11-يوليو-2019

لا يزال الكثير من الصدريين لا يتقبلون الرأي، فيما يعتبر بعضهم أن العالم يدور حول فلك الصدر فقط (تويتر)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

مع غياب فاعلية الدولة، وسلطة القانون، وقوة القضاء، يعيش المواطنون العراقيون حالة الفوضى في أشكالها العليا. لا رادع لمن يُريد الانتقام، أو استرداد الحق الذي يعتقد أنه حق، ممن يُريد، في الوقت الذي يريد، وبالطريقة المناسبة من وجهة نظره.

الصدريون أظهروا سلميةً واضحة في تظاهراتهم، خاصةً تلك التي شابها أعمال عنف أدت إلى مقتل العديد من المتظاهرين السلميين في ساحة التحرير

دخل الصدريون إلى الاحتجاجات الشعبية عام 2015 بعد دعوة ناشطين مدنيين للتظاهر في ساحة التحرير وسط بغداد. وتخوّفَ بعض الناس من وجود الصدريين الذي قد يؤدي إلى أحداث عنف، مستندين على ذاكرة 2006 وأحداث الحرب الطائفية بعد تفجير سامراء. أدى ذلك التخوف لانسحاب الكثير من المتظاهرين، واعتراض الكثير على دخول الصدريين ساحات الاحتجاج.

اقرأ/ي أيضًا: الصدريون في سلامهم وحروبهم.. من الثورة إلى سائرون

أظهر الصدريون سلميةً واضحة في تظاهراتهم، خاصةً تلك التي شابها أعمال عنف أدت إلى مقتل العديد من المتظاهرين السلميين في ساحة التحرير على يد قوات الأمن، بل أن دخولهم إلى معقل السلطات (المنطقة الخضراء) بعد غلق محكم طوال خمسة عشر عامًا، لم يحمل معه أعمال تخريب كبيرة. وتخللت موجة الاعتراضات على دخول الصدريين إلى الاحتجاجات، انتقادات حادة إلى زعيم التيار الصدري وأتباعه، كان الأول يُوصي بعدم الإساءة لمن يُسيء له، ويُرحب بالنقد الإيجابي.

رغم ذلك، تظهر بين الحين والآخر، تهديدات يطلقها صدريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو في الواقع، تطال من يُصدر نقدًا أو تجريحًا ضد زعيم التيار ووالده، حتى كانت حادثة الشيخ عامر المنشداوي الأخيرة، بمن تعرضوا للتهديد من قبل أتباع التيار، وقد لا تكون الأخيرة.

حوادث متتالية

حاصر العشرات من أتباع الصدر مقر قناة دجلة الفضائية ببغداد، في آذار/مارس 2019، احتجاجًا على حديث لضيف إحدى البرامج السياسية، وهو النائب السابق والقاضي وائل عبد اللطيف، الذي بدا أنه تهكم على "مرتدي الأكفان"، الأمر الذي اعتبره الصدريون إساءة لزعيمهم الراحل، السيد محمد محمد صادق الصدر.

ثم نشرت قناة دجلة بيانًا مطبوعًا جاء فيه "قناة دجلة الفضائية تتعهد بعدم تكرار ما حصل في برنامج (القرار لكم) كون الرموز الدينية خط أحمر لا يمكن تجاوزها أو جعلها مادة إعلامية للسجال أو الكسب السياسي"، مضيفة "يبقى السيد الشهيد الثاني ظاهرة لا يمكن تكرارها في محاربة الظلم والظالمين".

بدوره، ذهب القاضي عبد اللطيف إلى مكتب الصدر في النجف، ليقدم اعتذاره عمّا صدر منه خلال اللقاء التلفزيوني على قناة دجلة، مشيرًا، بحسب بيان لمكتب الصدر، إلى أنه "لم يكن في نيته الإساءة أو التهكم على رمزية الكفن وصاحبه مطلقًا".

نشطاء اعتبروا أن اعتذار قناة دجلة وعبد اللطيف جاء بفعل خوفهما من أتباع التيار الصدري الأمر الذي يدل على حالة الترهيب التي يمارسها أتباع التيار

واعتبر ناشطون، أن اعتذار القناة وعبد اللطيف جاء بفعل خوفهما من أتباع التيار الصدري، وهو الأمر الذي يدل على حالة الترهيب التي يُمارسها أتباع التيار ضد كل من يوجه لهم نقدًا أو "إساءة".

اقرأ/ي أيضًا: مقتدى الصدر.. بين الأتباع والنقّاد

في 19 نيسان/أبريل 2019، نشر حسابٌ مقرب من الصدر في موقع "فيسبوك"، يُدعى صالح محمد العراقي، تعليقًا على الصحفي "حسن رحم" جاء فيه "أنصحك بأن لا تتحرش. بس علمود مواقفك أنت وأخوك راح أعبرها هل مرة .. واضح؟؟".

وتداول ناشطون تعليق العراقي، منتقدين الأسلوب الذي مهّد لأتباع الصدر الطريق لتهديد رحم، ما أدى إلى اختفاء الأخير لبضع أيام، خوفًا من أذى قد يُلحقه أتباع الصدر به.

لم يقف الحال عند ذلك، فبعد أن وجه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بتشكيل لجنة لجمع معلومات عن العاملين بمشاريع تجارية حكومية، تظاهر المئات من أتباع الصدر في 15 آيار/مايو 2019 أمام شركة للمقاولات وسط محافظة كربلاء، وقاموا بإغلاق أبواب الشركة، بحسب وسائل إعلام محلية.

في نفس الوقت، حاصر أنصار الصدر منزل "المعاون الجهادي" للأخير، كاظم العيساوي. وأظهر مقطع فيديو محاصرة أنصار الصدر لمنزل العيساوي، إثر منشورات وتعليقات كتبها صاحب صفحة "محمد صالح العراقي"  ضد العيساوي.

كما اعتصم أنصار الصدر أمام متجر "مول" في منطقة زيونة ببغداد، يُعتقد أنه تابع لشقيق المعاون الجهاد كاظم العيساوي، حتى اضطر الأخير إلى غلقه.

وفي 15 ايار/مايو كذلك، تظاهر أنصار الصدر أمام منازل ومراكز تجارية تابعة لقياديين في التيار، على خلفية تُهم فساد أطلقها زعيم التيار الصدري ضدهم.

ورد حرّاس أحد المراكز التجارية في النجف، ويُدعى "مول البشير" على محاولات اقتحامه من قبل المتظاهرين بإطلاق النار، ما أسفر عن مقتل 4 أشخاص وإصابة 17 آخرين، ليُقدِم المتظاهرون على إحراق "المول".

أثناء إحراق مول البشير في النجف (ألترا عراق)

الفرع الثاني من المركز التجاري ذاته، والواقع في الحي العسكري بمدينة النجف، تعرض في 24 ايار/مايو إلى هجوم بالقاذفات، ما أسفر عن اندلاع حريق سيطرت عليه أجهزة الدفاع الأمني، دون أن يُكشف عن الفاعلين.

في السياق، حاصر متظاهرون صدريون، منزل النائب عن التيار الصدري عواد العوادي في مدينة الحلة، ليظهر العوادي في مقطع فيديو أمام منزل الصدر يطالبه بالعفو عنه. كما حاصر آخرون منزل السيد عون عبد النبي أحد أعوان الصدر الذين شملهم عمل لجنة جمع المعلومات عمّن يتكسب من خلال مشاريع حكومية.

شيخٌ "يتبهذل" بسبب منشور!

الشيخ عامر المنشداوي، وهو من الأتباع المعاصرين للصدر الثاني، كتب في صفحته الشخصية على "فيسبوك"، في ذكرى مقتل السيد محمد محمد صادق الصدر، والتي يُحييها أنصاره قرب مرقده ومكان اغتياله في محافظة النجف، منشورًا وصف إحياء هذه الذكرى بأنه يحمل كل "مظاهر الاحتفاء بإمام معصوم من المفترض، وهذا خطأ جسيم جدًا، وجريمة بحق أهل البيت".

وأشار المنشداوي إلى أن "مظاهر الحزن والتفاعل في مناسبات بعض العلماء والمراجع تفوق مظاهر الحزن عند وفيات الأئمة المعصومين، وهذا خطأ وخطر محزن".

انتقد رجل دين المبالغة في مظاهر الحزن بذكرى مقتل محمد الصدر ما أدى إلى أن تقيم مجموعة من الصدريين مجلس عزاء أمام بيته بالإضافة إلى أنهم كتبوا على جدران منزله "لا مكان لأعداء الصدر بيننا" 

ردود فعل سريعة امتدت من تعليقات ومنشورات تهدد وتتوعد وتسب الشيخ المنشداوي، إلى أن تُقيم مجموعة من الصدريين مجلس عزاء أمام بيته، كما خطت المجموعة عبارات على جدران منزله، جاء فيها "لا مكان لأعداء الصدر بيننا" و "خائن".

اقرأ/ي أيضًا: صفحة مقربة من الصدر تسير على خطى البطاط وتهدّد صحفيًا!

علم "ألترا عراق" في حينها، من مصادره، أن الشيخ المنشداوي هرب مع عائلته إلى مكان مجهول خوفًا من تطور الأحداث.

في الأثناء، سأل أحد الصدريين صالح محمد العراقي، المقرب من الصدر، عن "كلمة الفصل" لكي يرى ما سيفعلوه بعدها، فكان جواب صالح "أتوقع شرد بالعزيزة... ونصيحة له أن لا يعود". ولم يكتفِ صالح بهذا التهديد العلني، وكتب في موضع آخر يقول "لو كان الزحف مليونيًا لما تجرأ أمثال هذا الوقح".

بعد ساعات من ليلة "مجلس العزاء"، تداول ناشطون ما يشير إلى أن حريقًا اندلع في بيت الشيخ عامر المنشداوي، لم يُكشف حتى الآن عن صحته أو أسبابه.

بعد كل ذلك، ظهر الشيخ المنشداوي في مقطع فيديو نشره مدونون في "فيسبوك"، وقال في بعضه "حصل سوء فهم لمنشور في مواقع التواصل، وأُسيء الفهم بأني أقدح السيد الشهيد أو مراسم عزائه، وأقسم بأني لم ولن أقصد الإساءة للصدر".

المنشداوي اعتذر ممن "تسبب لهم بالعناء والأذية والإحراج"، مبتدأً المقطع بالتأكيد على صدريته بالقول "عاصرت الشهيد الصدر من قبل تصديه، إلى حين استشهاده، وتشرفت بالوكالة منه".

تلك التصرفات، أثارت امتعاض العديد من المتابعين، الذين اعتبروا الأمر بمثابة ترهيب لكل من يقول كلمة أيًا كان نوعها بحق آل الصدر.

محاصرة المنازل من قبل الصدريين وكل الأفعال تحدث أمام أنظار قائدهم (الصدر) الذي عوّدهم أن في سكوته رضًا عمّا يفعلون

يرى حيدر المرواني، مدون مقرّب من القاعدة الصدرية، في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "مشاركة الصدريين للمدنيين في احتجاجات 2015 جاءت بتغير في عقلية التيار الصدري المُتهم بالعنف في أحداث 2006 وما بعدها، إذ مارسوا الاحتجاج السلمي والتزموا بالسلمية التي أمرهم بها قائدهم".

اقرأ/ي أيضًا: سياسيو العراق.. اذا بَطُلتِ الطائفية حضرت العشيرة!

أضاف "للأسف الشديد، يبدو أن هذا التغيير كان مرتبط بما يريده قائدهم، ولم يكن تغيرًا في نمط التفكير لديهم، حيث لاحظنا في عام 2019 عودة هذه الجماهير إلى محاصرة منازل وأملاك من ينتقدهم أو يُظهر لهم أنه لا يتفق مع عقيدتهم أو أفعالهم السياسية، بل تجاوزوا ذلك إلى محاصرة القنوات التلفزيونية التي تختلف معهم".

يقول المرواني إن "كل ذلك يحدث أمام أنظار قائدهم (الصدر) الذي عوّدهم أن في سكوته رضًا عمّا يفعلون".

حالة ترهيب الناقدين والمنتقدين، التي تُمارس حالما أظهرت شخصية ما اعتراضها على سلوك رموز التيار الصدري أو ما يمسه من ممارسات لأتباعه، دفعت مراقبين إلى توقع الأسوأ، وامتداد حالة التهديد إلى الجميع، بالنظر إلى تصاعد حالات الاعتداء والتهديد في عام 2019.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

التيار الصدري.. حملات متكررة ولجان كثيرة وفاسدون يأبون الزوال!

غابة السلاح في العراق.. العنف الذي لا تحتكره الدولة!