30-سبتمبر-2019

يوصف قسم مكافحة الشغب في وزارة الداخلية بـ "المنفى" (Getty)

الترا عراق - فريق التحرير

منذ عقود، تقوم العلاقة بين الشعب والأجهزة الأمنية غالبًا في العراق على "القلق والرعب"، يكون المواطن فيها الحلقة الأضعف ليواجه استبداد رجل الأمن مدفوعًا بقوة السلطة وتجبرها، وعلى الرغم من تغيير النظام بعد 2003 وتعدد جهات المراقبة ووسائل الإعلام، يرى مراقبون أن سلوكيات القمع والتجاوز بقيت متجذرة وظاهرة.

تقوم العلاقة بين الشعب وأجهزة الأمن على "الخوف" منذ عقود وما زالت مستمرة على الرغم من تغيير النظام بعد 2003

تتنوع الأجهزة الأمنية بحسب المهام الموكلة إليها ومنها ما لا تظهر نشاطاتهم للعيان أو تقع تحت دائرة الضوء، فيما تتحرك أخرى بالاحتكاك مع المواطنين والشارع كقوات مكافحة الإجرام وغيرها، وكذلك قوات مكافحة الشغب، والتي يسجل مراقبون الكثير من الملاحظات على أدائها، مع اتهامات بارتكاب انتهاكات.

منفى الداخلية!

توزع وزارة الداخلية الضباط والمراتب قبل تخرجهم على أجهزتها المتنوعة، حيث ينخرط الضباط في دورات تخصصية في مجال عملهم، وفي حالة إجراء نقل أو تنسيب لضرورة ما يكون لقسم مقارب للقسم الأصلي.

اقرأ/ي أيضًا: "البوارح" تذيب "ذرائع" عبد المهدي وتشعل احتجاجات الصيف: البصرة تغلي مجددًا!

لكن قوات مكافحة الشغب تحولت إلى منفى للمُعاقبين في الوزارة، بحسب مصدر في الوزارة، والذي يقول إن "النقل إلى قوات مكافحة الشغب هي إحدى أقصى العقوبات التي يتلقاها الضباط المخالفون أو المرتشون بعد إحالتهم للجان تحقيقية".

عن آلية التعامل مع المحتجين ومدى الصلاحيات الممنوحة للقوة المكلفة بالواجب، يقول المصدر في حديث لـ "الترا عراق"، إن "أمر السرية، وغالبًا لا يتجاوز رتبة الرائد، هو من يحدد الموقف ويعطي الأوامر بما يراه مناسبًا"، مبينًا أن "الخطوط العامة للتعليمات هي الضرب والتجاوز في حالة استدعت الضرورة".

يروي المصدر الذي طلب عد الكشف عن اسمه، أن قصة ضابط برتبة نقيب كان في مديرية المرور العامة "ضُبط متلبسًا بتسلم رشاوى مقابل منح إجازات سوق وتمرير معاملات أخرى"، لكنه تمكن من تجنب عقوبة الفصل بـ "دفع مبالغ كبيرة، قبل أن يصدر قرار من قبل القائمين على ملفه، يقضي بنقله إلى قوة مكافحة الشغب، حيث ظهر في تسجيلات فيديوية لأكثر من مرة يضرب المتظاهرين في ساحة التحرير".

من البصرة إلى العلاوي..

تبذل التنسيقيات في الحركات الاحتجاجية جهودًا كبيرة في الدعوة إلى السلمية وعدم التماس مع القوات الأمنية والحذر من المندسين، واتسمت الكثير من الاحتجاجات بانضباط عال، مقابل إفراط بالقوة من طرف قوات مكافحة الشغب، بحسب تقارير لمنظمات حقوق الإنسان، كما حدث في ساحة التحرير ببغداد وكذلك في احتجاجات البصرة، والتي أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى.

يوصف قسم مكافحة الشغب في وزارة الداخلية بـ "المنفى" حيث مصير الضباط المعاقبين والمرتشين!

كانت الاحتجاجات في الجنوب وتحديدًا البصرة من بين أهم العوامل التي عدت مؤثرةً في فشل رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي بتولي فترة ثانية، فيما شهدت الفترة الماضية من عمر حكومة رئيس الحكومة الحالية عادل عبد المهدي احتجاجات عديدة في المحافظات، مدفوعة بسوء الخدمات أو البحث عن وظائف وفرص عمل، وأخرها تظاهرة أمام مقر عبد المهدي وسط بغداد، والتي أثارت الكثير من الجدل وأحرجت الحكومة.

لم تتوقع رغد الجنابي أن تتعرض وزميلاتها إلى الضرب بالماء الساخن والغاز المسيل للدموع، ليقعن فوق بعضهن وتأخذ المياه ما يسترهن، قبل أن يطالهن "ضرب بالهراوات واعتقالات"، خلال حملة شنتها قوات مكفحة الشغب لتفريق اعتصام لحملة الشهادات العليا في العلاوي.

تقول الجنابي في حديث لـ"ألترا عراق"، : "نتظاهر منذ أكثر من 100 يوم، اعتصمنا في ساحة التحرير ومن ثم أمام وزارة التعليم العالي، بالإضافة إلى الخروج كل يوم ثلاثاء أمام مكتب رئيس الوزراء كونه يوم عقد جلسات مجلس الوزراء على أمل أن نجد الحل لديهم"، مبينة أن "تنسيقية التظاهرة تحصل على الموافقة الأمنية بشأن المظاهرة في كل مرة بشكل قانوني".

يتوافد عشرات النواب إلى مقر الاعتصام دون أي خطوات ملموسة، مع وعود من طرف ممثل رئيس الوزراء دون جدوى، ما دفع المتظاهرين يوم الثلاثاء الماضي 23 أيلول/سبتمبر، إلى قطع الطريق ظهرًا، لكن قوات مكافحة الشغب لم تمهلهم طويلًا.

تؤكد الجنابي، أن بعض زملائها تعرضوا للعنف والاعتقال مع آخرين من كوادر إعلامية كانت حاضرة لتغطية الاعتصام، فيما تشير إلى أن "المعتقلين تعرضوا لاستجواب حول الجهة التي تدعمهم وأعداد المتظاهرين وأهدافهم".

يتعرض المتظاهرون غالبًا في العراق إلى "العنف المفرط" كما حدث في البصرة وساحة التحرير وصولًا إلى تظاهرات حملة الشهادات في العلاوي

يشار إلى أن التظاهرات الشعبية غالبًا ما تواجه اتهامات من قبل أطراف سياسية مختلفة، اتهامات بالولاء إلى جهة ما أو تلقي دعم خارجي، لتبرير قمعها، فيما تحظى الحراكات التي تقف وراءها أطراف سياسية بالحماية اللازمة غالبًا.

"ثقافة متجذرة".. ومطالب بـ "إصلاح" الضباط!

يقول الصحفي علي عبد الخالق، إن "هناك ثقافة متجذرة في صفوف المؤسسة العسكرية، والمعنية بالأمن الداخلي بشكل خاص مفادها أنك كلما نفذت الواجب بحرص عالي تتم مكافأتك، مفردة الحرص العالي في مواجهة التظاهرات تعني القوة المفرطة".

يضيف في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "البطش والقسوة بحق المتظاهرين يأتي بمكافأة للجندي، قد تكون على شكل إجازة أو مبلغ من المال"، مؤكدًا أن "ذلك حصل كثيرًا".

يرى عبد الخالق، أن على وزارة الداخلية "تطوير قدرات عناصر فض الشغب ضباطًا ومراتب من خلال دورات متخصصة في الدول المتقدمة التي تملك خبرة في هذا المجال، ليسهل عليها تنفيذ مهامها بشكل يحترم حقوق الإنسان وحق التظاهر والتعبير"، مؤكدًا أن "إهانة النساء المخزية في التظاهرات الأخيرة، ليست الأولى التي تهدر فيها كرامة عراقيات وعراقيين في التظاهرات، لكن على أصحاب الزي العسكري عدم نسيان آدميتهم في التعامل مع أبناء جلدتهم".

اقرأ/ي أيضًا: "فشل" وتشبث بالسلطة.. هل يطيح الجنوب الغاضب بعبد المهدي؟

إزاء ذلك، لا ينفي سعران الأعاجيبي عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية والعميد في وزارة الداخلية سابقًا، "التجاوزات والتصرفات الفردية" للضباط والمراتب في قوة مكافحة الشغب، والحاجة الفعلية إلى تكثيف حملات التوعية لعملية إدارة وضبط أمن الاحتجاج والمهارة في التعامل مع المحتجين، بوصفهم مواطنين يمتلكون حقوق وعليهم واجبات.

تتحمل قوات مكافحة الشغب حفظ وسلامات الممتلكات العامة أثناء التظاهرات ومنع دخولها من قبل المحتجين، وفق الأعاجيبي، والذي قال في حديث لـ "الترا عراق"، إن "قطع الطريق يعتبر إخلالًا في الأمن وتأثيرًا على الحريات العامة، وهو ممنوع، ما يتيح الحق للقوة بالتصرف من أجل إعادة الحركة".

يطالب مسؤولون ومراقبون بتطوير قدرات عناصر فض الشغب عبر دورات متخصصة في الدول المتقدمة ليسهل عليها تنفيذ مهامها بشكل يحترم حقوق الإنسان

يرفض الأعاجيبي، "الاعتداء على المتظاهرين" مؤكدًا استدعاء "أمر القوة التي كانت تهجمت على المتظاهرين إلى مجلس النواب وسماع أقواله بعد أن تم الاستماع  للمتظاهرين".

 

اقرأ/ي أيضًا:

أهل الميليشيات وضحاياها.. صورة من "محرقة" احتجاجات العراق

دعوات مجهولة للتظاهر و"الانقلاب" في العراق.. ماذا تعرف عن نداء (89)؟