30-نوفمبر-2020

قال متظاهرون إن أنصار التيار الصدري فتحوا نار أسلحتهم على محتجي الحبوبي (Getty)

شكلًا آخر من أشكال الصراع والهيمنة على الشارع ممزوج بالدماء والقتلى والجرحى، شهدته مدينة الناصرية التي اعتادت سفك دماء شبابها، خاصةً وأن الحادثة الجديدة تزامنت مع ذكرى مجزرة ارتكبت العام الماضي في المكان ذاته، وكانت العامل الأقوى في الإطاحة برئيس مجلس الوزراء السابق عادل عبد المهدي.

الأمر الذي أثار استغراب مراقبين هو تفرّج الحكومة التي تدعي انحيازها لحراك تشرين على صِدامات واعتداءات بالأسلحة النارية استهدفت متظاهري الناصرية

في سيناريو مشابه لأحداث النجف في شباط/فبراير 2020، اندلعت اشتباكات بين محتجي ساحة الحبوبي المتواجدين في أماكنهم المعتادة، وأنصار التيار الصدري الذين نظموا تظاهرةً في عموم محافظات الوسط والجنوب، استخدم الرصاص الحي، وقال متظاهرون إن أنصار التيار فتحوا نار أسلحتهم على محتجي الحبوبي؛ وتبع ذلك إزالة الخيام بواسطة جرافات "شفل" وقد علّق المقرب من زعيم التيار الصدري (صالح محمد العراقي) على الحادثة بإشادة وتبنٍ واضح، قبل عودة المحتجين في اليوم التالي مجددًا إلى ساحاتهم.

اقرأ/ي أيضًا: الرصاص "غير الحكومي" يطال المتظاهرين مجددًا في ذي قار

مع تأكيدات ناشطي ساحة الحبوبي بأن التيار الصدري هو الطرف الذي أطلق النار على المتظاهرين، إلا أن الطرف الآخر يشير إلى وجود سلاح في المخيمات، ويقول النائب عن تحالف سائرون محمود الزجراوي إن "(الجوكر) هو من أطلق النار على المصلين خلال صلاة الجمعة وكانت ضحيتها أمرأة و4 شهداء وجرح عدد من الأطفال".

وطالب الزجراوي في تصريح لوكالة روسية برفع الخيم من ساحة الحبوبي "لأن السلاح ظهر من هذه المخيمات ومن سيارات داخل الساحة وهي سابقة خطيرة وعلى الحكومة معالجتها فورًا وإلا ستدخل البلاد في أزمة جديدة".

رغم أن حادثة النجف كانت الأولى من نوعها بين المتظاهرين والصدريين، لكنها أخذت مداها الطبيعي بين الطرفين دون المزيد من الإشارات إلى الحكومة ورئيسها عبد المهدي، الذي كان قد استقال قبل ما يزيد عن شهرين من تاريخ الحادثة التي ارتكبتها قوات حكومية تحت أمرة الفريق جميل الشمري كما أُشيع، وبعد ذلك، مجزرة المجاميع المسلحة في ساحة الخلاني، في ظل صراع تسليم السلطة وشخص من يتسلمها آنذاك.

ميليشيا في غرفة السلطة

الحادثةُ الجديدة تمت في عهد حكومة جديدة تدعي انحيازها لحراك تشرين، والأمر الذي أثار استغراب مراقبين هو تفرّج هذه الحكومة وقواتها الرسمية على صِدامات واعتداءات بالأسلحة النارية وسقوط المزيد من القتلى والجرحى دون أية خطوة.

يلّخص الكاتب سليم سوزة ذلك بالقول: "إذا كان عبد المهدي قد أدخل الميليشيات الولائية إلى باحة السلطة، فقد أدخل الكاظمي بالمقابل ميليشيات الصدر إلى غرف نوم هذه السلطة"، وتابع: "الاستقواء بطرف (أو السكوت عنه) في مواجهة طرف ثاني هو نموذج آخر من اللعب على تناقضات المشهد العراقي، وهو أمر لن ينجح أبدًا لأنه، ببساطة شديدة، نفس اللعب الذي أسقط رؤساء وزراء سابقين، ونفس السيناريو الممل الذي يقايض الاستقرار النهائي بتوازن القوى المرحلي".

بعد ثلاثة أيام من الحادث، أعلنت خلية الإعلام الأمني بدء قيادة عمليات سومر بتنفيذ خطة انتشار أمني  في مدينة الناصرية بعد وصول التعزيزات الأمنية لفرض القانون وتعزيز الأمن  وحماية المواطنين والمصالح العامة والخاصة".

قال مصدر مطلّع لـ"ألترا عراق" إن "الإجراءات الجديدة هي عبارة عن نشر ثلاثة أطواق من القوات الأمنية المتمثلة بالجيش والشرطة المحلية حول ساحة الحبوبي"، مبينًا أن "الطوق الأول يحمل الهراوات فحسب، والثاني والثالث يحمل السلاح"، بعد أن أكدت السلطات الأمنية والكاظمي نفسه على عدم حمل السلاح من قبل القوات الأمنية التي تتواجد في أماكن الاحتكاك مع المتظاهرين في عموم المحافظات.

قبل ذلك بيوم، أصدرت الحكومة قرارًا بإقالة قائد شرطة محافظة ذي قار السابق، وشكّلت لجنة أمنية برئاسة مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي ورئيس جهاز الأمن الوطني عبد الغني الأسدي، زارت المحافظة وتعهدت للمتظاهرين بحمياتهم.

صمت حكومي

حتى كتابة هذه السطور، لم يَصدر تعليقًا من جهاز أمني أو سلطة تنفيذية على أحداث الناصرية، من حيث الجهة التي بدأت بالاشتباك والتي أطلقت النار وأعداد القتلى والمصابين وإن كانت هناك اعتقالات، كما لم يَصدر أي توضيح حول غياب الأجهزة الأمنية عن منطقة الاشتباك.

وصف الكاتب والباحث السياسي أياد العنبر، عدم صدور تعليقات من الوزراء الأمنيين بـ"الاستهتار بالدم"، مشيرًا إلى أن "الكاظمي لا يمتلك الإرادة والقرار الشجاع لاستعادة أمن البلد لو توفرت له أقوى الجيوش".

في ذات السياق، يقول سليم سوزة إن العراق "أمام طبقة سياسية جبانة وليس خائفة لأنني أفرّق بين الخوف والجبن، فالأولى طبيعة بشرية، نخاف عندما نصادف أسدًا، لكن الثانية صناعة، بمعنى صنعنا جبننا لأننا نعتقد أن هناك أسدًا"، وهو الخوف الذي ينتاب فريق الكاظمي بحسب سوزة.

ويرى سوزة أن "حكومة بعسكر وقوى أمنية وشرطة وجيش جرار من الجنود، عاجزة عن مواجهة عصابة سلاح منفلت، فيما ناشطون مدنيون عزّل، بلا سلاح ولا حماية ولا ميليشيا تحميهم، أبهرونا بشجاعتهم وهم يواجهون آلة القتل العنيفة من شهور".

مصير عبد المهدي

كانت الكتل السياسية متخوفة مع مجيء الكاظمي، لكنها الآن لا تخشاه، كما يعتقد الباحث أياد العنبر، وقد بدأت بتوجيه النقد إليه من الجميع، التيار الصدري الذي يدعمه، والكتل الكردستانية، وبذلك فأنه فقد الإجماع السياسي الذي حصل عليه.

يؤكد الباحث سليم سوزة أن إسقاط حكومة الكاظمي أصبحت ضرورة كي لا تبقى الوسيط الذي يوفر غطاءً سياسيًا لعملية سياسية ميليشياوية

ما حدث في الناصرية، عدّه العنبر "محاولة لإنهاء آخر مظاهر الاحتجاج، حيث أن الناصرية بقيت الوحيدة خارج إرادة ونفوذ القوى السياسية، وهي خاصرة رخوة لنفوذ تلك القوى في هذه المدينة".

اقرأ/ي أيضًا: الكاظمي يكلف 5 شخصيات بإدارة ذي قار.. ووصول قوات عسكرية

يقول العنبر لـ"ألترا عراق" إن "رهان الكاظمي على القوى السياسية سيضعه في موقف عبد المهدي، وإنه فشل في الاقتصاد والأمن وتأمين الرواتب وحماية المتظاهرين، ومن الأفضل له أن يتنحى إذا لم يستطع فرض سلطة الدولة على قوى اللا دولة".

يذهب سليم سوزة إلى أبعد من ذلك ويؤكد أن "إسقاط حكومة الكاظمي أصبحت ضرورة كي لا تبقى الوسيط الذي يوفر غطاءً سياسيًا لعملية سياسية ميليشياوية تصنع مصيرها عصي الحنانة وكواتم جماعات الله المتناسلة يوميًا".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

مقتدى الصدر يهدد.. ويشكر أنصاره بعد "حمام الدم" في الناصرية

رئيس الهيئة السياسية للتيار الصدري في القصر الجمهوري