20-فبراير-2021

أصدر القضاء حكمًا بالإعدام ضد الأم التي رمت طفليها في نهر دجلة (فيسبوك)

قبل نهاية عام 2020، السنة المليئة بأحداث وصفت بـ"الكارثية" على مستوى العالم، لكنها كانت استثنائية أكثر في العراق من جميع النواحي، إذ شهدت البلاد أزمة صحية، وأزمة في السياسة، وأزمة كبرى في الاقتصاد، فضلًا عن أزمات اجتماعية كان منها حادثة أثارت جدلًا واسعًا في تشرين الأول/أكتوبر 2020، حيث وثقت كاميرا مراقبة لحظة إلقاء طفلين في مياه نهر دجلة، ومع التفاعل الواسع الذي امتد إلى الدول العربية، تبيّن أنّ سيدة قتلت طفليها انتقامًا من طلقيها بعد أنّ كسب حق حضانة الطفلين.

أصدر القضاء حكمًا بالإعدام ضد الأم التي رمت طفليها في نهر دجلة من أعلى جسر في العاصمة بغداد

كانت الحادثة مروعة، وانقسم بشأنها الناس في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ طالب البعض بإيقاع أقصى العقوبات بحق الأم، لكن آخرين قالوا إنَ من الضروري النظر إلى الظروف التي دفعتها إلى ارتكاب الجريمة من أسباب نفسية واجتماعية واقتصادية، وبعد أن كاد النسيان أن يطويها، عادت الحادثة من جديد، بعد أن أصدر القضاء في 18 شباط/فبراير، حكمين بالإعدام شنقًا حتى الموت بحق المرأة. 

ضحية أم "مجرمة"؟ 

ورأت علا التميمي، وهي رئيس لجنة المرأة في حركة وعي، أن "تطبيق أشد العقوبات بحق الأم دون النظر إلى الظروف التي أوصلتها لمرحلة تجردها من مشاعر الأمومة ستكون أكيدًا عقوبة غير منصفة"، لكن فاتن الخطاب، وهي مدافعة عن حقوق النساء، تقول إن "الحادثة مؤشر خطر جدًا لانهيار مجتمع أفقدته الظروف صحته النفسية، وهي إنذار للنظر بجدية لوضع خطط إصلاحية مجتمعية".

اقرأ/ي أيضًا: من عنف العوائل إلى "شبكات الدعارة": فتيات في شباك منظّمات مجتمع مدني!

وتتفق الخطاب مع التميمي، إذ تقول إن "المرأة مريضة نفسيًا كما هو واضح، فكان الأجدر أن يتمّ عرضها على لجنة للتقييم النفسي ثم الحكم عليها، مبينة أن "الذي لاحظته أن العقوبة لها أصول جندرية"، معللة ذلك بـ"عدم تنفيذ حكم الإعدام بحق الرجال الذين لديهم جرائم قتل لأخواتهم وزوجاتهم وأطفالهم، بل على الأغلب يخرجون براءة بعد فترة حبس بسيطة"، وتشير التميمي في حديث لـ"ألترا عراق"، إلى أن "الحكم عليها بالإعدام هو رسالة مبطنة بالنسبه لي أن الرجل سيبقى مسيطرًا على القضاء وتبقى الأحكام تقاس بالجندر لا ببشاعة الجريمة ولا بقانون العقوبات حتى".

لكن آخرين يرون أنها مجرمة وضحية في آن واحد، وهو ما تؤكد عليه الصحافية منار الزبيدي، حيث ترى أن "هذه الجريمة تحديدًا تأخذ شقين، الأول؛ هو أن القانون يجب أن يطبق على الجميع وأنها تستحق الحكم كمجرمة قامت بقتل طفلين، أي جريمتين وليست واحدة، ومن ناحية إنسانية تقول إنها ضحية لعادات مجتمع يقوم بتزويج القاصرات، فهي أصبحت قبل أن تبلغ سن الرشد، ونحن لا نعلم إن كانت في كامل قواها العقلية أم لا، لأنه لا توجد أم عاقلة تقوم بهذه الجريمة وتكررها مرتين دون أن تكون قد تعاني من ضغوطات أو أمراض نفسية، لذلك يصعب اتخاذ القرار فيما إذا كانت تستحق الإعدام أم لا".

هل تستحق الحادثة كل هذا الانتشار؟ 

وحصلت الحادثة على صدى واسع وصل إلى خارج العراق، وهي "هالة" تراها الباحثة الاجتماعية ميس الشعبان سببها ما يعرف بـ"الطشة"، قائلة لـ"ألترا عراق"، إنها "هالة تجعل الكثير يتراكضون وراء (الطشة) ويحلّلون وينشرون آرائهم بمختلف المواضيع التي قد لا تكون تعنيهم بشكل شخصي أو مهني للظهور أنهم قادرون على التحليل والتأثير، فضلًا عن تدهور الوضع الاقتصاددي والاجتماعي نتيجة للأوضاع التي فرضها فيروس كورونا من حظر وتباعد اجتماعي".

تقول شعبان إن "هذه الجريمة لا تحتاج إلى كل هذه الضجة التي أحدثتها، وذلك لأن تلك الأم المجرمة تستحق الإعدام"، وترى شعبان أن "غريزة الأمومة لا يمكن أن تمحى بأي ضغوطات مجتمعية، ومثال على ذلك، أن هناك الكثير من العوائل المتعففة، والتي تواجعه الظروف المجتمعية والاقتصادية التي يرثى لها، الا أنها لم تقدم على قتل أطفالها".

التفسير القانوني

يرى الخبير القانوني سيف سعد، أن "الأصل في تنفيذ أي عقوبة، وعن أي جناية تكون لغرض الحد من حدوثها وللردع العام، ويجب أن ينظر للجرائم من حيث جسامتها ووقت اقترافها، والظروف التي أدت إليها، هذا من جانب شخصي، أما من جانب قانوني، فإن عقوبة الإعدام إذا كان لا بدّ من إيقاعها على الجاني لجسامة الفعل يفترض أن تصنف حسب الضرورة"، لكن سعد يتساءل بالقول "لماذا نفذ القضاء حكم الإعدام بهذه المرأة، ولم ينفذه في جرائم الإرهاب منذ أعوام". 

ويجيب سعد حول أسباب تنفيذ الإعدام بهذه السرعة، أنها "أولًا واقعة اجتماعية والأخرى تمس بالأمن العام، وان كانا سببين غير مبررين، مستدركًا "لكن ركنًا من أركان الجريمة هو السبب، فمثلًا إذا تطوّر القضاء في مرحلة ما، وثبت بعد حين أن هذه المرأة قد رمت أطفالها لأسباب أسرية قد يكون زوجها السبب أو أهل زوجها أو صعوبة ظروفها التي أجبرتها إلى نزع غريزة الأمومة هل يعتذرون منها أم من ذويها بعد إزهاق روحها؟". 

تذكير بحادثة في فلسطين

ونشر نشطاء وصفحات مهتمة بحقوق المرأة آراء متباينة حول أصدار القضاء حكمًا بالإعدام بحق المرأة، فيما ذكروا مواقف القضاء في الدول العربية حول الجرائم التي تقوم بها النساء، والجرائم التي ترتكب بحق النساء من جانب آخر، آخرها قضية إسراء غريب. 

وغريب هي شابة فلسطينية من بلدة بيت ساحور، وعمرها 21 عامًا وتعمل في صالون تجميل، وبدأت قصتها في آب/أغسطس 2019 عندما تقدم شاب لخطبتها وانتهت قصتها جثة في مشرحة على ذمة النيابة العامة الفلسطينية وسط اتهامات وجهها ناشطون على مواقع التواصل لأخيها بقتلها، فيما تحولت قصة غريب إلى قضية رأي عام، بعد أن اجتاح هاشتاغ #كلنا_إسراء_غريب مواقع التواصل الاجتماعي. واعتبرت مؤسسات نسوية وناشطون وحقوقيون أن ما حدث لإسراء هو جريمة قتل ارتكبها أهلها بسبب مشاكل اجتماعية وتحريض من الأقرباء.

ذكر نشطاء مواقف القضاء في الدول العربية حول الجرائم التي تقوم بها النساء، والجرائم التي ترتكب بحق النساء من جانب آخر، آخرها قضية إسراء غريب في فلسطين

وقبل أيام، قررت محكمة فلسطينية، الإفراج عن ثلاثة أشخاص متورطين بالضلوع في مقتل الشابة إسراء غريب. وقال محامي المتهمين الثلاثة، لموقع "الترا فلسطين" إن "المحكمة قررت الإفراج عن شقيقي إسراء، وزوج شقيقتها خلال جلسة الاستماع لشهادات شهود"، وهو ما دعا نشطاء إلى القول إن "الدول العربية تتساهل في الجرائم التي ترتكب بحق النساء، خاصة مع الوقت القياسي الذي أصدر فيه القضاء حكمًا بحق المرأة التي رمت طفليها بنهر دجلة، فيما ذكروا أن "المتهمة لن تحظى بمحامي دفاع ولن تعرض على لجنة طبية لتحديد إن كانت بكامل قواها العقلية عندما قامت بجريمتها". 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

قصص تكشف لأول مرة.. ما أسباب انتشار ظاهرة اغتصاب الأطفال؟

الابتزاز الإلكتروني.. الجنس والأموال مقابل التستر على "الفضائح"!