19-يوليو-2019

امرأة عراقية هجرتها عائلتها وتجلس في منزل تديره منظمة غير حكومية (AFP/Getty)

مثل كل شيء في واقع البلاد المتراجع، تعيش المرأة العراقية بين وطأة التقاليد، وسطوة العشائر، وإهمال القانون لحقوقها والدفاع عنها. حيث لا يزال الكثير من النساء يتعرضن إلى شتى أنواع العنف الجسدي والنفسي من قبل ذويهن، مع صعوبة الحصول على إحصائية دقيقة لما يتعرضن له يوميًا بسبب الخوف من "الفضيحة".

 تلجأ النساء اللواتي يتعرضن إلى التعنيف لمنظمات المجتمع المدني لطلب المساعدة، فينتهي الأمر بهن إلى تعنيف آخر، وطريق طويل من المعاناة

وكغريق يستجير بمنقذ، يلجأ النساء اللواتي يتعرضن إلى التعنيف لمنظمات المجتمع المدني لطلب المساعدة، فينتهي الأمر بهن إلى تعنيف آخر، وطريق طويل من المعاناة، لكنها هذه المرة، خارج البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: الابتزاز الإلكتروني.. الجنس والأموال مقابل التستر على "الفضائح"!

ومع غياب الدور الفعلي لحماية النساء، بالإضافة إلى هيمنة العشائر وقوّتها مقابل القانون العام للحد من هذه الظاهرة، فأن آلية عمل المنظمات الرسمية ليست بحجم ما تتعرّض له المرأة في عموم العراق. حيث تضع هذه المنظمات دور إيواء للنساء المعنفات، وتكون سرية، وعددها في بغداد يبلغ 6 مراكز بحسب ما وصل إليه "ألترا عراق"، مع وجود مراكز أخرى في إقليم كردستان، حيث ترتفع حالات العنف ضد النساء هناك بنسبة 62%.

وتعمل هذه المراكز على تأهيل النساء عبر عدة مراحل، حيث تبدأ من خلال الجانب النفسي، أو محاولة إشغالهن في دورات تعليمية وثقافية، وفي بعض الحالات يتم إصدار أوراق ثبوتية رسمية لهن، ويتمّ نقلهن إلى مناطق أخرى لأن بقائهن داخل البلاد يشكّل خطرًا على حياتهن من قبل عوائلهن.

ومع وجود نشاطات لمثل هذه المنظمات لمساعدة النساء "المعنفات"، نشأت عصابات تعمل بشكل فردي أو جماعي، وعملها في خارج العراق وداخله للعمل على "استغلال" معاناة الفتيات اللواتي يبحثن عن طريقة للخلاص.

حاول "ألترا عراق"، أن يتقصى عن هذه الظاهرة، ووصل إلى أن العديد من الفتيات بمختلف الأعمار وصلن إلى تركيا عن طريق هذه "المنظمات الوهمية"، والتي تخدع النساء من خلال إقناعهن بتوفير مأوى آمن، أو هجرة إلى خارج البلاد مع فرصة عمل، وما أن تصل الفتاة حتى يتمّ اغتصابها أو تشغيلها في شبكات للدعارة.

وهنا تبدأ عملية استدراج الفتيات للهروب من عوائلهن وتخليصهن من العنف الأسري لتدخل مرحلة الاستغلال الجسدي، وكلا المرحلتين تكون عبر التجارة بمعاناة المرأة في بيئتها.

 العديد من الفتيات بمختلف الأعمار وصلن إلى تركيا عن طريق "منظمات وهمية"، يتمّ المتاجرة بهن للعمل في شبكات الدعارة

"نور كريم"، وهي إحدى الضحايا، طلبت أن تتحدث باسم مستعار خوفًا على حياتها، قالت بحزن "لا طريق للرجعة، هنا بدأت حياتي بانتظار المجهول".

اقرأ/ي أيضًا: 12 شابًا ينقذون عشرات الخائفين من "الفضيحة".. الفراغ القانوني بيئة للابتزاز!

تروي "نور" قصتها لـ"ألترا عراق"، قائلة، إنني "من عائلة ثرية ومعروفة جدًا في بغداد، وكنت اتعرّض للضرب يوميًا من قبل أخوتي بتحريض من والدتي، التي كانت بدورها تشجعهم على ضربي".

تبدأ حياة "نور" بالتغيير حين تتعرّف على إحدى النساء عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، تقول "أدعت أنها صاحبة منظمة معروفة لحماية النساء".

لم يمض وقت طويل على الحديث مع هذه المرأة، حتى لجأت "نور" إلى هذه المنظّمة، تقول "تم خداعي من قبل صاحبة المنظمة بتأمين طريق سفر إلى خارج البلاد وإيجاد فرصة عمل وسكن ملاءم".

أضافت "نور"، أنه "حالما وصلت إلى تركيا تم سحب جواز سفري مع كافة أوراقي الثبوتية والأموال التي أخذتها معي من قبل أحد أعضاء العصابة، لافتة إلى أنه "عرض عليّ العمل في شبكات الدعارة، مع التهديد بتسليمي لأمن الدولة أو يتم ترحيلي وتسليمي إلى عائلتي".

لم تكتف "العصابة" باستغلال جسد نور جنسيًا، إنما قامت بتصويرها في فيديوهات وصور جنسية، لغرض ابتزاز عائلتها في العراق. لكن أثناء عملها القسري في "الدعارة"، تكفّل أحد الشباب باستحداث جواز سفر جديد، وأوراق رسمية لها بسرية تامة.

لم تكتف "المنظمات الوهمية" باستغلال جسد النساء جنسيًا، إنما تقوم بتصويرهن في فيديوهات وصور جنسية، لغرض ابتزاز عوائلهن في العراق

استطاعت "نور" الهروب والرجوع إلى محافظة أربيل في شمال العراق، مع معاودة المحاولة بالتواصل مع إحدى المنظمات الرسمية لمساعدتها للسفر إلى أوروبا.

ثمّ تمكنت "نور" من التواصل مع منظمة رسمية غير محلية لحماية النساء المعنفات، وبعد التحقّق من وضعها وحالتها الاجتماعية والنفسية، تم التواصل مع عدة منظمات مختصة بهذا الشأن وتأمين سلامة وصولها لإحدى دول أوروبا مع عدة نساء يحملن قضايا وقصص مشابهة، وفق ما تشير إليه الضحية بالقول، إن "الكثير من النساء تعرضن لما تعرضت له، مضيفة "بعضهن تخلصن بالقدرة".

اقرأ/ي أيضًا: المرأة العراقية أمام "استحقاقات" الاستبداد.. حلقات من تاريخ لم يتوقف

وفي ظل سيادة التقاليد العشائرية المحافظة يصبح اللجوء إلى السلطات الرسمية لحلّ إشكالية العلاقات العائلية محدودًا جدًا، قياسًا إلى الحالات الكثيرة، التي تحصل على أرض الواقع.

وبحسب مدير المهمات في الشرطة المجتمعية، المقدم محمد جهاد، أن "الشرطة تسجل 8 حالات أسبوعيًا عنف أسري في بغداد ضد المرأة والطفل، فضلًا عن العديد من الحالات التي لم يبلغ عنها"،

وحول انتشار هذه المنظمات الوهمية وطرق التحقّق منها، تواصل "ألترا عراق"، مع الشرطة المجتمعية، وهل هناك خطة لدى المؤسسة الأمنية للحد من انتشار هذه العصابات. قالت أحدى المنتسبات في الشرطة المجتمعية، إن "المديرية تمكنت من السيطرة جزئيًا على معظم هذه  الحالات بالتعاون مع القوات الأمنية في كردستان (الأسايش)".

أضافت أنه "تم فرض إجراءات مشددة على دخول الفتيات اللواتي لم يبلغن السن القانوني إلى أربيل".

من جانبها، قالت رئيسة سكرتارية جمعيّة الأمل في بغداد، هناء أدور، إن "غالبية ممارسات العنف بحق النساء في العراق تكون بعيدة عن وسائل الإعلام، مع امتناع النساء عن الإبلاغ، إضافة إلى قلة أو انعدام مراكز البحوث والمساعدة الاجتماعية في غالبية مدن العراق، وسيطرة العشائر مقابل القانون"، مضيفة في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "الناس، وبسبب الثقافة السائدة، لا يجدون في تدخل الباحث الاجتماعي أي فائدة".

الغزي: يتم أخذ النساء من داخل البيوت والمتاجرة بهن، بسبب توسع عمل شبكات العمالة الأجنبية

جنات الغزي، وهي مشرفة على 4 من دور الإيواء الخاصة بالنساء المعنفات، أكدت وجود حالات ابتزاز واستغلال جنسي للفتيات الهاربات من عوائلهن، قائلة، إن "مؤسستها لا تشجع فكرة تأمين خروج المعنفات الى خارج العراق، خاصة بعد فشل عدة حالات تم فيها استغلال النساء، بل نقوم بمساعدة المعنفات حتى يتمكنّ من التكيّف مع أوضاعهن الجديدة، وهو شيء أشبه بإعادة التوطين داخل البلد".

لفتت الغزي في حديثها لـ"ألترا عراق"، إلى أن هناك "حالات مشابهة يتم أخذ النساء من داخل البيوت والمتاجرة بهن، بسبب توسع عمل شبكات العمالة الأجنبية".

وفي الوقت الذي لا توجد تحرّكات حكومية لمعالجة العنف الأسري، ترى ناشطات نسويات أن معالجة ظاهرة العنف ضد المرأة هو الذي سيمنع ظهور عصابات تستغل النساء المعنفات، ويقطع المشكلة من جذرها، فيما يطالبن بتكثيف الجهود بين رجال الدين والسياسيّين وأصحاب القرار من أجل التثقيف والوعظ الديني حول هذا الموضوع.

فيما يرى مراقبون أن هناك ضرورة لتشريع قانون يجرم قتل النساء وضربهن للحد من التصفيات العشائرية التي تطالهن أحيانًا على أخطاء بسيطة، وهو الأمر الذي يلقى على عاتق البرلمان والسلطة القضائية وصولًا إلى التنفيذية.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

المرأة أسيرة "النهوة".. من يقف بوجه العشائر؟

الضغوط الاجتماعية ومواقع التواصل.. ما الدوافع الأخرى لانتحار العراقيات؟