في توقيت حساس، أعلنت حكومة عادل عبدالمهدي إبرام اتفاقية مع الصين، لتثير الكثير من الجدل والخلافات، وسط انقسام في الأوساط السياسية والشعبية بين رافض للاتفاقية جملةً وتفصيلًا دون انتظار معرفة بنودها من منطلق عدم الثقة بالحكومة، ومؤيد لها لعدة أسباب أبرزها رغبته في دخول العراق إلى محور بعيد عن الجانب الأمريكي.
يلف الغموض الاتفاق بين حكومة عادل عبدالمهدي والصين فيما تصر الحكومة على عدم الإفصاح عن تفاصيل الاتفاقية حتى الآن
نهاية شهر أيلول/سبتمبر من العام الماضي وقّع العراق 8 اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع الصين، وذكر رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في حينها أن "العلاقات العراقية الصينية تمر بأفضل حالاتها، ووصف الاقتصاد الصيني بـ "مفخرة الشرق والشعوب النامية"، دون الحديث عن مضامين الاتفاقيات المالية والزمنية وتفاصيلها الأخرى.
اتفاقية مفيدة.. بشرط!
يقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني في حديث لـ "ألترا عراق"، إن "ما أبرم بين بغداد وبكين ليس اتفاقية بالمعنى المتعارف عليه لهذا المصطلح، لكنها مذكرة تفاهم لم تفصح الحكومة عن أي بند من بنودها لغاية الآن، فهي خالية من أي جدول لكل المستلزمات المطلوبة من جهة البلدين، كما لم يتم تحديد المشاريع التي سيتم العمل عليها وغيرها من التفاصيل الواجب توفرها في الاتفاقيات".
اقرأ/ي أيضًا: قلق عراقي من "غضب" ترامب.. نفط مهدّد وخوف من انهيار اقتصادي
ويشرح الخبير، أن "الاتفاقية طويلة الأجل تمتد لعشر سنوات، يوفر الجانب الصيني في كل عام منها 10 مليارات دولار لبناء مشاريع وفق طلب العراق، مقابل أن يودع الجانب العراقي قيمة 100 ألف برميل نفط يوميًا أي ما يعادل 2 مليار دولار تقريبًا في السنة الواحدة وفق أسعار النفط الحالية، ما يعني حصول العراق على 8 مليارات دولار سنويًا كقروض يسددها مع قيمة فوائد سنوية للجانب الصيني".
ويشير المشهداني، إلى أن "المشاريع المطلوبة من قبل العراق يجب أن يتم تخطيطها بشكل جيد، لتأتي الشركات الصينية وتبدأ بالعمل بشكل مباشر دون تأخير، لأن الفوائد تُسجل على العراق منذ لحظة المباشرة وأي تأخير في التخطيط يتحمله العراق فقط"، مشيرًا إلى أن "الفائدة ستنعكس على العراق من هذه الاتفاقية في حال كانت المشاريع التي سيتم انجازها مشاريع إنتاجية، لتسديد الديون والفوائد من الإيرادات المتحققة من هذه المشاريع".
"استماتة شيعية.."
ولغاية اللحظة لم تكشف الحكومة العراقية سبب اخفاء تفاصيل مذكرات التفاهم تلك، وبقي الحديث عنها يقتصر على أعضاء مجلس النواب، كلٌ حسب كتلته وميوله، حيث دافع جملة من النواب المنضوين ضمن كتل شعية عن الاتفاقية، مع التحذير من إلغائها.
يقول خبير اقتصادي إن الاتفاقية هي مذكرات تفاهم للحصول على قروض صينية على شكل مشاريع على مدى 10 سنوات تسدد مع الفوائد من النفط العراقي
ويقول رائد فهمي، عضو الحزب الشيوعي العراقي والنائب عن تحالف سائرون، إن "الاتفاقية العراقية الصينية وتوقيتها لا يخلو من البعد السياسي، وأن المناكفات الحاصلة بين السياسيين غير سليمة فالجميع لا يعلم لغاية الآن شيئًا عن تلك الاتفاقية، وجميع الآراء المطروحة مبنية على مواقف مسبقة".
ويضيف، أن "التعاون مع دولة كبيرة كالصين جيد بحد ذاته، ولكن الانغلاق بالتعامل مع دولة واحدة لن ينعكس بشكل إيجابي على العراق، فيجب وضع مصلحة البلاد أولًا وتنظيم الاتفاقيات على هذا الأساس"، لافتًا إلى أن "الاتفاقية لن تدخل حيّز التنفيذ دون طرحها على مجلس النواب وموافقة غالبية أعضائه".
"رهن" النفط لـ 50 عامًا!
قيادات ونواب عن المكون السني من جانبهم أعلنوا رفضهم للاتفاقية، حيث وصفها رئيس حزب الحل جمال الكربولي بـ "الاحتلال الثالث"، عادًا إياها "خطة إنقاذ اقتصادية وضعتها دولة مجاورة وفرضتها على الحكومة العراقية من أجل تمويل اقتصاد تلك الدولة من المال العراقي بالباطن"، في إشارة إلى التفسير الذي أشار إلى أن الاتفاقية قد تكون محاولة إنقاذ للاقتصاد الإيراني تضمن تمرير نفط طهران إلى الصين.
فيما قال عضو لجنة النفط والطاقة النيابية هيبت الحلبوسي إن الاتفاقية "ستعرض اقتصاد العراق ومستقبل أجياله القادمة للخطر"، موضحًا أن "الاتفاقية تتضمن إقراض الصين الحكومة العراقية أكثر من مئات المليارات من الدولارات على شرط ضمان ورهن النفط العراقي لمدة 50 عامًا القادمة لتسديد القرض مع الفوائد المترتبة عليه".
اقرأ/ي أيضًا: مستشار عبدالمهدي يشرح: هذا ما سيحدث إذا فرضت واشنطن الحصار على العراق
على المستوى الخارجي، أيدت طهران بمواقف متعددة الاتفاقية العراقية الصينية، كما قال زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله إن "الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت حربها على العراق لانه تعاون مع الصين وجرى الاتفاق على بنائه بمليارات الدولارات مقابل النفط فقط".
"جملة الإنقاذ"!
على المستوى القانوني، قال الخبير طارق حرب، إن "الاتفاق مع الصين لا يحتاج إلى موافقة البرلمان"، لكنه عد الاتفاق "اعتداءً من حكومة عبدالمهدي على الحكومات والبرلمانات القادمة".
تستميت الأطراف الشيعية في الدفاع عن الاتفاقية على الرغم من عدم معرفة تفاصيلها مقابل تحذيرات سنية من تمريرها باعتبارها "مشروعًا لإنقاذ إيران"
وأضاف حرب، أن "ما حدث يعتبر دكتاتورية قانونية فرضتها حكومة عبدالمهدي على الحكومات والبرلمانات القادمة على مدى 10 سنوات، وهو ما لا يجوز دستوريًا ووطنيًا، فقد تتغير الأحوال"، مستغربًا عدم الاعتماد على كوريا الجنوبية بدلًا من الصين بالاستناد إلى رصانة الشركات الكورية وابتعاد سول عن الحروب الاقتصادية.
كما أوضح الخبير القانوني، أن "الحكومة كان عليها أن تكتب في نهاية اتفاقيتها مع الصين عبارة تنقذ العراق من التعويضات في حال انسحبت الحكومات والبرلمانات الجديدة من الاتفاق، وتضمن حقوق العراق وهي: (لكل طرف في هذا الاتفاق الانسحاب منه دون أن يترتب على الانسحاب أية تعويضات للطرف الآخر)، وهذا الحكم يضمن حق العراق حاليًا ومستقبلاً"، على حد تعبيره.
اقرأ/ي أيضًا:
أسباب "كارثة" موازنة 2020.. هل ستؤثر على رواتب موظفي الدولة؟
"شرعنة المليارات المسروقة".. القصّة الكاملة لغسيل الأموال في العراق