ألترا عراق ـ فريق التحرير
سُمع صوت انفجار في المنطقة الخضراء وسط بغداد في التاسع عشر من آيار/مايو الحالي، قالت خلية الإعلام الأمني إنه ناجمٌ عن سقوط "صاروخ كاتيوشا وسط المنطقة الخضراء دون إحداث أية خسائر"، وذكرت مصادر صحفية أن السفارة الأمريكية في المنطقة المذكورة أطلقت صافرات إنذار في داخل المبنى.
سارعت لجنة الأمن والدفاع النيابية لتحديد اليوم التالي موعدًا لعقد اجتماع طارئ لمناقشة قضية قصف المنطقة الخضراء. لكن يبدو أنها لم تفعل
لجنة الأمن والدفاع النيابية سارعت لتحديد اليوم التالي موعدًا لعقد اجتماع طارئ لمناقشة قضية قصف المنطقة الخضراء والاطلاع على التقرير الأمني والاستخباراتي العراقي بشأن عملية القصف. لكن يبدو أنها لم تفعل.
اقرأ/ي أيضًا: هجوم صاروخي يستهدف السفارة الأمريكية وسط بغداد.. سقط في محيطها مجددًا!
يقول قائد عمليات بغداد في تصريح صحفي إن "منصة إطلاق الصاروخ عُثر عليها أمام الجامعة التكنولوجيّة قرب سريع محمد القاسم"، فيما قالت وسائل إعلام إن "الصاروخ أطلق من ساحة خالية في منطقة معسكر الرشيد جنوب العاصمة".
إجراءات سبقت القصف
حذرت الولايات المتحدة مواطنيها من السفر إلى العراق بعد أيام من زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لبغداد، ثم أصدرت في الخامس عشر من آيار/مايو، أي قبل أيام قليلة من الهجوم الصاروخي، أمرًا بسحب موظفيها غير الأساسيين من العراق، من السفارة في بغداد، والقنصلية في أربيل، بأسرع وقت ممكن، وأعلنت كذلك تقليص خدمات الطوارئ المقدمة للمواطنين الأمريكيين في العراق.
جاءت هذه التحذيرات والإجراءات في سياق تفاقم الصراع الأمريكي الإيراني وفرض الأولى عقوبات اقتصادية مشددة على طهران، بالإضافة إلى التصعيد العسكري في المنطقة. ويُجمِع المراقبون أن يكون العراق أهم ساحة للصراع بين الدولتين المتنفذتين فيه.
قبل الآن، تعرضت المنطقة الخضراء إلى قصف بالصواريخ لعدة مرات رُجّح أنها استهدفت السفارة الأمريكية؛ إلا أن الصواريخ لم تُصب السفارة في مرة سابقة، كما في هذه المرة.
الفرقة الأمنية الأجنبية رفضت السماح للعجلات التي تم تفتيشها بواسطة القوات العراقية بالدخول إلى طريق السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء دون تفتيش آخر تقوم به هي
رغم خطورة الموقف بعد سقوط الصاروخ، إلا أن مكتب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي أعلن قرب افتتاح المنطقة الخضراء 24 ساعة للمواطنين، مبينًا أن "سقوط الصاروخ على المنطقة لا يؤثر على إعادة فتحها".
اقرأ/ي أيضًا: ماذا تعرف عن المنطقة الخضراء؟ قوانينها وشوارعها المفتوحة وساعات الفتح
بحسب أحد العاملين في المنطقة، فأن قوات الحماية الأجنبية لا زالت تُخضع العجلات المارّة في الطريق المؤدي إلى السفارة الأمريكية للتفتيش بواسطة كلاب ما يُعرف بـ "K9"، رغم وجود تفتيش "عراقي" في المداخل العامة، ويذكر ذات المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلق بعمله لـ"ألترا عراق"، أن "الفرقة الأمنية رفضت السماح للعجلات التي تم تفتيشها بواسطة القوات العراقية بالدخول إلى طريق السفارة دون تفتيش آخر تقوم به هي".
يأتي ذلك في وقت يصر فيه رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي على عدم رغبة الولايات المتحدة وإيران بخوض حرب، كما أبلغه مسؤولون من الدولتين. ويشير عبد المهدي إلى أن "أي طرف عراقي مشترك بالعملية السياسية لا يريد دفع الأمور نحو الحرب".
شظايا الصاروخ
لم تُصب شظايا الصاروخ أي هدفٍ حين تطايرت في المنطقة الخضراء، لكن آثارها بدت واضحة على صعيد التصريحات والتسريبات.
تشظت الاتهامات وتوزعت على الدول الإقليمية فضلًا عن الأطراف الداخلية. يقول عبد المهدي في 21 آيار/مايو "هناك جهات أمريكية وإيرانية وإسرائيلية متفردة تحاول تصعيد الأزمة بين طهران وواشنطن".
أما رئيس لجنة الأمن القومي والسياسية الخارجية في مجلس الشورى الإيراني حشمت الله فلاحت بيشه، فيقول إن "استهداف السفارة الأمريكية في العراق ودعوة المملكة العربية السعودية إلى عقد قمة عربية طارئة كلاهما جزءٌ من سياسية السعودية لجر المنطقة إلى الفوضى العارمة".
لم تُصب شظايا الصاروخ أي هدفٍ حين تطايرت في المنطقة الخضراء، لكن آثارها بدت واضحة على صعيد التصريحات والتسريبات والاتهامات المتبادلة داخليًا وخارجيًا
بينما يقول النائب محمد كريم البلداوي، عن كتلة صادقون "الجناح السياسي لعصائب أهل الحق"، إن "أطرافًا دولية تقف خلف استهداف المنطقة الخضراء وذلك لدفع دول معينة للحرب"، واصفًا استهداف المنطقة الخضراء بـ"المسرحية الفاشلة".
اقرأ/ي أيضًا: تحذيرات من إدخال العراق في الحرب.. وبغداد دون موقف رسمي
أما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فقال بعد ساعات من سقوط الصاروخ "إذا كانت إيران تريد القتال فستكون تلك النهاية الرسمية لها. لا تهددوا مطلقًا الولايات المتحدة مرة أخرى".
حلفاء إيران: لسنا نحن
لم يتبن طرف عملية القصف الصاروخية، سوى جماعة أطلقت على نفسها "عمليات الشهيد الأسير علي المنصور"، التي قالت لـ"ألترا عراق" في وقت سابق إنها المسؤولة عن عملية قصف المنطقة الخضراء ردًا على عفو ترامب عن الضابط مايكل بيهينا الذي قتل السجين علي منصور الجبوري. وتحدى التنظيم أي جهة أو فصيل مسلح تبني الهجوم، لافتةً إلى امتلاكها "صور ومقطع فيديو يوثق لحظة إطلاق الصاروخ تجاه السفارة الأمريكية".
أمين عام عصائب أهل الحق، أحد أبرز الفصائل المسلحة المقربة من إيران، حذّر في تغريدة له على صفحته في "تويتر" بعد عملية القصف مما أسماها "عمليات خلط الأوراق التي يراد منها إيجاد ذرائع الحرب ويراد منها الإضرار بوضع العراق السياسي والاقتصادي والأمني"، مشيرًا إلى أن "الحرب المفترضة ليست من مصلحة إيران وأمريكا، بل هي مصلحة إسرائيلية ولأسباب عقائدية".
يؤكد زعيم تحالف الفتح وفصيل بدر المسلح هادي العامري ذلك بالقول، إن "طرفي الأزمة لا يريدان حربًا في المنطقة"، ويُشير إلى أن "من يحاول إشعال فتيل حرب انطلاقًا من العراق هو جاهل أو مدسوس".
اتهم العامري إسرائيل بـ"دفع المنطقة إلى الحرب"، محذرًا العراقيين من أن يكونوا وقودًا لهذه الحرب.
قالت استخبارات كتائب حزب الله إن قصف الخضراء غير مبرر، بينما أعلنت حركة النجباء في وقت سابق جاهزية فصائل المقاومة لاستهداف المصالح الأمريكية في الوقت الذي تراه مناسبًا
استخبارات كتائب حزب الله العراقية بدورها، قالت في بيان مقتضب تابعه "ألترا عراق"، إن "قصف المنطقة الخضراء بصاروخ كاتيوشا غير مبرر، وتوقيته غير ملائم ولا يصب في المصلحة العامة".
كانت حركة النجباء قد أعلنت في 13 آيار/مايو جاهزية "فصائل المقاومة العراقية لاستهداف المصالح الأمريكية في الوقت الذي تراه مناسبًا"، متوعدة بأن "المواجهة مع أمريكا لن تتوقف حتى زوالهم من المنطقة هم وكيانهم الصهيوني الغاصب".
اتهامات لحزب الله.. وتحذيرات من الرد
بحسب قناة عراقية محلية، فأن صحيفة ديلي بيست الأمريكية نقلت عن مسؤول رفيع في جهاز مكافحة الإرهاب، قوله إن "الصاروخ الذي استهدفت السفارة الأمريكية في بغداد أطلقته كتائب حزب الله بناءً على أوامر إيرانية"، مرجحًا أن يكون "هذا الصاروخ بمثابة استفزاز من دون إثارة حرب كاملة"، لكن جهاز مكافحة الإرهاب نفى تلك التصريحات، موضحًا أن البيانات الرسمية يتم إعلانها عبر المتحدث الرسمي باسم الجهاز".
في السياق، لفت محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي إلى أن "تملص العراق من تحديد الجهة التي أطلقت الصاروخ باتجاه السفارة الأمريكية ومن معاقبتها ـ وهذا متوقع ـ سيفتح الباب لمزيد من التدخل الأمريكي لملاحقة من تعجز الحكومة عن معاقبتهم". لكن خبيرًا عسكريًا أشار إلى أن "رئاسة الوزراء طلبت من جميع الفصائل المسلحة تحديد من قام بعملية إطلاق الصاروخ، كما طلبت من الأجهزة الاستخبارية ذات الطلب".
اتصل "ألترا عراق" بالمتحدث الرسمي باسم قيادة العمليات المشتركة العميد يحيى رسول لسؤاله عن الجهة التي أطلقت الصاروخ، لكنه أعاد ذات البيان الصادر من الخلية الأمنية، مكتفيًا بذكر "سقوط الصاروخ وعدم وجود خسائر بشرية".
كرر رسول نفي تصريح جهاز مكافحة الإرهاب بخصوص مسؤولية كتائب حزب الله عن إطلاق الصاروخ الذي استهدف المنطقة الخضراء.
اتصل "ألترا عراق" بالمتحدث الرسمي باسم قيادة العمليات المشتركة العميد يحيى رسول لسؤاله عن الجهة التي أطلقت الصاروخ، لكنه اكتفى بذكر "سقوط الصاروخ وعدم وجود خسائر بشرية"
مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية قال "لم تُعلن أي جهة حتى الآن مسؤوليتها عن الهجوم، وهو لم يؤثر على أي منشأة تشغلها الولايات المتحدة"، مستدركًا "لكننا نأخذ هذه الواقعة بشكل جدي جدًا".
أضاف "سنحمل إيران المسؤولية إذا شنت الميليشيات التي تعمل وكيلًا لها أو عناصر من هذه الميليشيات مثل هذه الهجمات، وسنرد على إيران وفق ذلك".
يؤكد ذلك حديث القائم بأعمال السفارة الأمريكية في بغداد جوي هود في ٢٢ آيار/مايو، الذي قال في مؤتمر صحفي تابعه "ألترا عراق"، إنه "لا نعرف من كان المستهدف في الصاروخ الذي سقط على المنطقة الخضراء قبل أيام"، لافتًا إلى أن "السفارة الأمريكية تعمل مع الحكومة العراقية للوصل للفاعل".
اقرأ/ي أيضًا: "منفذو" هجوم السفارة الأمريكية لـ "الترا عراق": هذا هدفنا وسنضرب مجددًا!
زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر المُناهض للوجود العسكري الأمريكي، خاطب بعد عملية القصف، في 20 آيار/مايو، طرفًا محليًا لم يُسمِه بالقول "يا هذا، لا تؤجج حربًا أنت حطبها، فكلا الطرفين غير مؤهل لدخول الحرب بل ولا يريدها، ولا العراق ولا شعبه يتحمل حربًا أخرى"، مضيفًا "أي طرف يزج العراق بالحرب ويجعله ساحة للمعركة سيكون عدوًا للشعب العراقي".
تكتيك حرب؟
يقول المحلل في مؤسسة واشنطن فيليب سميث، بحسب صحيفة صنداي تلغراف البريطانية، إن "إيران جندت في الأسابيع الأخيرة جماعتي عصائب أهل الحق وحزب الله لشن هجمات في بغداد".
أشارت الصحيفة إلى أن "الإيرانيين يريدون أن يبعثوا رسالة قوية جدًا للأمريكيين من أجل إثبات أنفسهم، كما أنهم يريدون ثانيًا من خلال الأحداث القوية اختبار الأمريكيين لمعرفة ما هو الخط الأحمر عندهم".
لكن الفصائل المسلحة الأساسية في العراق نفت صلتها بالحادثة عبر استنكارها لعملية القصف، وسط تبادل للاتهامات، التي شملت أطرافًا أمريكية وإيرانية وإسرائيلية وسعودية وعراقية. وتبدو الأوضاع مُشابهة لتعرض ناقلات نفط سعودية وإماراتية لعمليات تخريب لم يتبناها أحدٌ.
مصدرٌ سياسي عراقي رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، يضع عملية القصف الصاروخية في خانة "التكتيك" الذي تُمارسه إيران بمقابل الضغوط الاقتصادية الأمريكية، والعمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريّا.
مصدر سياسي لـ"ألترا عراق": عبارة لا حرب ولا سلام تُفسر التوجه الإيراني، الذي قد يُصعّد في بعض المناطق لكن ليس إلى درجة إعلان الحرب، فالإيرانيون يريدون المزيد من أوراق القوة التفاوضية
يقول المصدر لـ"ألترا عراق" إن "عبارة لا حرب ولا سلام تُفسر التوجه الإيراني، الذي قد يُصعّد في بعض المناطق لكن ليس إلى درجة إعلان الحرب، فالإيرانيون يريدون المزيد من أوراق القوة التفاوضية، ولا يُمكن لغير حلفائهم في المنطقة تزويدهم بها عبر عمليات عسكرية خفيفة دون الإعلان عن منفذها"، محذرًا من "انزلاق الوضع إلى مرحلة لا يُمكن السيطرة فيه على شيء".
اقرأ/ي أيضًا: