09-نوفمبر-2021

اختلاف بالمنجز والحساب (فيسبوك)

ما بين كارثة بيروت وشاحنة الاغتيال المتفجرة عام 2005 والتي استهدفت رفيق الحريري، والطائرات المسيّرة للاغتيال أيضًا في بغداد هذه الأيام، يدور الحديث والتفاصيل عن توغل النشاط المسلح خارج إطار الدولة في لبنان والعراق، فمشهد محاولة اغتيال رئيس الحكومة العراقي مصطفى الكاظمي بقصف منزله، أعادت للذاكرة مشهد اغتيال الرئيس اللبناني رفيق الحريري قبل الانتخابات بفترة قليلة.

رأى مراقبون أن إيران لم تعد تسيطر تمامًا على التحكم بـ"القرار الميليشياوي" وتوجيه الميليشيات كلّها بطريقة مركزية

وفي الحديث عن العمليتين، لا يمكن إخفاء وجه الشبه بخيوط الجريمتين، بحسب متابعين، حيث يوجد في لبنان، حزب الله، الممثل للنفوذ الإيراني والقائم بأعمالها، فيما يعج العراق بعشرات الفصائل المسلحة التي توالي طهران مع اختلاف قياداتها ومسمياتها، وفي كلا البلدين؛ قامت تلك الجهات بتهديد الأمن والاستقرار واستهداف نشطاء وسياسيين.

اقرأ/ي أيضًا: "رويترز": جماعات مدعومة من إيران وراء محاولة اغتيال الكاظمي

واغتيل الحريري، في 14 شباط/فبراير 2005، في انفجار استخدمت فيه شاحنة تحمل 1800 كلغ من مادة "تي إن تي"، مع 21 شخصًا آخرين، بينهم وزير الاقتصاد باسل فليحان، الذي كان برفقة الحريري في سيارته، فيما ترأس رفيق الحريري حكومات لبنان لخمس دورات خلال فترتين 1992-1998، ثم 2000-2004، مقدمًا استقالته بتاريخ 20 تشرين الأول/أكتوبر 2004، لكن اغتيال الحريري، خلق أزمة سياسية في لبنان بين مختلف الأحزاب، لا سيما وأن الحادثة وقعت في فترة كانت سوريا، حليف "حزب الله"، تمارس فيها الوصاية على لبنان.

وفي 6 شباط/فبراير 2006، اتفقت الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة على تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وعدت هذه المرة الأولى التي تحاكم فيها محكمة دولية أشخاصًا لجريمة ارتكبت ضد شخص معين، لتستمر بإجراءاتها وصولًا إلى 2020 لتقوم بإصدار حكمها بإدانة المسؤول العسكري في حزب الله سليم عياش (الذي لا يزال طليقًا) بتهمة قتل الحريري عمدًا، إضافة إلى إدانته بقتل 21 آخرين ذهبوا ضحية التفجير.

وكان الحريري قد تلقى تحذيرات من الرئيس الفرنسي حينها جاك شيراك، بوجوب التزام الحذر بعد تصاعد حدة الصدام، من جانب الرئيس اللبناني، والنفوذ السوري وحزب الله الذي يعمل وفق أجندته، وهو ما يوحي بنفس السيناريو اليوم في العراق، حيث تلقى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، تهديدات مشابهة من المسؤول الأمني لـ"كتائب حزب الله في العراق"، وأمين عام حركة "عصائب أهل الحق"، قبيل وقوع عملية اغتياله الفاشلة بساعات قليلة.

وحول وجه التشابه بين اغتيال الحريري، ومحاولة وضع الكاظمي أمام نفس المصير، يرى الباحث والأكاديمي السياسي، سليم سوزة، أن "الشبه في استهداف الاثنين، هو أن الجهة التي استهدفت الكاظمي، أحرجها وضيّق عليها وعلى مشاريعها بروز سياسي ورئيس وزراء لا ينتمي إلى نمط المعادلة السياسية الشائعة التي قام عليها العمل السياسي في هذين البلدين من سنين طويلة"، لكن مع ذلك و ـ بحسب سوزة ـ ثمة فرق بين العمليتين، إذ أن "اغتيال الحريري كان قرارًا إقليميًا، ولم تقدم عليه الجهة الفاعلة إلا بعد ضوء أخضر من دولتين إقليميتين كبيرتين، سوريا وإيران، في حين وباعتقادي الشخصي، ليس ثمة قرارًا إقليميًا بتصفية الكاظمي".

ويرى سوزة، في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "إيران لم تعد تسيطر تمامًا على كل التفاصيل العراقية، وليست ذات قدرة، بعد اغتيال قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني قبل عامين تقريبًا على التحكم بالقرار الميليشياوي، وتوجيه الميليشيات كلها بطريقة مركزية، مضيفًا أنه "لدى هذه المليشيات أولوياتها المحلية التي تختلف في بعض تفاصيلها مع الأولويات الإيرانية في هذا الوقت بالذات".

وتابع أن "هذه الميليشيات تخشى خسارة نفوذها السياسي في مواقع المسؤولية العامة بعد خسارتها انتخابيًا، وهذا النفوذ هو ما يمدها بالمال اللازم لتمويل نشاطاتها، الأمر الذي جعلها تعيش حالة من الهيستيريا أفقدها توازنها وجردها من ذلك الصبر الاستراتيجي الذي زرعه فيها الإيرانيون فترة سليماني".

وبينما يؤكد الباحث أن "لدى إيران علاقاتها وتواصلها مع الأطراف السياسية الأخرى، بما فيها الكاظمي، وليس ثمة مصلحة إيرانية الآن تحديدًا من استهداف رئيس وزراء انتهت ولايته، أشار إلى أن "أغلب الظن هو كون استهداف الكاظمي حماقة ميليشياوية نتيجة حالة الاختناق والعزلة التي تعيشها الفصائل المسلحة داخل المجتمع العراقي، حماقة لم تحسب الفصائل حساب تداعياته جيدًا، فتحول الأمر بالضد منها، بل ولربما ستكون القشة التي تقصم ظهرها، أو على الأقل، ظهر فصيل مهم من فصائلها، إن أحسن الكاظمي إدارة اللعبة وأجاد توظيف الحدث لصالحه في قادم الأيام".

وعلى الرغم من ترجيحه إمكانية تحول عملية الاغتيال هذه إلى أن تؤسس لواقع سياسي جديد إن نجح الكاظمي في إدارة القضية وأحسن استغلال هذا التعاطف والدعم الشعبي للحكومة والذي يتبيّن بشكل واضح في الشارع العراقي، لكنه استدرك "لا أعتقد أن الكاظمي يريد فتح جبهة ضد الميليشيات حالياً، حتى لو امتلك ادلة قوية ضدها".

ويعلّل سوزة عدم قيام الكاظمي بفتح جبهة مع "الميليشيات" لسببين، "الأول نفسي، يتعلّق بطبيعة وشخصية الكاظمي نفسه ورؤيته للحل المناسب مع هذه الميليشيات، فهو ذو طبيعة هادئة وبسيطة، ولا يريد مواجهة عسكرية غير محسومة النتائج مع الميليشيات الآن، وكذلك يريد تفكيكها وتقويضها وتجريدها من قوتها ونفوذها دون اللجوء إلى الخيار العسكري، بل بطريقة ناعمة تبدأ من تجريدهم من مناصبهم ومواقعهم ومراكز نفوذهم داخل مؤسسات الدولة".

أما السبب الثاني، بحسب الباحث، "فهو براجماتي، حيث أن الكاظمي يفكر بولايته الثانية، ولا يريد توسيع جبهة معارضته، على الأقل الآن قبل تشكيل الحكومة القادمة، لأنه قد يحتاج إلى أصوات الكتل البرلمانية القريبة من هذه الفصائل المسلحة في حال لم ينجح الصدر بتشكيل تحالف كبير يضمه ومحمد الحلبوسي إلى جانب مسعود بارزاني".

وبناءً على ما ذكر، يعتقد الأكاديمي، أن "حدث محاولة الاغتيال هذا سينتهي باعتقال مجموعة ميليشياوية معينة دون ذكر فصيلها السياسي ودون الذهاب بعيدًا في تدويل القضية أو استثمارها لصناعة لحظة تشبه لحظة 14 آذار/مارس في لبنان بعد اغتيال الحريري".

وقال الكاظمي إنه "يعرف من استهدفه وسيصل اليهم، كما ستصل يد العدالة الى مغتالي العقيد نبراس فرمان"، وذلك بعد قيام المنصات المقربة من الفصائل بالتذكير بحادثة اغتيال فرمان وعدد من الضباط في إشارة تهديد إلى ضباط آخرين على خلفية أحداث العنف التي شهدتها اعتصامات الخاسرين قرب بوابة الجسر المعلق. 

بالمقابل، يرى الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، أمين بشير، أن "محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، أعاد لذاكرة الشعب اللبناني مشهد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، خاصة أن الدولتين تتوغل فيها أذرع إيران وتشكل تأثيرًا كبيرًا، مؤكدًا أن "المفارقة باغتيال الحريري، أنه سبق التحضيرات للانتخابات التي كان يعتزم دخولها كمعارضة للاحتلال السوري المتعاون مع حزب الله".

ويقول بشير، في حديث لـ"الترا عراق" أن "نتائج التحقيقات باغتيال الحريري اثبتت أن عملية الاغتيال كانت الحل الوحيد أمام منعه من تحقيق نتيجة ساحقة بنجاحه في الانتخابات وتنفيذ مشروعه الذي كان سيضر كثيرًا بالجهات المضادّة له وخاصّة سلاح حزب الله، مضيفًا أن "قرارات المحكمة الدولية بيّنت أن تصفية الحريري لكونه كان سيقف بوجه مخطط تفتيت الدولة الذي يقوده محور السلاح في لبنان، وهذا بالضبط ما يحصل في العراق، مبينًا أن "الفصائل المسلحة كانت تعتقد بأنها مسيطرة وستنجح في الانتخابات، مستدركًا "لكنها فشلت بجميع أحزابها المشاركة في العملية السياسية ولهذا نظروا إلى أن الكاظمي يقف حجر عثرة أمام تغيير النتائج التي أثبتت خسارتهم الكبيرة عكس السنوات السابقة".

ويرى المحلل اللبناني، أن "الشعب العراقي قال كلمته وسحب البساط من تحت أقدام الفصائل المسلحة التابعة لإيران، لذلك تجدها حاولت تدارك الأمر بفعلتها الأخيرة وتنفيذ محاولة الاغتيال للكاظمي لتبديد قوته ومشروعه الذي سيقضي عليهم تدريجيًا، لافتًا إلى أن "إيران وأذرعها في العراق، وجدوا أنفسهم قد تحاصروا في زاوية ما، بلا حلول لتنفيذ أجندتهم وهذا دفعهم للحل الأسرع المتمثل بالاغتيالات والعمليات الإرهابية".

يرى محلّل سياسي لبناني أن محاولة اغتيال الكاظمي أعادت للبنانيين مشهد اغتيال الرئيس رفيق الحريري خاصة مع توغل إيران في البلدين

وأشار أمين إلى أن "الأوضاع في لبنان اليوم تترقب التصعيد القائم من قبل محور إيران في المنطقة، وانعكاساته على الأوضاع في الداخل اللبناني خاصة مع قرب الانتخابات والتخطيط أيضًا لإزاحة قوى السلاح، وبناءً على هذا يجب أن تقوم الحكومة العراقية بالتحقيق بجدية لكشف الجهات المنفذة للهجوم على منزل الكاظمي وفضحها للرأي العام، محذرًا بالوقت نفسه من "ضرورة رفض العراق لأي محاولة إيرانية للتدخل بالتحقيق بمحاولة اغتيال الكاظمي، كما رفضت لبنان ذلك من قبل في قضية الحريري، لكون إيران ستعمل على تضليل النتائج وإبعاد الشبهات المحتملة الإثبات على أحد أجنحتها المسلحة في العراق".

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

بصمات "الكتائب" و"العصائب".. قائمة تهديدات طويلة سبقت محاولة اغتيال الكاظمي

التفاصيل الكاملة لمحاولة اغتيال رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي