ألترا عراق ـ فريق التحرير
لم يفرغ الحراك الشعبي الغاضب الممتد منذ تشرين وحتى اللحظة في العراق، من الأشكال الاحتجاجية المختلفة، ولم يتوقف عن تصدير مظاهر متجدّدة بين الحين والآخر، حتى تبلورت ظاهرة جديدة ويراها البعض "فعّالة جدًا" متمثلةً بقضية بروز "أمهات الضحايا" في المطالبة بالكشف عن قتلة المتظاهرين وتقديمهم إلى القضاء.
برزت ظاهرة أمهات الضحايا بعد حراك تشرين وأقدمن على أفعال مختلفة في الإعلام والشارع العراقي ضد السلطات "المتباطئة" عن كشف قتلة المتظاهرين
وكما غيرها من القضايا المختلفة التي تمتع بها حراك تشرين وتميز عن باقي الاحتجاجات طوال سنوات ما بعد 2003، انفرد الآن بتصدي أمهات الضحايا لقضايا المطالبة بالكشف عن قتلة أبنائهن، وأخذن على عاتقهن الاستمرار برفع صوت المطالبة بدمائهم وتوجيه الاتهامات للجهات السياسية والتكتلات المسلحة دون خوف يتملك ذوي الضحايا عادةً خوفًا من التصفية وغيرها من مسائل التهديد والتخويف، كما حصل عدة مرات.
اقرأ/ي أيضًا: مشاهد من حراك أم إيهاب الوزني.. ظهيرة واحدة لخصت الحالة الاحتجاجية في العراق
برزت أسماء عديدة في محافظات مختلفة من العراق، وأقدمن أمهات الضحايا على أفعال مختلفة في الإعلام والشارع العراقي ضد السلطات "المتباطئة" بحسب رأيهن عن كشف قتلة المتظاهرين وتوجيه الاتهامات بشكل غير مسبوق تجاه أسماء سياسية وحزبيّة وجماعات دينية ضخمة، مثل التيار الصدري وفصائل مرتبطة بالحشد الشعبي، ومن بين تلك الأسماء، والدة مهند القيسي الذي سقط قتيلًا في أحداث ساحة الصدرين بمحافظة النجف، بعد مصادمات بين متظاهرين ومسلحين من التيار الصدري واقتحام الساحة واحتراق الخيم، فيما استمرت والدة القيسي بالخروج إلى الإعلام بشكل مستمر والقيام بنشاطات مختلفة من منزلها أو الشارع، مطالبة بدم ابنها، متهمة التيار الصدري ومقتدى الصدر بالسكوت عن قاتلي ولدها من مسلحي التيار في ساحة الصدرين.
وبالإضافة إلى ذلك، ظهرت في ميسان والدة الناشط الضحية عبد القدوس قاسم، الذي قضى باغتياله من قبل مسلحين مجهولين، حيث خاضت والدته المسنّة نشاطات مختلفة مطالبة بدم ابنها وتبنيها قضيّة تشرين التي خرجت في مقطع فيديو مصوّرة، وهي تصفها بـ"الثورة" قرب قبر ولدها، وتستذكر أسماء لضحايا آخرين وهم كل من صفاء السراي وأمجد الدهامات.
حراك غير مسبوق: السلطة القضائية.. الضلع الثالث
ومؤخرًا، برز "حراك الأمهات" بشكل أكثر إصرارًا وتطورًا وهذه المرة في محافظة كربلاء على يد والدة الضحية الناشط المعروف إيهاب الوزني، والذي اتهم باغتياله آمر لواء الطفوف في الحشد الشعبي قاسم مصلح، وهو الاسم الذي تصر عليه والدة الوزني، والذي أطلق سراحه بعد أيام من اعتقاله بتهمة 4 إرهاب لـ"عدم كفاية الأدلة"، بحسب السلطة القضائية.
وقادت والدة الوزني هذه المرة حراكًا يستهدف القضاء العراقي، وهو حراك قد يكون فريدًا من نوعه، فعادةً يستهدف الحراك في العراق السلطات التنفيذية والتشريعية، ولم يحدث أن يحصل اعتصامًا أمام السلطة القضائية كما فعلت والدة الوزني عندما حاولت لأكثر من مرة نصب خيمة اعتصام أمام محكمة كربلاء، إلا أن العناصر الأمنية منعتها وأحيانًا استخدمت القوة، الأمر الذي شجع باقي عوائل الضحايا في مختلف المحافظات للإقدام على خطوات مشابهة، مطالبين بالتحقق من المراحل التي وصلت إليها قضايا التحقيق في اغتيال ومقتل أبنائهم، ومن بين المتضامنين والدة الناشط عبد القدوس قاسم وأمجد الدهامات، فيما لم يمنع الموت والدة الضحية الأبرز في تشرين صفاء السراي، من الحضور في حراك "تضامن الأمهات" حيث أعلن شقيق السراي التضامن نيابة عن والدته المتوفاة، ثنوة.
مصارحة بلاسخارت: اتهامات بتقاضي الرشوة
وعلى خلفية المشاهدات التي رافقت حراك والدة الوزني في كربلاء، والمشاهد التي انتشرت عن قيام والدة الوزني المرأة المسنّة باللحاق بعجلات تابعة لبعثة الأمم المتحدة، ومحاولة الشكوى لديهم بخصوص قضية عدم محاسبة قتلة ولدها والتجاهل الذي لاقته من عجلات البعثة، زارت مبعوثة الأمم المتحدة جينين بلاسخارت منزل الوزني والتقت بوالدته، قبل أن تتعرّض لانتقاد شديد اللهجة من قبل شقيق ووالدة الوزني عن ضعف دور البعثة واكتفائها "بالاستنكار والتعبير عن القلق"، فيما تمّت مصارحتها ولأول مرّة بالاتهامات التي تدور في أوساط الناشطين والمحتجين بأن بلاسخارت "تتقاضى رشاوى وأموالًا من قبل السلطات والفصائل المسلحة للتغاضي عن نشاطاتهم في البلاد".
ما فوائد "حراك الأمهات"؟
ويظهر بشكل جلّي، الأبعاد المتجددة والفوائد العديدة من "حراك الأمهات" كامتداد جديد لحراك تشرين، ويتمثل ـ وفقًا لناشطين ـ بقضيتين، وتتعلق القضيّة الأولى، بالإصرار غير المسبوق والمستمر على المطالبة بـ"القصاص" في قضية تتعلّق باغتيال ناشط، ومن قبل ذوي الحق الشخصي مباشرة، الأمر الذي قد يضمن نوعًا ما عدم ركن القضية وغلقها ونسيانها كما حدث مع جميع الملفات المتعلقة بالاغتيال في العراق، بحسب ناشط رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلق بأمنه الشخصي، والذي يؤكد أن "هذا الإصرار مدفوعًا بمشاعر الأم التي لا تبرد ولا تيأس أو يصيبها الملل، فيما لو قورن الأمر مع حجم القضية وهو دماء ابنها، الأمر الذي قد لا يتوفر فيما لو كان المتصدي لقضية المطالبة من الرجال، لأن حراكهم سيكون مهددًا بالقتل ويقيّد حركتهم بالإضافة إلى وصول الرجال إلى مرحلة التحول للانشغال بحياتهم اليومية في نقطة ما والشعور باليأس من المطالبة المستمرة".
وبحسب الناشط، تتمثل فائدة وتميز "حراك الأمهات"، بقضيّة ثانية، بأن "تصدي النساء الأمهات للمطالبة بدم أبنائهن، يجعل المعسكر المقرب من السلطات والمسلحين أمام معضلة اخلاقية، فأي مهاجمة لها عبر سردياتهم المعتادة من قبيل العمالة أو إضفاء صبغة سياسية لتحركاتهن، ستكون غير مجدية، كما يحدث مع الرجال أو النشطاء، فضلًا عن كون أن أي تهجّم على الأمهات سيوقع المعتدين في حقل مخزٍ اجتماعيًا، وذلك من باب التعدي على امرأة وهو فعل منبوذ في مجتمع كالمجتمع العراقي، ومع ذلك، هاجمت بعض الجهات الأمهات كما حدث مع والدة مهند القيسي، وكذلك أم إيهاب الوزني من بينها الشيخ المعمم فلاح القريشي".
اقرأ/ي أيضًا:
"اعتداء" وقوات ملثمة.. خيمة أم إيهاب الوزني "تقضّ مضجع" النظام