13-مايو-2019

عدد الإناث أكثر من الرجال في عدد حالات الانتحار بالعراق (تويتر)

"الفكرة تلح عليّ أيمكنني ألا أفعل"، قالها الرسام الهولندي فان كوخ في رسالته الأخيرة إلى أخيه ثيو قبل أن يطلق الرصاص على نفسه ويسمح لـ"لطير الذي بداخله أن يخرج من سجنه", هذه الجملة توضح الكثير من المعاناة والإحباط التي يشعر بها من يقبل على الانتحار.  لكن هل لظاهرة الانتحار في العراق جسور تربط المقبلين على الفكرة بالإحباط واليأس الذي تحدث عنه فان كوخ، أم أن الأسباب مختلفة؟

سجلت 132 حالة انتحار في 14 محافظة عراقية خلال الربع الأول من العام 2019، فيما جاءت كربلاء في المرتبة الأولى بعدد 20 حالة انتحار، أغلبها من الإناث!

في الآونة الأخيرة ازداد إقدام النساء على الانتحار في العراق بطرق مختلفة ولأسباب متعددة أيضًا، وبنسبة تفوق أعداد المنتحرين من الشباب، والأغرب أن غالبيتهن يرمين أنفسهن في أتون النيران وهن في ريعان شبابهن أو في بداية زواجهن دون إحصائيات دقيقة لأعداد المنتحرات في المحافظات الجنوبية والشمالية، فضلًا عن بغداد.

اقرأ/ي أيضًا: إطلالة على الكآبة العراقية: ابتسم بمرارة.. أنت في بلاد الغاضبين!

المتخصصة في علم الاجتماع، الدكتورة لاهاي عبد الحسين تحدثت لـ"ألترا عراق" عن أسباب انتشار الظاهرة مؤخرًا، قائلة إن "معدلات الانتحار ترتفع في ظل الظروف المتغيّرة على صعيد المجتمع والفرد. مبينة أنه "في العراق تتغير الظروف بطريقة حادة وتؤثر على الجنسين بما في ذلك المتزوجين وغير المتزوجين لأسباب عامة وخاصة، مشيرة إلى أن "النساء وبخاصة الشابات فإنهن يقعن تحت ضغوط مركبة تتمثل فيما يعانينه فرديًا وفيما يعانين منه عائليًا واجتماعيًا".

أضافت أن "الاحتمالات تزداد مع عدم توفر الأجواء العائلية الساندة والمتفهمة لمواجهة الضغوط، سواء على مستوى قيادة الحياة الشخصية أو على مستوى معالجة المشاكل مع الزوج وأهل الزوج، مشيرة إلى أنه "سيكون لزامًا التحلي بالحكمة والرعاية للإناث على وجه التعيين لحمايتهن من مخاطر الموت القصدي - الانتحار-  وإلا فإن النتيجة تنذر بالمزيد وعلى مختلف المستويات".

وكانت وزارة الصحة سجلت 17 حالة انتحار في بغداد الرصافة، خلال النصف الأول من شباط/ فبراير، من بينهم 16 فتاة ورجل. بينما تشير تقارير طبية وإحصائيات صحافية إلى أن إقليم كردستان العراق، يسجل أعلى نسب انتحار على مستوى البلاد خاصة بين الإناث، حيث بلغ عدد النساء المنتحرات في الإقليم 400 امرأة في عام واحد.

 نور فيصل، وهي ناشطة مدنية، قالت في حديثها لـ"ألترا عراق"، إن "التقارير والإحصائيات تشير إلى ازدياد حالات انتحار النساء في المحافظات الوسطى والجنوبية أكثر من المحافظات الشمالية، موضحة أن "أحد الأسباب التي تدفع النساء في العراق إلى الانتحار هي الضغوطات التي يتعرضن لها من قبل عوائلهن ومجتمعهن في تلك المحافظات".

أضافت فيصل، أن "النساء في تلك المجتمعات ونتيجة لاطلاعهن "في مواقع التواصل الاجتماعي" على حياة النساء في المحافظات الأخرى الأكثر تحررًا يقومن بخلق مقارنة بينهن وبين تلك النساء ويبدأن برفض واقعهن، بالإضافة إلى إطلاق الأسئلة عن الأسباب التي تمنعهن من العيش مثل الفتيالات الأخريات في المدن الأكثر انفتاحًا".

أشارت فيصل إلى أن "الضغط الذي يوجه على تلك الفتيات من قبل الأهل قد يكون من نوع الضغط المبرر لكونهم يعانون من اختلاف الأجيال، وليس جميعهم يستطيعون تقبل فكرة أن الحياة الآن تختلف عن السابق، وإن الفتاة أصبحت تشارك الرجل بمختلف الأعمال التي كانت مقتصرة على الذكور فقط، إضافة إلى أن الفتاة أصبح لديها صوت لتطالب بكافة حقوقها وتعبر عن نفسها بشتى الطرق".

للابتزاز الإلكتروني دور كبير في حالات انتحار النساء، إذ أن الخشية من عدم وجود قانون يحميها يدفعها للانتحار خوفًا من قضايا الشرف أو الإجبار على الزواج!

 لفتت فيصل إلى أن "للابتزاز الإلكتروني أيضًا دور كبير في حالات انتحار النساء، إذ أن الخشية من عدم وجود قانون يحميها يدفعها للانتحار خوفًا من قضايا الشرف أو الإجبار على الزواج أو حتى ترك الدراسة".

وفي 28 نيسان/أبريل أعلنت قيادة شرطة محافظة المثنى، وفاة شابة بعدما أقدمت على الانتحار بإحراق نفسها في قضاء الرميثة بمحافظة المثنى. فيما أوضحت أن "الشابة أفادت بأن المسبب في وصولها إلى حالة اليأس والقنوط والانهيار العصبي المؤدي إلى الانتحار هو زوجها، بسبب ما يمارسه عليها من ضغوطات دفعتها للانتحار"، بينما أعلنت شرطة ذي قار في 30 نيسان/أبريل أن امرأة بالعقد الخامس من العمر أقدمت على الانتحار بحرق نفسها في قضاء البطحاء غربي الناصرية، ولم يمض وقت طويل حتى أعلن في 6 أيار/مايو الجاري أن امرأتين بمحافظة الديوانية أقدمتا على الانتحار بسبب مشاكل عائلية.

اقرأ/ي أيضًا: "نخاسة العشيرة" فوق الدين والقانون.. لماذا تنتحر النساء؟

الناشطة المدنية أنسام سلمان قالت في حديثها لـ"ألترا عراق"، عزت انتشار ظاهرة انتحار النساء إلى عدة أسباب، مبينة أن "من أهمها هي العلاقات العاطفية الفاشلة التي تمر بها الكثير من النساء وكثيرًا ما يتم استغلالهن فيها جنسيًا أو ماديًا أو عاطفيًا, ونتيجة لخوفهن من التحدث بهذا الموضوع أمام عوائلهن يكون الانتحار هو الملجأ الوحيد للتخلص من هذا الاستغلال والخوف وكذلك التخلص من الخضوع لزواج الأقارب"، موضحة أن "الفقر أيضًا له دور كبير في انتحار النساء,  فضلًا عن العنف الأسري وهيمنة المجتمع الذكوري اللذان يلعبان دورًا كبيرًا في انتحارهن أو حتى انعزالهن عن المجتمع".

وفي 23 نيسان/أبريل كشفت مفوضية حقوق الإنسان، عن تسجيل 132 حالة انتحار في المحافظات العراقية خلال الربع الأول من العام 2019، باستثناء بغداد، مشيرة إلى أن الإحصائية شملت 14 محافظة، في حين كانت الأرقام غير معلومة في بغداد وصفر في صلاح الدين، لافتةً إلى أن "كربلاء جاءت في المرتبة الأولى بعدد 20 حالة انتحار، أغلبها من الإناث".

الإحصائية الأخيرة عن الربع الأول من 2019 (حقوق الإنسان)

الكاتب والصحفي حسين العطية، يرى أن "ازدياد حالات الانتحار في العراق يرجع إلى الظروف الاجتماعية الصعبة التي تقاسيها المرأة وبشكل يرتفع نسبيًا كلما اتجهنا من الشمال إلى الجنوب"، مبينًا أن "الحالات تزداد في الفرات الأوسط والجنوب، في مؤشر يدل على لعب العادات والتقاليد دورًا في هذا الازدياد".

أشار إلى أن "أخير حالتي انتحار سجلتا في الديوانية، كانت إحداهن قد أقدمت عليها بعد إجبارها على الزواج من شخص لا تحبه، لكونه نهى عليها، وهي عادة عشائرية قديمة، تمكّن ابن العم من استخدام ما يشبه حق الفيتو، في رفض من يتقدم لقريبته، إن كانت له رغبة بها"، لافتًا إلى أن "هذه الحالات تقل بالمجتمع الكردستاني، على سبيل المثال، رغم كونه مجتمعًا عشائريًا في إحدى المحافظات، ومدني نسبيًا بمحافظة أخرى"، مذكرًا بـ"الإحصائية السنوية التي تكشف عن معدلات الاعتداء على الرجال في الإقليم، حيث يتعرض رجال هناك للضرب، والطرد من المنزل، وهي رغم كونها حالة غير صحية أيضًا، إلا أنها تشير لوضع مختلف للمرأة".

أخير حالتي انتحار سجلتا في الديوانية، كانت إحداهن قد أقدمت عليها بعد إجبارها على الزواج من شخص لا تحبه، لكونه نهى عليها، وهي عادة عشائرية قديمة تسمى "النهوة"

ومضى العطية بالقول إن "ازدياد حالات الانتحار بشكل عام، بحاجة لنظرة جادة، وعميقة، يكون للدولة ومنظمات المجتمع المدني مساهمة فيها، بغرض وضع الحلول اللازمة، لا الحلول التي لا تمس الظاهرة بصلة، مثل ما اقترحه مجلس بغداد في وقت سابق، من تسييج للجسور، حتى لا تستخدم في هذه المناورة الانتحارية التي يلجأ اليها الانسان بعد انغلاق جميع السبل أمامه".

وكان رئيس مجلس محافظة بغداد رياض العضاض أكد في 21 نيسان/أبريل ارتفاع معدلات الانتحار بشكل "مفزع" في عموم مناطق البلاد، وسط غياب إحصائيات دقيقة عن الظاهرة، فيما أيّد فكرة إنشاء سياج أمني لمنع حالات الانتحار على كل الجسور في العاصمة.

فيما نبه العطية إلى ضرورة "إشاعة ثقافة الطبيب النفسي للتخلص من الضغوط، ومعالجة المشاكل النفسية، والعقد، والأمراض التي تدفع الإنسان لليأس"، مؤكدًا أن "إشاعة مثل هكذا ثقافة تقع على عاتق التربية، والأسرة بالدرجة الأساس، ومن ثم المجتمع الذي عليه أن يعي أيضًا، أن الأطباء النفسيين ليس للمجانين كما يُصوَّر، بل هو حاجة إنسانية ضرورية لمن يعاني مشاكل نفسية ما".

لكن الخبير القضائي حسام منتظر أشار إلى أن مسلسل انتحار النساء في المجتمع العراقي سيستمر إذا ما استمرت جرائم الشرف والأعراف العشائرية وبعض القوانين وبعض النصوص الدينية، متساءلًا  "لماذا القانون يخفف عقوبة الزوج إذا قتل زوجته بدافع الشرف ولا يخفف عقوبة الزوجة إذا قتلت زوجها بدافع الشرف؟ ولماذا الأب إذا وجد ابنته مع عشيقها يقتلها بداعي الشرف وإذا وجد ابنه مع عشيقته قد يشجعه ويرى أنه أصبح رجلًا؟ ولماذا الدين يسمح للرجل أن يتزوج من غير مذهبه ولا يسمح للمرأة تتزوج إلا من نفس مذهبها؟ مبينًا أن "كل هذه الأمور ستؤدي إلى استمرار مسلسل انتحار النساء في هذا المجتمع الذي يحتوي على أعراف وقوانين ونصوص دينية كهذه".

إشاعة ثقافة الطبيب النفسي تقع على عاتق التربية والأسرة بالدرجة الأساس، ومن ثم المجتمع الذي عليه أن يعي أيضًا، أن الأطباء النفسيين ليس للمجانين كما يُصوَّر، بل هو حاجة إنسانية ضرورية 

فيما يرى مختصون أن الانتحار في العراق ينتشر لأسباب مختلفة من بينها الضغوطات النفسية والدراسية، وغياب فرص العمل والأنشطة الشبابية واليأس نتيجة أوضاع البلاد، وغياب مراكز تأهيل نفسي وإرشاد تربوي في المدارس، فضلًا عن غياب الوعي الأسري، في ظل عدم وجود إحصائيات رسمية دقيقة تكشف عن الأرقام الحقيقة لحالات ومحاولات الانتحار، يستمر إقدام النساء على إحراق أنفسهن دون أي حلول تذكر.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

لماذا ينتحر الشباب في العراق؟

بعد تكرار الحالة في ثلاث محافظات.. انتحار شابتين في الديوانية