11-فبراير-2019

السيستاني وعبد المهدي

انتباهة مفيدة ومهمة جدًا، تحسب للصديق الكاتب صائب خليل في منشور له بعنوان "ما هي المرجعية الحقيقية للذين اختاروا عبد المهدي ليحكم البلاد؟"، حين ناقش فيها مجددًا البيان الذي أصدرته مرجعية السيستاني بتاريخ 9 أيلول/ سبتمبر 2018 وأكدت فيه "أنها لا تؤيد رئيس الوزراء القادم إذا اختير من السياسيين الذين كانوا في السلطة في السنوات الماضية بلا فرق بين الحزبيين منهم والمستقلين".

المرجعية لا تؤيد أي رئيس وزراء اختير من السياسيين الذين كانوا بالسلطة في السنوات الماضية

وقبل أن أطرح بعض التساؤلات والاستنتاجات الإضافية في السياق ذاته الذي كتب في هديه الصديق صائب مقالته، أودّ التذكير بقناعتي المكرّرة والتي مفادها، إنني من حيث المبدأ والتفاصيل، لست مع تدخل المرجعيات والشخصيات الدينية أيًا كانت في الشأن العام، وخاصة في أمور الحكم وعمل مؤسسات الدولة. وهذه القناعة لا علاقة لها بالبروباغندا العلمانية القشرية في بلادنا، والمناهضة لكل ما هو ديني وحصرًا لكل ما هو إسلامي، بل هي تأتي انطلاقًا من واقع حال المجتمع العراقي المتنوع دينيًا وطائفيًا وقوميًا، هذا الواقع الذي يمزقه الاستقطاب الطائفي الحاد الذي جاء به نظام المحاصصة الطائفية، والذي زرعه الاحتلال الأمريكي بعد 2003 والذي كان للمرجعيات والشخصيات الدنية دورًا كبيرًا في زرعه وترسيخه وتدوير الشخصيات والزعامات الرئيسية فيه.

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف.. تكليف عادل عبدالمهدي بتشكيل حكومة العراق: التحديات وظروف الاختيار

بالعودة الى ما كتبه صائب خليل، أسجل أنه استنتج من قراءته الدقيقة لبيان المرجعية العليا - وهو ما أشاركه فيه من حيث الجوهر- ما يأتي "لدينا إذًا، ساسة تجاوزوا الدستور، وتجاوزوا كلام المرجعية برفض عبد المهدي ضمن من رفضت، وتجاوز تأكيدها على طريقة اختيار المرشح الدستورية، وفوق ذلك تجاوز الأخلاق والضمير بالكذب والادعاء بأن المرجعية كانت تريد عبد المهدي، ويمكننا أيضًا أن نضيف إليها اتهام ضمني للمرجعية بالكذب حين تحدثوا عن وجود كلام للمرجعية يختلف عما أعلنته".

أضاف الأستاذ صائب مخاطبًا ساسة الكتلتين اللتين أوصلتا عبد المهدي لرئاسة الوزراء، أي كتلة الإصلاح بزعامة زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، وكتلة البناء بقيادة نوري المالكي وهادي العامري، إن "من حق الشعب العراقي ان يسأل الكتلتين الكبيرتين اللتين رشحتا عبد المهدي: "من كان مرجعكم في هذا الفعل؟" فمن كان منكم علمانيًا، توجب عليه الالتزام بالدستور، ومن كان متدينًا يتيح لنفسه التحجج بالمرجعية لمخالفة الدستور، فالمرجعية هنا مع الدستور بشكل واضح وصريح لا يوجد أكثر منه. فمن كان المرجع والموجه اذن لما فعلتم؟!.

أعتقد أن انتباهة الكاتب صائب خليل إلى هاتين النقطتين في بيان المرجعية هي انتباهة مفيدة، ولكنني أعتقد أيضًا أن هاتين النقطتين رغم وضوحهما لا تفسران كل شيء، وقد تزيدان الأمور تعقيدًا على تعقيد، وليسمح لي الصديق والقراء أن أضيف الآتي بهدف توضيح وتعميق هذا الاستدراك فإن أفلحت فبها وإلا فليعذرني القراء:

1- زمنيًا، بين هذا البيان الصادر باسم المرجعية السيستانية وبين تاريخ تكليف عبد المهدي بتشكيل الوزارة أكثر من أربعين يومًا "من 9 أيلول/ سبتمبر 2018 إلى 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2018"، وهي فترة معتبرة، جرت خلالها اتصالات ومفاوضات كواليسية كثيرة. فهل عدلت المرجعية السيستانية رأيها في هذا الإبان، ولماذا لم تلمح إلى ذلك، أو تصدر بيانًا جديدًا؟ ألا يمكن اعتبار استمرار رفض المرجع السيستاني حتى استقبال أي من الساسة في الحكم، بمن فيهم رئيس الوزراء الجديد عبد المهدي، حتى الآن، تطبيقًا لما ورد في هذا البيان نفسه وتحديدًا في عبارة "وإلا استمرت المرجعية على نهجها في مقاطعة المسؤولين الحكوميين"، كل هذا يعني أن إيصال عبد المهدي إلى رئاسة الوزراء لم تكن موضع موافقة المرجعية، وإن ما زعم من موافقها كان تلفيقًا وكذبًا من الزاعمين وهم تحديدًا ساسة التحالفين "الإصلاح" و"البناء" وبعض سماسرة الصفقات السياسية من خارج الأحزاب.

 ألا يعتبر رفض المرجع السيستاني استقبال الساسة في العراق تعبيرًا لرفض عبد المهدي أيضًا؟ 

2- أما بالنسبة لما قاله البعض من أنَّ ابن المرجع السيستاني، محمد رضا، هو الذي وافق نيابة عن والده على تكليف عبد المهدي برئاسة الحكومة فعليه أن يثبت ذلك بالدليل الملموس، وعليه أن يثبت أن موافقة ابن المرجع تعني أو هي في وزن موافقة المرجع نفسه.

3- نقطة أخرى مهمة تبقى معلقة وهي: لماذا لم تنفِ المرجعية على ما قيل عن دور محمد رضا السيستاني من قبل الفريق الذي دعم تكليف عبد المهدي بالرئاسة؟ صحيح أنها ليست ملزمة بالتعليق على كل شاردة وواردة، ولكن الأمر يتعلق بموضوع يهمها ويهم رأس الحكم في العراق وتبرر ضرورته كثرة تدخلات المرجعية في شؤون الحكم والنظام القائم.

اقرأ/ي أيضًا: السيستاني يرد على ترامب ويطلب من عبد المهدي نزع سلاح المليشيات

4- ومن ضمن النقاط التي أردنا الخوض بها، أنه حتى لو أخذنا بالاستنتاج القائل إن المرجعية السيستانية رفضت أو لم تؤيد تكليف عبد المهدي برئاسة الوزراء هذه المرة، فهل ينفي ذلك تتدخل المرجعية السيستانية ومراجع آخرين في السنوات الماضية في شؤون اختيار الحكام أو في تأسيس نظام الحكم كله طوال السنوات الماضية، وأنها بالتالي تتحمل المسؤولية أو جزءًا كبيرًا من المسؤولية عن كل ما حدث منذ أول أيام الاحتلال وحتى الانتخابات الأخيرة التي شابها التزوير وانخفاض فاضح في نسبة المشاركين؟

5- كيف نقرأ وأين نضع تصريح المرجع السيستاني اليوم الأربعاء 6 شباط/ فبراير الجاري خلال لقائه بممثلة الأمم المتحدة جينين بلاسخارت والذي قال فيه، إن "أمام الحكومة العراقية الجديدة مهام كبيرة، وينبغي أن تُظهر ملامح التقدم والنجاح في عملها في وقت قريب؟"، وهل ينسجم هذا الكلام مع القول إن المرجع كان قد اتخذ موقفًا رافضًا لتكليف عبد المهدي بوصفه مسؤولً سابقًا "ومجرَّبًا سابقًا" بغض النظر عن كونه مستقلًا أو حزبيًا؟.

سمح عبد المهدي بزيادة القواعد الأمريكية في العراق وهذه إدانة واضحة له

أما المبالغة في إطراء كلام المرجع في لقائه مع بلاسخارت واعتباره خريطة طريق لهذه المرحلة وينطوي على إدانة واضحة وشديدة لعادل عبد المهدي الذي سمح بزيادة عدد القواعد العسكرية الأميركية، كما يذهب الكاتب سليم الحسني واستنتاجه أن ابن المرجع منع وكلاء المرجع من المرور على كلام مرجعهم في خطبة صلاة الجمعة، فليس هناك من أدلة أو إشارات مؤيدة له ويعتد بها. وربما يكون قد قارب الواقع حين استنتج أن وكلاء وممثلي المرجع مُنعوا من انتقاد عبد المهدي في خطبهم الماضية فهذا ما يقوله واقع الحال على الأرض.

اقرأ/ي أيضًا: من المالكي إلى عبد المهدي.. قصة الـ100 يوم المكرّرة!

وأخيرًا، هل سيستمر النظام بالاتكاء على مزاعم الدعم المشكوك به من المرجعية بما يؤدي إلى استمرار بقاء الحكم المسخ والمدمر للعراق؟ أليس من الضروري ضرورة حياة أو موت للبلاد أن تقدم المرجعية على موقف حاسم تعلن فيه موقفها من النظام الحاكم ومن دستوره التي دعت أتباعها إلى التصويت عليه بنعم بالرفض التام أو التبني الواضح، أم أن المشهد سيستمر ضبابيًا وسائلًا ومعلقًا بين أمواج المزاعم والإشاعات والاعتكاف ورفض استقبال المسؤولين الحكوميين فيما يتحرك ممثلي المرجعية والهيئات والشركات والمؤسسات التجارية والصناعية الربحية ذات العلاقة بها أو بالعتبات الدينية بكل نشاط وحماس؟.

إن العراق كبلد وشعب في خطر أكيد بسبب مشاريع عبد المهدي وإصراره على تنفيذها وخصوصًا بعد أن سرّع من وتيرة المشاريع القريبة من مصالح كيان العدو "إسرائيل" وبخاصة اتفاقات "خيمة طريبيل" وأنبوب النفط العبثي "البصرة - العقبة"، لا بل أن الخطر بات يحدق بالوطن العراقي والشعب كله، وحتى بتراث وسمعة بعض المرجعيات التي يحرص عليها الموالون لها!. 

أليس من الضروري أن تقدم المرجعية على خطوة حاسمة تعلن فيها موقفها من النظام الحاكم ودستوره التي دعت أتباعها إلى التصويت عليه بنعم؟

 كما أن إصرار المرجعيات الدينية على دعم النظام ومنحه المشروعية بشكل سري ومتردد لا يقل ضررًا عن الدعم العلني ومباركة الحكم الفاسد. إنَّ التبرؤ من هذا النظام ومؤسساته وزعاماته واستمرار مقاطعتهم من المرجعيات والهيئات الشعبية والمدنية هو السبيل الوحيد للتخفيف من المسؤولية التاريخية الهائلة التي تتحملها المرجعية عن دعمها للنظام ودستوره وتحالفاته الانتخابية وسكوتها عن احتلال العراق ورفض الدعوة لمقاومته! الوقت بات ضيقًا أمام الجميع ليخففوا من أثقالهم ومثالبهم وذنوبهم بحق العراق وشعبه، فالانفجار الشعبي العارم بات قريبًا، وحينها ستدفع أطراف عديدة داخل وعلى مقربة من نظام المحاصصة ثمن أفعالها وممارساتها ومواقفها أضعافا مضاعفة، فهذا هو منطق التاريخ العراقي!.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

عبد المهدي والرزاز على خط الحدود.. اتمام اتفاقية نفطية مثيرة للجدل!

تشكيل مجلس أعلى لمكافحة الفساد بعد تصنيف العراق بين أكثر 13 دولة فاسدة