16-سبتمبر-2019

"الكريستال" هو أخطر الأنواع المستخدمة في العراق، والأكثر شعبية (فيسبوك)

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تقريرًا عن ظاهرة انتشار المخدرات في العراق، خاصة البصرة، ولأنها مشكلة جديدة إلى حد كبير في العراق، لا يبدو أن قادة المجتمع أو المسؤولين الحكوميين على استعداد للتعامل معها، بالإضافة إلى غياب مراكز التأهيل والتي من الممكن أن يسجن الكثير من المدمنين ثم يعودون للمخدرات لغياب الخطوات الجذرية للقضاء على هذه الآفة.

"ألترا عراق" ترجم التقرير عن الصحيفة الأمريكية، ننقله لكم دون تصرّف في السطور أدناه:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في محافظة البصرة، باع حسين كريم سياراته الثلاث، وباع الأرض التي كان يخطّط فيها لبناء منزل، وخسر كل أمواله بسبب إدمانه المخدرات. كريم، أحد الآلاف من مدمني "الكريستال" في العراق، البلد الذي كانت تعتبر فيه مشاكل المخدرات نادرة، لكن الإدمان المتزايد أحدث دليل على كيفية تلاشي النظام الاجتماعي في السنوات التي تلت الغزو الأمريكي عام 2003.

الآلاف من الشباب العراقي أصبحوا مدمنين على "الكريستال" بالوقت الذي لا توجد خطوات حكومية لمنع تهريبها أو مراكز لتأهيل الشباب المدمن

يبلغ كريم من العمر23 عامًا، يعيش الآن في غرفة بلا نوافذ مع زوجته وأطفاله الثلاثة وشقيقه ذي الاحتياجات الخاصة. يقول وهو يضع ابنته البالغة من العمر عامين في حضنه، ويميل ابنه البالغ من العمر 6 سنوات إلى الوقوف أمامه: "إذا كانت الكريستال أمامك، فعليك أن تأخذه"، هكذا هي البداية. 

لم يتعاط كريم المخدرات منذ أكثر من عامين، ويتجنب أي شخص من الممكن أن يرجعه إلى تعاطيها، وهو لا يريد أن يتواصل بأي شخص من حياته القديمة لأنه يخشى أن يتم سجنه أو إرجاعه إلى تعاطي "الكريستال".

اقرأ/ي أيضًا: من الترانزيت إلى الاستهلاك.. المخدّرات تتسلّل إلى حقائب طالبات العراق

في العام الماضي أُدين 1400 شخص، معظمهم من الرجال تقريبًا في محافظة البصرة، المحافظة التي تعاني من أسوأ مشاكل المخدرات، بحيازة أو بيع المخدرات، ومعظم المواد كانت من "الميثيل البلوري".

 ويوجد أكثر من 6.800 في السجون على مستوى البلاد، وهذا يستثني مناطق إقليم كردستان، التي تمثل حوالي خمس سكان العراق، وفقًا للمجلس الأعلى للقضاء العراقي. ومع ذلك، فإن هذا العدد صغير نسبيًا بالنسبة لبلد يبلغ عدد سكانه حوالي 39 مليون نسمة.

حتى قبل حوالي سبع سنوات، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، كان العراق في الأساس بلد عبور وتهريب للمخدرات، مما يعني أن معظم المخدرات مرت في طريقها عبر العراق إلى بلدان أخرى.

 تبدأ زراعة  المخدرات في مزارع خاصة، ويتم  تصنيعها في المختبرات ضمن شروط خاصة في العراق وإيران، ووفقًا للشرطة وخبراء الأمم المتحدة، أنه "من السهل  شراء مجموعة من المنشطات، وكذلك "الحشيش" في العراق الذي يسبب الإدمان، فيما تساهم المخدرات في زيادة معدلات الفقر حيث تفقد العائلات ممن يتقاضون أجورهم بسبب الإدمان والسجن.

قبل سبع سنوات، انتقلت العصابات إلى تجارة المخدرات غير المشروعة حيث أصبحت كميات كبيرة من "الكريستال" المتاحة تأتي من إيران للعراق

قال عباس ماهر السعيدي، محافظ الزبير، إن "السلطات الحكومية ضعيفة  للغاية في معالجة هذا الوضع وتعاطي المخدرات مرتفع بين الشباب في المدينة، مضيفًا "الكثير منهم عاطلون عن العمل، وعوائلهم لا تعترف بهذه المشكلة بسبب التقاليد الاجتماعية"، كما أن النهج الذي تتبعه الحكومة هو محاولة إزالة أي مصادر خارجية للمشكلة. كل ليلة تقريبًا  تنتشر العشرات من فرق "سوات" في جميع أنحاء محافظة البصرة، وتستهدف جميع المدانين، بما فيهم متعاطو وبائعو المخدرات الذين أدينوا في نهاية المطاف، مما يخلق مشكلة جديدة فقد امتلأت السجون بهم، مع قلة وجود مراكز للتأهيل حيث يوجد مركزان فقط لإعادة التأهيل، إلا أنهما صغيران جدًا بحيث لا يكون لهما تأثير يذكر.

اقرأ/ي أيضًا: حرب الأفيون العراقية.. من يحمل رايتها؟

يمثل تعاطي المخدرات في البصرة، فقط المرحلة الأخيرة من الطريق الطويل للمنطقة نحو سلسلة الجرائم التي بدأت بالانتشار، بعد أن أطاحت الولايات المتحدة بصدام حسين عام 2003، وتنافست الجماعات الدينية والعشائرية للسيطرة على المحافظة، بل إن بعض الميليشيات تشارك في هذه الشبكات الإجرامية.

ويبلغ معدل البطالة بحسب البنك الدولي، ومصادر أخرى أعلى نسبة له في بعض أجزاء من البصرة، حيث يزداد النشاط الإجرامي هناك بما في ذلك تعاطي المخدرات.

ظهر استخدام المنشطات وانتشر قبل حوالي سبع سنوات، وفي ذلك الوقت انتقلت العصابات إلى تجارة المخدرات غير المشروعة حيث أصبحت كميات كبيرة من "الكريستال" المتاحة تأتي من إيران، وانتشرت العديد من المعامل على حد قول أنجيلا مي، رئيسة الأبحاث في وكالة المخدرات التابعة للأمم المتحدة. ومنذ ذلك الحين حاولت إيران، فرض القيود على المختبرات، لكن بعض الإنتاج انتقل إلى الدول المجاورة.

 وقال القاضي رياض عبد العباس من محكمة البصرة الجنائية، إن "المخدرات تأتي أيضًا من السعودية والكويت".

أضاف عادل عبد الرزاق، كبير قضاة محكمة الاستئناف في البصرة، أنه "يمكن للعصابات أن تدخل المخدرات عبر الحدود وشط العرب في الزوارق الصغيرة".

عصابات تجار المخدرات يستخدمون الآن الطائرات من دون طيار، وانشأوا كاميرات على طرقات خارج مجمعاتهم المحصنة

كما بدأت محكمة الاستئناف في البصرة تحت إشراف عبد الرزاق، في الاحتفاظ بسجلات لكيفية ارتباط اعتقالات المخدرات بالبطالة حيث يقول القاضي إن "الأشخاص الذين ليس لديهم وظائف يشعرون بأنه ليس لديهم ما يخسرونه عندما يخرقون القانون".

 وقد وجدت المحكمة أنه على الأقل 90 % من المعتقلين ليس لديهم عمل. كما أن الجهود المبذولة للحد من المخدرات غير المشروعة التي تأتي عبر المعابر الحدودية الرسمية للعراق مع إيران قد نجحت في الغالب، إلا أن المهربين لجأوا إلى طرق بديلة، وشددوا دفاعاتهم ضد القانون، حسبما ذكرت الشرطة.

اقرأ/ي أيضًا: "خشخاش لو خروع".. جدل جديد بطله المخدرات والإجراءات الحكومية!

قال السيد الصعيدي محافظ الزبير، إن "عصابات تجار المخدرات يستخدمون الآن الطائرات من دون طيار، وأنشأوا كاميرات على طرقات خارج مجمعاتهم المحصنة، والتي تتطلب وقتًا لاختراقها من قبل الشرطة".

 وعلى الرغم من أنه من المستحيل إثبات تورط ميليشيات "الحشد الشعبي"، في تجارة المخدرات، إلا أن العديد من المعتقلين في السجون بسبب تعاطي المخدرات يقولون إنهم يعتقدون أن بعض مسؤولي الحشد الشعبي في الحكومة مشتركون مع تجار المخدرات.

الحقيقة أن المهربين الكبار، إما لم يتم القبض عليهم، أو يتم تهريبهم من السجن بعد فترة وجيزة من القبض عليهم، وهذا ما يزيد من الشكوك حول دور الميليشيات في تجارة المخدرات.

في حين أن "الكريستال" هو أخطر الأنواع المستخدمة في العراق، والأكثر شعبية، يستخدم بكثرة من قبل المقاتلين في جميع أنحاء الشرق الأوسط - مثلما استخدمت القوات المتحالفة "الامفيتامينات" في الحرب العالمية الثانية لإبقاء الطيارين المقاتلين مستيقظين خلال الغزوات الطويلة.

وفي ظل غياب سياسة لمكافحة المخدرات، طور العراق مشكلة اكتظاظ خطيرة في السجون حيث يشتكي العديد من السجناء من  سوء المعاملة، لكنهم يقولون إن أكثر ما يريدونه هو إعادة التأهيل والمساعدة في العثور على وظائف عند الخروج.

يقول مدمنو المخدرات في السجون العراقية إن أكثر ما يريدونه هو إعادة التأهيل والمساعدة في العثور على وظائف عند الخروج

كان لدى زنازين الشرطة التي كانت قد شاهدتها صحيفة "نيويورك تايمز" حوالي 70 رجلًا محشورين في مكان لا يكفي سوى لعشرة أشخاص، كانوا يجلسون على الأرض ويتناوبون على النوم بسبب صغر مساحة المكان. لم يكن هناك مكان للمشي، ويبقى البعض منهم في هذه الزنازين مدة طويلة من دون تحقيق، وعادة ما يكون 15 شهرًا لمرتكبي الجرائم لأول مرة.

اقرأ/ي أيضًا: فريسته الشباب والسلطات "عاجزة".. "شبح جديد" يتسلل إلى الموصل عبر طريقين!

حميد جبار عبد الكريم، والذي اعتاد العمل كمدرب كلاب للقوات الأمنية، يقول "لا يوجد أي دواء هنا أو أي علاج، وبعد أن أصبح لدي جريمة مخدرات في سجلي، من غير المرجح أن يتم تجنيدي للعمل مرة أخرى".

 قال عدد من المدمنين والمسؤولين الحكوميين إن "تهمة المخدرات في العراق تجعل من الصعب الحصول على وظيفة لأن الثقافة العراقية التقليدية تعتبر تعاطي المخدرات "جريمة مُخزية" تجعل أصحاب العمل يرفضون توظيف من هو مدمن.

بالنسبة للسيد كريم، والد لثلاثة أطفال، والذي كان مدمنًا لثماني سنوات قبل الذهاب إلى السجن، فإن فرص التوظيف تبدو مُعدمة، كان يعمل كمشغل للمعدات الثقيلة في البناء، ثم كمقاتل في الحشد الشعبي، كان قد اشترى "الكريستال" عندما كان يتدرب في إيران، وأصبح مدمنًا عليها، والآن لن يتمكن من الحصول على وظيفة.

ومما يضاعف من مشاكله عدم معرفته القراءة والكتابة، ولأنه  كابن لمزارع كان يتوقع أن يبقى في المنزل للعمل في أرضه الزراعية. قالت ابنته الوسطى رُسل، البالغة من العمر 6 سنوات: "هل يمكننا الحصول على الآيس كريم؟". فتّش السيد كريم في جيبه، ولكن يبدو أنه لم يكن يملك أي نقود، قبّل جبين ابنته، وقال "ليس اليوم يا حبيبتي"!

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

المخدرات من الأرجنتين!.. ماذا عن "ساهون" إيران؟: عبد المهدي يثير سخرية عارمة

الحكومة تزرع المخدرات في شوارع بغداد .. و"الأبرياء" في السجن!