23-ديسمبر-2020

الحكومة الحالية تحاول تفتيت احتمالية حدوث انتفاضة قادمة (Getty)

كان الحدث الأبرز إلى جانب قضية عبد الوهاب الساعدي قبل اندلاع تظاهرات تشرين العام الماضي، هو اعتداء قوات أمنية بالضرب وبخراطيم المياه على محتجين من حملة الشهادات العليا المطالبين بالتعيينات قرب مقر رئيس مجلس الوزراء السابق عادل عبد المهدي.

 أرسلت الحكومة مشروع موازنة العام 2021 بحجم وصل إلى 150 تريليون دينار، مع إيقاف التعيينات في دوائر الدولة كافة، وإيقاف التوظيف بأسلوب التعاقد

أثار الحدث حفيظة المواطنين ونخب سياسية إضافة إلى المرجعية الدينية في النجف التي أشارت على لسان وكيلها عبد المهدي الكربلاء إلى تعطيل قدرات الخريجين وتضييع جهودهم وتخييب آمالهم وطموحاتهم، مع المزيد من المواقف واللجان التحقيقية التي لم تسفر عن إجراءات صارمة.

اقرأ/ي أيضًا: الدولار أمام مشهد غير واضح.. والحكومة قد تفقد السيطرة على "التسعيرة"

تزايد الاحتجاجات التي يقوم بها الخريجون شكّل ضغطًا على حكومة عادل عبد المهدي التي سارت بمسار سابقاتها وبقي الواقع الاقتصادي لا يتناسب مع المتطلبات الاجتماعية وسط الفساد المستشري وهيمنة الأحزاب السياسية على ملف الوظائف في الدوائر الحكومية، حتى سقطت بفعل عوامل عدّة من بينها الاقتصادي.

أسوأ من السابق

ساء الحال أكثر بعد استقالة حكومة عبد المهدي بفعل تفشي فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط العالمية وتعطّل الحركة التجارية عمومًا، في بلاد تعتمد بأكثر من تسعين بالمئة على الواردات النفطية، وأقدمت حكومة مصطفى الكاظمي على الاقتراض لمرتين بقوانين لسد العجز المالي بدلًا من موازنة للبلاد.

ومع تصادم الحكومة ومجلس النواب، أرسلت الأولى مشروع موازنة العام 2021 بحجم وصل إلى 150 تريليون دينار، مع إيقاف التعيينات في دوائر الدولة كافة، وإيقاف التوظيف بأسلوب التعاقد، وإيقاف المشاريع الجديدة، وفرض ضرائب على رواتب الموظفين تقول الحكومة إنها لن تمس الشرائح الفقيرة، وإن الإجراءات الصارمة تهدف لإصلاح الاقتصاد.

لكن إصلاح الفساد والإرباك والخلل في الإدارة الحكومية يدفع ثمنه المواطن العراقي عبر موازنة "مجحفة" بحق المواطن كما يعبّر المتحدث باسم جبهة الإنقاذ والتنمية صلاح الكبيسي، الذي قال إن وزير المالية علي علاوي "تهجّم على بعض طبقات المجتمع من مثقفين وأصحاب الشهادات العليا"، في إشارة لتصريح الوزير حول من يحصل على الشهادات العليا من أجل زيادة راتبه، وهو توجه رفضه أكاديميون الذين نظموا وقفات احتجاجات في كربلاء وكركوك وغيرها.

والجدير بالذكر أن مشهد اعتداءات القوات الأمنية على الخريجين في زمن عبد المهدي تكرر قرب المنطقة الخضراء حين اعتدت قوات مكافحة الشغب العصي في شهر تموز/يوليو الماضي، وفي منطقة الكرادة قبل أسابيع.

انتفاضة جديدة؟

تقول الحكومة إن الإصلاحات الاقتصادية استهدفت الفئات والدرجات العليا "ولم تمس أصحاب الدخل المحدود إلا قليلًا"، لكن الموازنة الخالية من التعيينات والعقود والمشاريع التي من شأنها أن تستقطب الأيدي العاملة ستزيد من معدلات البطالة كما يؤكد خبراء اقتصاديون ومتخصصون برلمانيون.

يقول رئيس لجنة التخطيط الاستراتيجي ومتابعة البرنامج الحكومي في البرلمان حازم الخالدي إن "وزارة المالية متخبّطة وهي سبب الإخفاق الحاصل في ظل أوضاع اقتصادية صعبة"، ذلك بعد قرار وزارة المالية رفع سعر صرف الدولار أمام الدينار والذي أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع وحتى الأدوية والمستلزمات الطبية، ما سيساهم بضررٍ أكثر لنحو ثلث سكان العراق الذين يعيشون تحت مستوى خط الفقر، بحسب إحصائيات وزارة التخطيط.

دفعت تلك المعطيات، الخالدي، إلى القول إن "على الكاظمي ومجلس الوزراء توقع حدوث انتفاضة جديدة"، مبينًا في حديث لـ"ألترا عراق" أن "إعطاء المناصب والوظائف العليا والحصص للجهة السياسية هذه وتلك لن تنفعه أمام الناس، وسيتكرر سيناريو عبد المهدي معه".

مواجهة قريبة مع الشارع

يؤكد خبراء أن فرض الضرائب على رواتب الموظفين وإيقاف التعيينات والمشاريع مع تدهور سعر صرف الدولار سيزيد من التضخم الاقتصادي في البلاد، ذلك في ظل تنامي مستوى الفقر الناتج من الجائحة، وعدم تعافي أسعار النفط بالصورة التي تغيث الاقتصاد العراقي الريعي، مع وجود احتجاجات شبه يومية في بغداد والمحافظات للمطالبة بالتعيين أو التثبيت وغيره.

قال حازم الخالدي إن على الكاظمي توقع حدوث انتفاضة جديدة، وسيتكرر سيناريو عبد المهدي معه

هذه المعطيات وغيرها تشير إلى "أزمة في قادم الأيام"، وآليات الحل غير متاحة ورغبة المنتظم السياسي، لإصلاح الأمور مفقودة، فالمنتظم السياسي "سائر باتجاه المزيد من استفزاز الشأن العام"، كما يقول المحلل السياسي أحمد الشريفي، لذا فمن "الطبيعي ستكون ردود فعل أكبر من الوضع الحالي".

اقرأ/ي أيضًا: مجلس الوزراء يرسل موازنة 2021 للبرلمان: لم تمس رواتب الموظفين كثيرًا

يرى الشريفي في حديث لـ"ألترا عراق" أن "تخوين التظاهرات السابقة لم يُدعم والماكنة الإعلامية لن تؤثر في الوقت الحالي"، كما أن "السلطة الحالية تحاول تفتيت احتمالية حدوث انتفاضة قادمة لكنها لن تنجح لأن الانتفاضة ستأخذ مداها وتفعل فعل التغيير في النظام السياسي أو تكون أساس التغيير".

ويضيف الشريفي: "الحكومة باتت مغتربة عن الشارع العراقي، وإذا أخذت إجراءات تصالحية معه فمن الممكن عودة الأمور إلى وضعها، أما إذا استمرت بعدم المبادرة وتنفيذ مطالبات المتظاهرين فستكون الأحداث متسارعة وقد يصار إلى الدخول في دوامة المواجهة المباشرة بين الحكومة والرأي العام في وقت قصير"، مختتمًا حديثه: "إذا حظيت الانتفاضة بدعم دولي أوسع ستكون أداة التغيير في المرحلة القادمة".

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

أسئلة عراقية في الزمن الصعب

ملف تغيير سعر الدولار "يرعب" قطاع المقاولين.. كيف سيؤثر على المشاريع؟