23-يوليو-2020

(نجاة الشافعي)

أنا صِفْرُ اليَدينِ، أصفَرُ. لَيسَ لِي حِصَّةٌ مِنَ الذَّهبِ الأسوَدِ كأحَدِ الصَّفارِيتِ. مَنازِلُ صَفرَاءُ، تَصْفِرُ فِيهَا الرَّيحُ، مَشرعَةَ الأبوَابِ والشَبابيكِ، عَلى عَويلٍ لَيلٍ، في أنيَابِ ذِئبٍ. يَشِحُّ عَليَّ الذَّهبُ الأبيَضُ، فِي عَالمٍ يَحكمهُ الكِتَابُ الأصفرُ، يَموتُ النَّاسُ فيهِ مِن شدَّةِ الصَّفرِ. أحلُمُ بالذَّهبِ الأصْفرِ، لَا الذّهبِ الزَّائفِ. انتِظرتُهُ مَرّةً يَأتِي، ومَرّاتٍ مضيتُ إليه. قرأتُ عَنهُ كثيرًا، وهَيّأتُ نَفسِي وشَذَبتُها لبُلوغِهِ. قَالُوا لِي: أذهبْ إلى الجَبلِ ستَجِدُهُ هُنَاك، لكنَّنِي عُدتُ مُثخَنًا بالجِرَاحِ. سَكاكِينُ الصَّخرِ أكثَرُ قَسوةٍ مِنَ الحَجرِ. كُلُّ مرّةٍ تَتكسَّرُ أوصَالِي وتُقَصُّ أجنِحَتِي، وأزحَفُ كحِصَانٍ دُونَ أرجُلٍ. وقَالُوا لِي: إنكَ تَحلمُ أكثرَ مِن حَجمِ نَملةٍ وطيَرانِ فِيلٍ! لَم أترُكْ الحُلمَ، فالقُضبَانُ لا تَمنعُ الحُلمَ والتّفكِيرَ بهِ. كُنتُ أرَاهُ فِي الشَّمسِ الَّتي تَشرّقُ وتَغيبُ عَلى الجُدرانِ والحُقولِ. تُكسِّرُ القُضبانُ، والشَعرُ فِضَّةٌ، لكنَّ الحُلمَ بالأصْفرِ لَم يَجفَ، ما زِلتُ أحلمُ. سَكنتُ مَنازلَ بَنِي الأصْفَر، بَعدَ تَعقِّبِ حُرَّاسِ المَنجَمِ. عَينَايَ ورُوحِي تَتلقّفُ أخبَارَ الذَّهبِ، وحُلمَ الوصُولِ إليهِ. هَل أصَلُ يَومًا؟

جدار

جِدَارُ صَمتٍ بَينِي وبَينهَا. مُعجمُ كَلِماتٍ، عَطشَى الشَّفاهُ، والخَوفُ قَامُوسُ تَارٍيخٍ. اللَّيلُ لَا يَحمِي صَاحبهُ، فالظِلُّ فيهِ قَضيَّةٌ. العَرُوسُ خَلفَ الجِدارِ. جِدَارٌ لَا تَدخلُ الحُروفُ ثُقوبَهِ، تَتراكمُ الكَلِماتُ الظَّاهِرةُ والخَفِيَّةُ أسفَلهُ. الضَّوءُ يَتكسَّرُ عِندَهُ، والهَواءُ النَّقِيُّ يَتكدَّسُ خَلفهُ. صُورُ الفَاسَدينَ غَطَّتْ عَليهَا منَافِذُ العَبُورِ.كُنتُ أدفَعُ بِمَا تَبقَّى مِن كلمَاتِ بَقايا العُمرِ، سِلاَحِي فِي زَمَنِ القَبائِلِ والطَوائِفِ. تَكدَّستْ كَلمَاتِي ولَم يَتهدَّمْ الجِدَارُ. يَزدادُ حُرَّاسُهُ الأشبَاحُ. نَاديتُ الآخَرينَ، أنْ نَفتحَ كُوّةً. فعَرُوسُ الحَيِّ حَبِيسَةٌ خَلفَ الجِدَارِ. نَاديتُ أهلِي وأصحَابِي وجِيرَانِي أنْ نَحفرَ، أنْ نَدفعَ لَعلَّ الجِدَارَ يَتكسَّرُ.

بوصلة

ضَاعتْ فِي لُجّةِ البَحرِ. أسَقطتْ مِن يَدٍ رَّخوةٍ؟ أ سَرَّقهَا لِصٌّ؟ هَل بَلعَها حُوتٌ؟ لَم نعِدْ خَلفَ خُطاهَا. مَعالِمُ الشَّمسِ لَا تَحجبُ بجبَال لَيلٍ، القَمرُ حارِسٌ أمِينٌ  لظِلالِنَا. لكنْهَا ضَاعتْ في لُجّةِ البَحرِ، وتَركتِ السَّفِينةَ في دُوَّامةٍ؛ تَعدّدتِ الاتّجَاهاتُ، الأموَاجُ والغِربانُ تَرقصُ عَلى أوجَاعِهَا. 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

نصوص قَلِقَة

أمسِ جاءَ اللصوص

دلالات: