضًا: هل سيتحول المتظاهرون من رفض علاوي إلى دعم "كابينته السرية" في مواجهة الكتل؟

أشار النجيفي في حديثه لـ "ألترا عراق" إلى مسارين أمام محمد علاوي، قائلًا: "إذا نجح في هذه المهمة سيكون قد اتخذ الخطوة الأولى في اتجاه إقناع المحتجين وفتح باب الأمل في العراق"، مضيفًا "أما إذا في فشل في هذه الخطوة وجاء بممثلين عن الكتل السياسية فيكون قد حكم على نفسه بنفس مصير سلفه عبد المهدي، ولن يستطيع إقناع أحدًا بأنه جهة مستقلة تفتح باب الأمل وتجري انتخابات نزيهة".

يجري ذلك وسط تهديدات الكتل الشيعية ذاتها، وعلى رأسها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، للرئيس المكلف محمد علاوي في حال "خضع" لإملاءات الكتل السياسية وجاء بوزراء حزبيين.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

كابينة "سرية" تنتظر موعدًا من برلمان "مشتت".. هل ينال محمد علاوي الثقة؟

"رصيد" محمد علاوي.. الهاشمي يحدد موقف البرلمان من الكابينة المرتقبة