20-مارس-2020

منعت وزارة الصحة العراقية من الإعلان رسميًا عن حالات قتل المتظاهرين (Getty)

منذ انطلاق التظاهرات في مطلع تشرين الأول/أكتوبر، تعرض الكثير من المحتجين إلى عمليات اغتيال، بعضها منظم، وأخرى غير منظمة، مثلما حدث في الساحات. وتعرض نشطاء وكوادر طبية، فضلًا عن داعمين للاحتجاج، إلى عمليات اغتيال، وهو الأمر الذي جعل هذه الحوادث تتصدر المشهد لفترة معينة من عمر الاحتجاج العراقي.  

منعت وزارة الصحة العراقية من الإعلان رسميًا عن حالات قتل المتظاهرين، فيما غيّرت أسباب القتل في "شهادة الوفاة" 

 وما لا يقل عن 50 من أصل أكثر من 700 متظاهر من الذين  قُتلوا في الاحتجاجات على يد قوات امنية أو مسلحين مجهولين في العاصمة ومحافظات وسط وجنوب العراق، أعمارهم تقل عن ثمانية عشر عامًا وفقًا لمفوضية حقوق الإنسان.

اقرأ/ي أيضًا: تزوير شهادات وفاة ضحايا الاحتجاجات.. السلطة تستعين بـ"الملائكة"!

وطوال المدة التي رافقت التظاهرات، تعاملت السلطات بالعنف المفرط، وهي أسباب تعود بحسب رئيس المجموعة المستقلة للأبحاث بواشنطن، إلى أن "قمع الانتفاضة الشعبية الأخيرة اثبت طائفية الحكومة، إذ أنه لم يكن بسبب أن المتظاهرين ثاروا على النظام فقط، وإنما لسعي المتظاهرين ومناداتهم بتغيير طبيعة النظام الطائفي الديني الحالي، وبالتالي فإن الدعم الإيراني الكبير للحكومة خلال المظاهرات كان السبب في القمع، إذ يراد لهذا النظام الديني بالعراق أن يستمر في الحكم وأن يقلد الولي الفقيه الإيراني، وإن من قمع المتظاهرين هم من يتبعون الولي الفقيه"، بحسب تعبيره.

واتخذت السلطات العراقية قرارات صارمة منذ انطلاق التظاهرات، في تشرين الأول/أكتوبر، بمنع وزارة الصحة من الإعلان رسميًا عن حالات قتل المتظاهرين، مع تغيير أسباب الوفاة في "شهادة وفاة" الضحايا، وانكار استخدامها العنف ضد المتظاهرين وتحدث آخرون عن وجود طرف ثالث لقتلهم، بالوقت الذي وصل فيه أعداد الضحايا بحسب التقديرات إلى أكثر من 700 قتيل، ونحو 28 ألف إصابة.

تحت نصب الحرية وبين خيم الاعتصام، كان محمد مختار، ابن التاسعة عشر ربيعًا، الطالب في كلية العلوم، ترك أحلامه بين أوراق الدراسة وشغفه بالموسيقى ليلتحق بحلم أكبر، وهو "استعادة الوطن"، كما رفعت الشعارات وقتها.

توجهت أعداد كبيرة من الطلبة، في 25 شباط/فبراير 2020، إلى ساحة التحرير بعد دعوة الاتحاد الطلابي إلى "مليونية شباط"، هاجمت السلطات قرب نفق التحرير من جهة ساحة الخلاني، الطلاب بقنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص،  أسفرت عن مقتل مختار برصاصة غاز مسيل للدموع اخترقت رأسه، ليسقط قتيلًا.

والد مختار يقول لـ"ألترا عراق": "لقد تعرضت لأبشع أنواع الذل والمهانة وأنا أحاول تسلم جثة ولدي الوحيد، في داخل المشفى ساوموني على ولدي، وطالبوا بالتوقيع على شهادة وفاة ذُكر فيها أن سبب الوفاة هو نتيجة لمشاجرة لا رصاص السلطات مقابل إعطائي جثمان ولدي الذي قدم روحه لكي تستمر هذه الثورة، مطالبًا "كل الثوار بالصمود حتى تحقيق المطالب".

قال ذوو ضحايا التظاهرات إن الصحة امتنعت عن تسليمهم الجثث إلا بعد التوقيع على كتابة سبب الوفاة أنه نتيجة سكتة قلبية أو شجار

"ألترا عراق"، تواصل مع عوائل ضحايا تظاهرات تشرين بعدة محافظات في وسط وجنوب العراق، للتحقق  فيما إذا تم إصدار مثل هكذا شهادات وفاة  لذوي المتوفين وأكدوا أنهم واجهوا رفضًا من قبل القطاع الصحي في  تسلم جثامين أبنائهم إلا بعد التوقيع على أن سبب الوفاة سكتة قلبية أو نتيجة شجار، وأحيانًا تُسجل ضد مجهول، وليس القتل المتعمد من قبل السلطات.

اقرأ/ي أيضًا: أمنيستي تروي تفاصيل "ليلة المجزرة" التي أطاحت بعبدالمهدي: القناصة مرة أخرى

ورفض مدير إحدى المستشفيات الاعتراف بوجود جماعات كانت تعتقل المتظاهرين المصابين من المستشفيات في بداية التظاهرات بالرغم من شهادات مختلف المتظاهرين.

لكن أحد الأطباء الذي رفض الكشف عن هويته لأسباب تتعلق بوظيفته، قال لـ"ألترا عراق"، إن "هناك تعليمات شفاهية من المدراء العامين بضرورة  التشديد على كتابة أسباب الوفاة لضحايا التظاهرات، وإن هذه التوجيهات كانت صادرة من قبل قيادة العمليات التي تتسلم بدورها تعليمات من قبل السلطات الحاكمة".

يضيف الطبيب أن "هذه الأوامر كانت موجوده منذ انطلاق التظاهرات وتزايد أعداد القتلى من المتظاهرين، وأصبح سياقًا للتعامل مع حالات الوفاة فيما بعد".

أكد  الطبيب المختص على "عدم وجود توجيه بمرسوم خطي بتغيير سبب الوفاة للضحايا من المتظاهرين، إنما كان التوجيه شفهيًا خوفًا من أن يُكشف هذا التوجيه أو لعدم ورود إمكانية إدانة الحكومة العراقية وتدويل القضية فيما بعد".

نمير عدنان، وهو طبيب من البصرة، يُعلّق على هذه الحالة، بالقول، إنه "بعد صدور توجيهات بتغيير سبب الوفاة الحقيقي في شهادة الوفاة، رفض بعض  ذوي الضحايا استلام جثمان أبنائهم إلا بعد كتابة السبب الحقيقي، وهذا خلق ضغط قوي على الكوادر الصحية مما اضطروا لكتابة الحقيقة من شجار أو ضد مجهول إلى السبب الحقيقي  كأن يكون بسبب طلق ناري أو الضرب المبرح وغيرها خلال التظاهرات".   

طبيب لـ"ألترا عراق": عدم وجود توجيه بمرسوم خطي بتغيير سبب الوفاة للضحايا من المتظاهرين، إنما كان التوجيه شفهيًا

ويؤكد مختصون أن هذا الملف بالإمكان أن يلاحق حكومة عبد المهدي قانونيًا إذا ثبتت حالات القتل، وهو الأمر الذي يقول حوله المحامي أحمد علي لـ"ألترا عراق"، إنه "من الناحية القانونية لهذه الحالات من التزوير في شهادات المتوفين بإمكان ذوي الضحية رفع دعوى ضد السلطات  الحكومية فيما إذا توفر قضاءً نزيهًا وبعدها يقر القاضي أما مخالفة أنظمة وتعليمات أو إعادة فتح تحقيق جديد مع تقديمهم فيديوهات مصورة، وأدلة تدين السلطات وتثبت زيف ادعائهم وهذا يعني طلب القاضي إعادة تشريح رفاة المتوفي".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تحقيق| السلطة تستخدم سلاح "الخنازير" والحيوانات المتوحشة ضد المتظاهرين

قتل "السلميين" في الظلام.. عتاد "المذّنب" من "داعش" إلى ساحات الاحتجاج