01-يوليو-2020

(خالد شاهين)

قبل ثلاثين سنة قال لي شيخي في قمّ إن الميم هو حرفُ الحقيقة الآدمية، قال: انظرْ إلى تأخّره في آدم ثم انظر إلى وروده في اسم محمدٍ مرتين، متقدِّمًا ومتوسِّطًا، وستفهم.

لكني لمْ أفهمْ.

وعلى أمل أن أفهم جعلتُ وردي ليلتَها الأسماءَ الحسنى التي تبدأ بالميم "الملك المهيمن المتكبّر المؤمن..." وأفردتُ وردًا خاصًا لاسمين اثنينِ "المقدِّم والمؤخِر" عسى أن ألتقط علّة التأخّر والتقدّم في ميم الحقيقة الآدمية وميم الحقيقية المحمديّة. ولم أظفرْ إلا بالقشور.

مغيبَ اليوم التالي قال لي ابتداءً: فتشتَ في أسماء الله وتركت اسمك؟ جدْ ذلك في اسمك أنت بالذات. وقرأ عليّ:

أحمدُ حيث الميمُ منه بانا

لم يُبقِ ما بينهما فرقانا

قلت له: هذه فهمتُها، تعني ان اسم أحمد من دون الميم سيصير "أحد" وهو اسم حقيقة الذات المنفرد الذي ليس معه غيره، ولولا الميم ما كان فرقٌ بين الاثنين، فالميم هو تحقّق العبودية.

قال مبتسمًا: وعليه يقع القهرُ، به تتحقق آدميتك، فتجب عبوديتك، وتكون تحت قهره وسلطانه.

قلت: ميمُ الآدمية ميم الموت إذن؟

قال: هو الموتُ.

ثلاثون سنة مرّتْ. لو أني تأملتُ ليلتها كيف يزمُّ المرءُ شفتيه ليقول الميم، كيف تنطبق الشفةُ على الشفةِ لتتحقّق آدميتُه التي هي في الوقت عينه موته، لو أني فكرتُ في أنّ الإنسان إذْ يطبِق شفتيه على بعضهما فإنه إنما يقبّل نفسه، يشتهي ذاته، يتزاوج وإياه لينجب ميم حقيقته التي هي علّة وجوده وموته معًا.

انتظرتُ ثلاثين سنة بتمامها وكمالها، ليأتيني قبل أكثر من شهر، بين النوم واليقظة، واردٌ يقول لي هذه الجملة التي جعلتُها قصيدة قصيرة منفردة:

(كلّما انطبقتْ شفةٌ على شفةٍ

قال الموتُ للشفتينِ: آمين).

وترجمها إلى الفارسية الصديق الشاعر الأستاذ إبراهيم رحيم:

(هر آن‌دم که لبی بر لبی فرو افتد

مرگ؛ آن دو لب را آمین گوید).

عرفت الأمر أخيرًا. 

لا في أسماء الله يا شيخي الحبيب ولا في اسمي، بل في قُبلة الوداع هذه. فمن انطباق الشفتين الذي هو علامة صمت، يخرج لنا ميمُ الموت.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

رسالة في أن الوجود خير محض على كل حال

جنّةُ عدم

دلالات: