17-أغسطس-2019

يركز قانون المخدرات الجديد على الجانب الوقائي العلاجي أكثر من الجانب الردعي (Getty)

استدعاء مفاجئ تلقاه عدد من أعضاء مجلس النواب من قبل عائلة موصلية تقطن في الجانب الغربي من المدينة بعد اعتداء تعرضت له على يد مجموعة شبان في أحد الأحياء ثم لاذوا بالفرار، لوجود مشكلة "لا تستطيع" الشرطة وضع حل لها.

بدأت ظاهرة تعاطي المخدرات وتجارتها تتسع بشكل كبير في الموصل في ظل عجز لأجهزة الدولة وغياب للمصحات الخاصة 

يقول النائب شيروان دبروداني، الذي كان من بين من لبى الدعوة إلى جانب نواب آخرين ومسؤولين محليين، إن المشكلة تتمثل في منفذي الاعتداء الذين تبين أنهم كانوا تحت تأثير المخدرات، والحادثة ليست الأولى التي تتعرض لها أسر في الموصل بل تكررت عدة مرات مؤخرًا.

اقرأ/ي أيضًا: المخدرات من الأرجنتين!.. ماذا عن "ساهون" إيران؟: عبد المهدي يثير سخرية عارمة

"المكبسلين"، وهو مصطلح شعبي يطلق على متعاطي المخدرات والمدمنين مصدره كلمة "كبسولة" في إشارة إلى المخدرات الكيميائية التي تأخذ شكل حبوب الدواء وغيرها، كانوا وراء تلك الاعتداءات بحسب شهادات، والتي تحدث غالبًا في الأحياء الشعبية في الجانب الغربي من الموصل.

يعد ملف المخدرات تحديًا حقيقًا في البلاد، حيث تتفاقم ظاهرة تعاطيها من قبل الشباب والمراهقين وغيرهم في ظل نشاط متصاعد للتجارة ينعشها الفساد ونفوذ الميليشيات وضعف أجهزة الدولة والعقوبات غير الرادعة بحسب مختصين ومسؤولين أمنيين.

على مستوى الموصل يبدو الأمر أكثر تعقيدًا، حيث يقول النائب دوبرداني، إن  "المدينة تفتقد إلى شرطة مجتمعية أو جهاز لمكافحة المخدرات، وهذا ما يجعل السيطرة على الظاهرة صعبًا للغاية"، مبينًا في حديث لـ "الترا عراق"، أن "الكارثة الحقيقية تكمن في أن المخدرات وصلت مشارف الموصل. كان القرار الأساسي هو طرد الجماعات الإرهابية في السابق، ولكننا اليوم نواجه جماعات من نوع آخر تؤثر على عقول الشباب ولا تقل خطورة عن داعش والقاعدة بل تمثل خطرًا أشد".

من أين تدخل المخدرات؟

لم يعد خافيًا للكثيرين دور دول الجوار وأبرزها إيران في ملف تجارة المخدرات داخل البلاد، فضلًا عن عملية زراعة أو صناعة لبعض أنواعها في نطاق ضيق على مستوى الداخل، لكن "الترا عراق" حاول تقصي طريق المخدرات إلى مدينة الموصل تحديدًا.

تشير المعلومات التي تقدمها مصادر أمنية، إلى وجود عدة طرق أبرزها، قادم من جنوب البلاد وصولًا إلى بغداد فصلاح الدين، ثم تدخل محافظة نينوى عبر بلدات القيارة والشورة وحمام العليل ومن لتصل إلى الموصل.

يقول الناشط المدني سعد عامر، إن "شريحة المراهقين هي الأكثر استهدافًا من قبل تجار المخدرات في المحافظة، ليس على مستوى عمليات التوزيع فقط، بل للتعاطي والإدمان"، مبينًا أن "أعمار المتعاطين تتراوح غالبًا بين 15 – 35 عامًا في الموصل".

يضيف عامر لـ "الترا عراق"، أن "هناك أشخاصًا آخرين لا يستخدمون الكوكايين والكرستال والمواد المخدرة الأخرى، وإنما يحصلون على الكبتاكون القادم من لبنان إلى سوريا ومن ثم إلى نينوى مباشرةً، حيث أن خط لبنان سوريا العراق هو الخط الثاني لدخول المخدرات"، موضحًا أن "البعض يستخدم بشكل مفرط المواد الطبية المسكنة التي تباع في الصيدليات وبسبب عدم وجود رقابة حقيقة، حيث باتت بعض الصيدليات معروفةً بأنها تبيع تحت الضغط أو بالتراضي والاتفاق تلك الأدوية المسكنة التي هي في الأساس ممنوعة من دون وصفة طبيب".

تدخل المخدرات إلى الموصل عبر خط يمتد من جنوب البلاد مرورًا بالعاصمة وآخر مباشر من لبنان وسوريا!

كما يشير الناشط الموصلي، إلى أن "بعض الأشخاص يستنشقون السيكوتين في محاولة للحصول على نشوة التخدير"، مؤكدًا أن "كل تلك التفاصيل ليست جديدة في العراق بشكل عام، ولكنها بالفعل جديدة على المجتمع الموصلي المحافظ، والذي خضع لسنوات لسيطرة داعش الذي منع التدخين وشرب الكحول".

ويحذر عامر، من أن "ظاهرة تعاطي المخدرات تتسع وتتفاقم بشكل كبير في مدينة الموصل والبلدات المحيطة بها، في ظل مخاوف من انهيار اجتماعي بسبب الظاهرة". وهو تحذير يؤكده النائب دوبرداني، مشيرًا إلى أن "تجار المخدرات يحاولون ترويج المخدرات بأسعار بخسة في الموصل، لكسب أكبر عدد من المتعاطين، ثم رفع الأسعار بعد تكوين سوق للمخدرات فيها".

شرطة "عاجزة".. وغياب للمصحات!

ولم يتمكن "الترا عراق" من الحصول على تعليق من قبل وزارة الداخلية أو قيادة شرطة نينوى، حيث يرفض المسؤولون الإدلاء بأي تفاصيل عن هذا الملف، لكن ضابطًا في الشرطة المحلية قال، إن "الشرطة في المحافظة لا تمتلك الإمكانية لمنع انتشار المخدرات لأن هذا الملف يحتاج الى شرطة متخصصة بالموضوع، إضافة إلى تعاون من قبل الأهالي".

يضيف الضابط الذي اشترط عدم كشف هويته لـ "الترا عراق"، أن "الشرطة رغم محدودية إمكانياتها، لكنها تراقب في الوقت الحالي تحركات بعض المشتبه بهم بالمتاجرة وكذلك المتعاطين"، مبينًا أن "أعدادهم محدودة ويجري التعامل معهم، وسيتم محاسبتهم في حال ثبتت الشبهات ضدهم وفق القانون".

اقرأ/ي أيضًا: ارتفاع نسبة متعاطي المخدرات في كردستان.. هذا هو النوع الأخطر

 ويعرف مجلس القضاء الأعلى المخدرات، بأنها كل ما يشوش العقل والحواس بالتخيلات، وهي كل مادة طبيعية أو كيمياوية مستحضرة تحتوي على عناصر منشطة أو منبهة أو مسكنة أو مهلوسة تؤثر على الجهاز العصبي المركزي، و لها تأثيرات جسمانية وروحية وعاطفية وإدراكية.

كان القانون العراقي المشرع سنة 1965 قد نص، على عقوبات الغرامة والحبس والسجن والسجن المؤقت والسجن المؤبد وعقوبة الإعدام بالإضافة إلى عقوبة مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة ومصادرة الأدوات المستعملة في ارتكاب جريمة تعاطي المخدرات وقد تشدد في جريمة المتاجرة.

لكن القانون الجديد الذي عرف باسم قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (50) لسنة 2017، لم يضع تعريفًا جامعًا مانعًا للمواد المخدرة أو المخدرات، وفق مختصين، كما انحاز إلى الجانب الوقائي العلاجي أكثر من الجانب الردعي العقابي، في ظل غياب المصحات الخاصة في الموصل وعموم محافظة نينوى.

وقد عاقب المشرع العراقي على جريمة تعاطي المخدرات في المادة (32) وفقًا للقانون من بـ "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة واحدة ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسة ملايين دينار ولا تزيد على عشرة ملايين دينار كل من استورد أو أنتج واصنع أو حاز أو أحرز أو اشترى مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية أو سلائف كيميائية أو زرع نباتا من النباتات التي ينتج عنها مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية أو اشتراها بقصد التعاطي والاستعمال الشخصي".

وكذلك عاقبت المادة 33 من القانون، بـ "الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن ثلاثة ملايين دينار ولا تزيد على خمسة ملايين دينار كل من سمح للغير بتعاطي المخدرات أو المؤثرات العقلية في أي مكان عائد له ولو كان بدون مقابل، كما نصت المادة 28 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية على عقوبة السجن المؤبد أو المؤقت وبغرامة لا تقل عن عشرة ملايين دينار ولا تزيد على ثلاثين مليون كل من أدار أو أعد أوهيأ مكانًا لتعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية، ومن أغوى حدثًا وشجع زوجه أو أحد أقربائه حتى الدرجة الرابعة على تعاطي المخدرات أو المؤثرات العقلية، وللمحكمة بدلًا من أن تفرض العقوبة أن تلزم من تعاطى المواد المخدرة بمراجعة عيادة نفسية تنشأ لهذا الغرض لمساعدته على التخلص من عادة تعاطي المخدرات".

"غياب" دور المجتمع!

للأزمات التي شهدها المجتمع الموصل خلال السنوات القليلة الماضية دور في ظاهرة المخدرات، كما يشير الباحث الاجتماعي رعد حمود، مبينًا أن "المجتمع الموصلي عانى من أزمة القاعدة و داعش وبعدها السياسيات المتخبطة للحكومة، وفور الحصول على فرصة، خاصة جيل الشباب للخروج عن العادات والتقاليد فإنهم يمارسونها بكل مساوئها".

يركز قانون المخدرات الجديد على الجانب الوقائي العلاجي أكثر من الجانب الردعي العقابي فيما "تغيب" التوعية المجتمعية بمخاطر المخدرات

يقول حمود لـ "الترا عراق"، إن "الجميع حذر من ما بعد داعش ولكن لم تجر أي عمليات تثقيف أو توفير فرص عمل أو غيرها من الأمور الإيجابية في نينوى، لذلك فإن الوضع اتجه نحو مشكلة جديدة وهي المخدرات"، لافتًا إلى أن "المجتمع الموصلي والعراقي بشكل عام يحرم شرب الكحول لكنه لا يوفر الثقافة الكافية للتحصين من المخدرات، على الرغم من خطرها الشد وسهولة إخفائها وأدوات تعاطيها عن الأهل، لتظهر نتائجها بارتفاع معدلات الجرائم والطلاق وغيرها من المشاكل الاجتماعية".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

طريق الكحول إلى العراق.. تجارة تحكمها ميليشيات دينية وأحزاب سياسية

القصة الكاملة لهرب كبار تجار المخدرات من سجن بغداد.. ما علاقة الحشد الشعبي؟