25-سبتمبر-2019

جعفر الصدر مع مقتدى الصدر (فيسبوك)

ما يقرأ سياسيًا هو عادة نقيض ما يقرأ اجتماعيًا. يحيط الجمهور العقائدي الديني قادته بهالة من التقديس والتسديد الرباني غير القابل للنقاش والنقد والأسئلة المنطقية، وهذا شيء طبيعي وشائع جدًا في مختلف الأديان، لكن هذه "القدسية" قد تهتز أو تقابل بردود فعل متباينة حين يدخل الديني بالسياسي. 

ظهور جعفر الصدر مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب غطى على استقبال الرئيس نفسه وخلف ردود فعل متابينة وتبريرات مختلفة

ربما كان ظهور السيد جعفر الصدر بضيافة الرئيس الأمريكي ترامب هو موضوع الساعة، وغطى على استقبال الرئيس نفسه، وفي الحقيقة أن الموضوع هو يختص بمقتدى الصدر أكثر من ابن عمه السيد جعفر. إذ أن التيار الصدري بكل ملايينه ومؤسساته ومنابره الإعلامية والدينية يختصر تمامًا بشخص وذوق الصدر، ولا يوجد تعبير أكثر وضوحًا وشفافية من عبارة "طيع واسكت حبيبي"، فلا يؤخذ أي سياسي أو رجل دين داخل التيار الصدري على محمل الجد.

اقرأ/ي أيضًا: الصدر بعصاه.. المدنيون بمحنتهم!

إن التغييرات في النموذج الصدري من التحالف مع الشيوعيين وزيارة السعودية من جهة، وقطر من جهةٍ أخرى، ومن ثمّ الانكفاء اتجاه إيران، والمضي خلف العبادي، هو الإشارة الأهم، لأن العبادي أمريكي التوجه بامتياز.. لم تكن هذه تغييرات هامشية أو عابرة، بل نتيجة عمل وتخطيط يحري على قدم وساق لأهداف متعددة، ولينتهي هذا الأمر، بزيارة السيد جعفر كممثل من درجة خاصة في وزارة الخارجية العراقية، وكان هذا وقع الصدمة على الجمهور المستنفر والمستفز من كل شيء حتى قبل الزيارة، والذي دخل في دوامة شتائم وتخوين وتبرير معتادة في مثل ظروف كهذه، وهي أمور غير منتجة، ولا يعار لها اهتمام كالعادة.

لا يملك جعفر الصدر أي رؤية سياسية ممكن الاطلاع عليها واعتبارها نموذجًا خاصًا به أو خاصًا بالتيار الصدري، كل ثقل الرجل ينبع من أنه ابن محمد باقر الصدر، أحد أهم المراجع الشيعة العراقيين على المستوى السياسي، (والذي فاقت أهميته بمراحل، أهمية الشيوعيين والديمقراطيين والليبراليين مجتمعين). ولا يملك ابنه التأثير الاجتماعي الكافي لاعتبار مواقفه من محددات جماعة ما، فالرجل موضوعيًا؛ خارج النقاش.

إن الانتقال من الديني إلى السياسي هو عمل محفوف بالمخاطر، والانشقاقات، والتكفير والتخوين الداخلي، لأنه يخضع المقدس اللا مفروغ من قدسيته للنقد، والنقد خطيئة تطيح بالدين نفسه خصوصًا في نموذج التدين الشعبي.

يتعامل مقتدى الصدر الآن بتغييرات سياسية هي الأخطر، كرجل يملك الأغلبية من حيث عدد النواب المرتبطين به، ويعاني من المأزق التاريخي المعتاد بتحديد ما هو سياسي وما هو ديني، فمثل هذه اللقاءات والاجتماعات هي مصدر حرج ديني لا يمكن تبريره سياسيًا، خصوصًا شيعيًا بعد عقود من مقولات "الشيطان الأكبر وكلا كلا أمريكا، والعداء غير المشروط مع أمريكا".

إن المنطقة مقبلة على صراعات ورثتها طائفيًا وستمتد، والمحاور أكثر وضوحًا وأقل تجانسًا، والساحة العراقية بدأت تميل نحو اللاتجانس البراغماتي بشكل صارخ، ومعادلة أمريكا- إيران هي المحدد لشكل ونوع الصراع داخليًا. ولا يختلف اثنان أن البراغماتية هي قلب العمل السياسي، ويبرز تطويع الآليات لتصبح أكثر أخلاقية لإبراء الذمة وحفظ الشكل الديني.

لقاء جعفر الصدر بترامب، إشارة مهمة لما هو مقبل وما يجري إعداده في كواليس السياسة، بعيدًا عن أي رأي جماهيري أو موقف شعبي لجماعة معينة. إن التيارات الدينية تصطدم بشدة بالواقع السياسي من دون إعداد مسبق أو تجربة خارج إطار المعارضة والمظلومية، ولا تعمل القوى السياسية الدينية على إعداد سياسي لقادتها ناهيك عن جماهيرها العريضة المؤمنة.

 الانتقال من الديني إلى السياسي هو عمل محفوف بالمخاطر، والانشقاقات، والتكفير والتخوين الداخلي، لأنه يخضع المقدس اللا مفروغ من قدسيته للنقد

عودًا على موضوع الزيارة، ختام القول إنها شأن سياسي بامتياز لا يقبل اي تفسيرات أو تبريرات، والبعد الديني هو آلية سياسية مهمة، والشعارات تختبر بالمصالح.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الصدريون في سلامهم وحروبهم.. من الثورة إلى سائرون

مقتدى الصدر.. بين الأتباع والنقّاد