21-مايو-2022
مظفر النواب

الفاشلون سواسية في مقاييس المواطن/المحتج (فيسبوك)

لا أذكر، خلال سنوات التواجد في مواقع التواصل الاجتماعي، وخارجه، رجلًا أو امرأة احتفى به/ا العراقيون بالطريقة التي كانت بعد وفاة الشاعر مظفر النواب.

وجود الكاظمي في مراسم تشييع مظفر النواب حوّلها إلى تظاهرة غاضبة، هتف فيها المشيعون ضد الفساد، والسياسيين، وألقوا ما بأرجلهم على موكب الرئاسة

حتى أن نجمًا كرويًا لامعًا في سماء العراق والعالم مثل الكابتن أحمد راضي - الذي رحل عن عالمنا بشكل مفاجئ وفي وقت استثنائي متأثرًا بمضاعفات الإصابة بفيروس كورونا - نالت منه المحاصصة الطائفية، وناله شيء من المرض الطائفي رغم الشعبية الكبيرة التي يحظى بها، على خلفية ترشحه لمجلس النواب عن قائمة التوافق آنذاك.

لا جديد في الحديث عن سيرة الشاعر النواب، المناضل في شعره، المحافظ على مبادئه من القضايا العربية، وتحديدًا الصراع مع إسرائيل والاستبداد العربي. لكن الحديث يتجدد بعد رحيله.

لقد ضجّت مواقع التواصل بصور النواب والكلمات الحزينة حال انتشار خبر وفاته. اجتمعت فئات الشعب وطوائفه وحتى تياراته السياسية على نعي النواب، واستذكار قصائده الجميلة منها والثورية، حتى تكاد لا ترى نقدًا أو انتقادًا لشخصه أو لشعره، في مشهد غير مألوف في العراق خصوصًا بعد انقسامه طائفيًا بكل مفاصل الحياة.

تزامن، وفاة وتشييع النواب بعد ساعات من افتتاح نوري المالكي - أحد أكبر المتسببين بالمآسي العراقية والاحتقان الطائفي – لمعرض بغداد الدولي، وسط انتقادات لاذعة لمنظمي المعرض، تحولت إلى حملة لمقاطعته.

ورغم أن كارهي المالكي لا يُحسبون على طائفة، فقد حاول البعض إدخال المحاصصة في الحملة، وتوجيه تساؤلات ملغومة للداعين إلى مقاطعة المعرض، من قبيل: ماذا لو كان فلان هو من افتتحه؟

الفاشلون سواسية في مقاييس المواطن/المحتج الذي وُلِد في انتفاضة تشرين، وإنْ كانت بعض الفروق

ورغم أن مصطفى الكاظمي، رئيس الحكومة الحالي، لم يرتكب أخطاءً يُمكن مقارنتها بالمالكي؛ لكن وجوده في مراسم تشييع مظفر النواب حوّلها إلى تظاهرة غاضبة، هتف فيها المشيعون ضد الفساد، والسياسيين، وألقوا ما بأرجلهم على موكب الرئاسة.

كان هتاف الشباب الغاضب ردًا حازمًا على من يُحاول إقحام المحاصصة في كل موقف وطني. فالفاشلون سواسية في مقاييس المواطن/المحتج الذي وُلِد في انتفاضة تشرين، وإنْ كانت بعض الفروق.

لقد نشأت في عراق ما بعد 2003 وتغلغلت مفاهيم المحاصصة الطائفية، حتى باتت تسيطر على أذهان مواطنين دون دراية منهم. الخطاب المستمر في أدبيات السياسة العراقية وحوارات وسائل الإعلام والمقاهي والتجمعات الثقافية صار مهيمنًا على مفردات الناس وطرق تفكيرهم. واللغة أداة التفكير.

في مشهد مرادف للنائبة التي طالبت بمحاصصة القتلى لدى الشيعة والسُنة بالتساوي شرطًا لتساوي النفوذ وتوزيع المناصب، يخطأ مدونون وكتاب وصحفيون (ليسوا طائفيين في توجههم) تحميل كل موقف أسئلة لا معنى لها، تبدأ بـ"ماذا لو؟".. فماذا لو كان فلان سُنيًا وليس شيعيًا؟ وماذا لو كان الحدث في منطقة شيعية وليست سُنية؟ وماذا لو كان المتحدث كرديًا وليس عربيًا؟

تكون الأسئلة الاستفهامية/ الاستنكارية في الوقت ذاته، في بعض الأحيان، ذات قيمة لناحية هدفها الوطني، حين تحاول محاربة الطائفية وفضحها بالمقارنة المتخيلة للأحداث، وباستعمال مفردات الطائفية ذاتها.

 يريد المستفيدون من النظام والموهومون بالفطنة على حد سواء، كلٌ لأسبابه، تحاصص حتى المواقف الوطنية

تلك الأسئلة إنْ أصبحت سلوكًا غير واعٍ يسيطر على الذهن ويُمارس في صورة معكوسة لنظام المحاصصة من أعلى إلى أسفل، سيكون مرضًا واجب الاستئصال عبر كل الوسائل الخطابية والمواقف العملية.

 يريد المستفيدون من النظام والموهومون بالفطنة على حد سواء، كلٌ لأسبابه، تحاصص حتى المواقف الوطنية، وطرح الأسئلة التشكيكية حولها، لمنع أي مخيال وطني يجمع الناس في هوية واحدة ذات حمولة عاطفية، كما حصل حتى في تظاهرات تشرين.

المحاصصاتيون، الذين يطرحون الأسئلة التي تستدعي مفاهيم النظام حتى في الحفلات والمناسبات والوفيات والأحداث والقضايا التي تشغل الرأي العام، لم يتمكنوا من طرحها في وفاة مظفر النواب؛ لكن النواب هتف مع الشباب في نعشه ضد الفساد والطائفية والتبعية شرقًا وغربًا. وأي وداعٍ أعظم لشاعر مناضل لم يساوم على قضاياه؟