11-أبريل-2023
فشل النظام السياسي في العراق

(Getty) عبد المهدي والمشهداني مع وزير الدفاع الأمريكي وأوديرنو في 2008

مع كل استقرار نسبي يشهده العراق، ولفترة مؤقتة، بفعل ظروف محلية حاكمة - لا سياقات ديمقراطية أو دستورية - ومتطلبات دولية وإقليمية طارئة، مع حزمة تعيينات عشوائية مدفوعة بارتفاع أسعار النفط العالمية - أيضًا لظروف خارجية - تطفح علينا جوقة تبدأ من رأس النظام بمختلف المواقع، وصولًا إلى أشباه كتاب وصحفيين، مع منتفعين أو مهزومين نفسيًا، تسرّد لنا هذه الجوقة عظمة وإنجازات النظام السياسي في العراق بعد العام 2003.

يجري الحديث عن إنجازات النظام الجديد في العراق أثناء كل فترة استقرار نسبي مؤقتة

لقد أثبت النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية وتوزيع المغانم، فشله منذ سنوات؛ تراجع قطاع الصحة، على صعيد المستشفيات، صفقات الفساد، والأدوية المهرّبة. وانتهت المصانع المنشأة قبل عقود كما لم تُبنَ جديدة. وباتت الزراعة على وشك الوفاة جنبًا إلى جنب مع نهري العراق الأزليين.

 

أتاح ضعف النظام ونوع بُنيته وشخصيات قادته وخلفياتهم، لدول الجوار وغير الجوار، العبث بسيادة البلاد: من قصفٍ وعمليات عسكرية واغتيالات وتدخلٍ في الشؤون الداخلية. وعاش العراق معظم أوقاته بعد 2003 بلا أمن وأمان: بدءًا من التفجيرات والقتل على الهوية وصولًا إلى سقوط المحافظات بيد تنظيم داعش، حتى سيادة سلطة الميليشيات وتصفية المتظاهرين والناشطين، والاعتداء على أعلى منصب تنفيذي في الدولة.

 

فشل نظام ما بعد 2003 في التنمية، فشل في خلق أجواء مؤاتية للقطاع الخاص والاستثمار الحر بعيدًا عن "الهيئات الاقتصادية" وأصدقاء الأحزاب والميليشيات والعوائل الحاكمة. عزز الاقتصاد الريعي المعتمد على بيع النفط، وملأ الدوائر بالموظفين الفائضين عن الحاجة أو "الفضائيين" بمصطلحات العراقيين. كما فشل في توفير مساكن لملايين الشباب وسكنة العشوائيات  في دولة توصف موازنتها بالانفجارية، بل راح يبني مجمعات تصلح أماكن ثانوية للأثرياء، و"مولات" تعزز الاستهلاك المعتمد على الخارج.

 

لقد فشل حتى في "تبليط" شوارع العاصمة بغداد. وما زال الحاكمون فيه يستخدمون قصور وجسور وطرق النظام السابق، ومستشفياته وبنيته التحتية من مجاري وغير ذلك.

تغير الواقع الاقتصادي العراقي بفعل رفع الحصار عن البلاد واستئناف ضخ النفط

وكما تفعل المؤسسات الدولية حين تشير - باستغباء أو بحيادٍ رياضيٍ مخلٍ - إلى ارتفاع مؤشرات النمو الاقتصادي في العراق، دون النظر إلى الأسباب الواضحة، يفعل ذلك البعض من الجوقة التي نتحدث عنها، حين يتطرق إلى ارتفاع مستوى معيشة الفرد العراقي. والحق، إن تغيرًا ملحوظًا طرأ على حياة الكثير من العراقيين بعد 2003؛ لكن ليس لنجاح النظام أو الاحتلال الذي جاء به في خلق اقتصاد حيوي.

 

الصورةُ الأكثر وضوحًا من أن تُشرح وتُفسّر هي: دولة عظمى فرضت حصارًا على دولة غنية بالنفط، ثم أسقطت نظامها، وأنشأت نظامًا جديدًا، فتحت له أبواب التصدير من جديد، مع أبواب التربّح من المال العام والنهب والفساد أيضًا.

أما حُجة أن العراق يجري انتخابات، فذلك صحيح، لكنها - في كل مرة - حرب على وشك أن تبدأ. وما "التداول السلمي" كما يطلقون عليه إلا عملية عسيرة تستدعي تدخل الدول المهيمنة على العراق، والمرجعية الدينية التي تتبنى "الولاية الخاصة"، ولطالما أُنجزت العملية بعد دماء أو أنتجت ذلك، كما في 2010 و2014 و2018 و2021. وقد قرأت في صحيفة أمريكية احتفالًا مُستعجلًا بالديمقراطية العراقية بعد نتائج الانتخابات الأخيرة في العراق، لم يفهم الكاتب بعدُ الواقعَ العراقي، ولم يتوقع أن تنتهي هذه العملية الديمقراطية بعشرات القتلى والجرحى، وعشرات الصواريخ العشوائية التي طارت فوق مباني الدولة الرئيسة، والسفارات والبعثات الأجنبية، داخل المنطقة الدولية.

فشل النظام السياسي في العراق
اشتباكات في المنطقة الخضراء صيف 2022 بعد خلافات حول تشكيل الحكومة (Getty)

نعم، فشل النظام في كل شيء تقريبًا، إلا بالقتال على تثبيت المحاصصة ومحاربة كل من يحاول تغييرها، وما يزال هناك من يتبجح بإنجازاته، ويشكر الاحتلال علنًا أو ضمنًا على هذه "النعمة"، نعمةُ توفرِ الموز في جمهورية الموز الجديدة، فما بالك لو نجح في أي مفصل من مفاصل الدولة المحترمة؟

العار سيلاحق مؤسسي النظام العراقي الجديد ومن ساهم فيه بتدمير الدولة العراقية ومجتمعها

أقول ختامًا: إن العار سيلاحق كل من ساهم بما آلت إليه أوضاع الدولة والمجتمع في العراق. سيستحي أحفادهم من نسبهم. إن التبجّح بالاستقرار الهش المصنوع بعشرات الأيادي غير السيادية لن ينتج واقعًا غير ما هو كائن، وما سيكون نتيجة ذلك.