29-أبريل-2019

بسبب اعتماده على إيران في الكثير من مصادره الاقتصادية يواجه العراق مآزق كبيرة بعد العقوبات الأمريكية على طهران (Getty)

استكمالًا لحملة الإدارة الأمريكي في تضييق الخناق اقتصاديًا على إيران ومنع نفطها من التدفق إلى أسواق الدول الأخرى، أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بمؤتمر صحفي في 22 نيسان/أبريل عدم تمديد الإعفاءات التي تشمل بعض الدول المستوّرِدة للنفط من إيران بعد الأول من أيار/مايو المقبل، معتبرًا عائدات النفط وسيلة تستخدمها طهران لدعم الإرهاب.

خبير طاقة لـ"ألترا عراق": العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران يُفترض أن تكون الأقسى على إيران، حيث تنوي الإدارة الأمريكية تصفير انتاج النفط الإيراني

وكانت الولايات المتحدة قد بدأت بتنفيذ عقوبات على إيران شملت النفط والمدوفعات الخارجية في بداية تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، مانحةً إعفاءات مؤقتة لكل من: الصين، اليابان، كوريا الجنوبية، تايوان، الهند، تركيا، اليونان، إيطاليا، قبل أن يعلن بومبيو عدم السماح لهذه الإعفاءات اعتبارًا من الشهر القادم. يقول خبير الطاقة فرات التميمي في حديثه لـ"ألترا عراق" إن "العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران يُفترض أن تكون الأقسى على إيران، حيث تنوي الإدارة الأمريكية تصفير انتاج النفط الإيراني بحرمانها الدول الثمان التي كانت مُستثناة من استيراد النفط الإيراني كإجراء لزيادة الضغط الأمريكي".

ترحيب ورفض دولي

"إسرائيل"، رحبت بالقرار الأمريكي الأخير، واعتبر القائم بأعمال خارجيتها يسرائيل كاتس هذه الخطوات أنها ستدفع النظام الإيراني إلى التراجع عن دعم حزب الله والمنظمات "الإرهابية" الأخرى في المنطقة، وإيقاف البرنامج النووي. كما رحبت المملكة العربية السعودية والبحرين كذلك بالقرار الأمريكي.

فيما قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو "لا نقبل بالعقوبات الأحادية الجانب وفرض الإملاءات بشأن كيفية بناء علاقاتنا مع جيراننا". كما عبر المتحدث باسم الخارجية الصينية غينغ شوانغ "معارضة الصين بشدة فرض الولايات المتحدة عقوبات أحادية على إيران".

اقرأ/ي أيضًا: مآزق الصيف والعقوبات.. ما خطط العراق لتعويض كهرباء وغاز إيران؟

الموسوي يلفت إلى أن "الكثير من الدول لم تعر أهمية لهذه العقوبات كونها أحادية الجانب"، مشيرًا إلى أن "دولًا صناعية عظمى مثل الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية، وكذلك دول مثل تركيا واليونان، ترتبط بعلاقات ذات تحالفات استراتيجية مع إيران ترفض التعامل مع قرارات أمريكا بتنفيذ العقوبات على إيران وتصر على استيراد النفط من الأخيرة".

من الجانب العراقي، دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في رسالة قُرأت بمجلس النواب في 27 نيسان/أبريل إلى "عدم زج العراق في صراع عقائدي من جهة وسياسي من جهة أخرى بين إيران والثنائي (ترامب ونتنياهو)"، مطالبًا بـ"غلق السفارة الأمريكية في العراق في حال زج العراق بهذا الصراع لكبح لجام الاستكبار والاستعمار العالمي وإلا ستكون السفارة في مرمى المقاومين مرة أخرى".

ورفض النائب عن كتلة صادقون الجناح السياسي لعصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، العقوبات الأمريكية، قائلًا إن "العراق غير معنٍ برغبات وعنجهية أمريكا بعقوباتها على إيران"، مشيرًا إلى "ضغط أمريكا على العراق للالتزام بالعقوبات على إيران يعد تدخلًا سافرًا بالشأن العراقي ومعاقبة شعبه قبل الشعب الإيراني كون العراق يستورد الغاز والكهرباء من إيران، وكذلك الموقف والالتزام الأخلاقي لرد الدين والوفاء لمواقف إيران المشرفة تجاه العراق".

هل يُعوَّض نقص النفط ؟

الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب قال في 22 نيسان/أبريل بتغريدة على صفحته في تويتر إن السعودية ودول أخرى في أوبك ستعوّض النقص الحاصل في تدفق النفط إثر تطبيق العقوبات الشاملة من قبل أمريكا على إيران.

فيما أعلن وزير الطاقة والصناعة السعودي خالد الفالح أن المملكة تتابع باهتمام التطوّرات في أسواق النفط بعد بيان الحكومة الأمريكية بشأن العقوبات على إيران، مؤكدًا سعي حكومته إلى تحقيق الاستقرار في الأسواق وعدم خروجها من نطاق التوازن. بينما قال وزير الخارجية السعودية إبراهيم العساف إن حكومته "ستنسق مع منتجين آخرين للخام من أجل التأكد من توفر إمدادات كافية من النفط وتحقيق توازن في الأسواق بعد القرار الأمريكي". لكن وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه أشار في 26 نيسان/أبريل إلى أن "السعودية والإمارات تبالغان في تقدير الاحتياطيات النفطية لديهما".

طالب مقتدى الصدر بغلق السفارة الأمريكية في بغداد في حال زج العراق بالصراع بين إيران والثنائي (ترامب ونتنياهو) لكبح لجام الاستكبار والاستعمار العالمي، وإلا ستكون السفارة في مرمى المقاومين مرة أخرى

عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 26 نيسان/أبريل ليقول في تغريدة له "تحدثت مع السعودية وآخرين بشأن زيادة كمية النفط. الجميع موافقون". ليقطع بذلك التكهنات التي شككت بموافقة السعودية على طلب ترامب، لكن الأولى لم تصنع مفاجئة.

محاولات من معفيين لاستثناء جديد

سارعت بعض الدول لنيل استثناء جديد من قرار إلغاء إعفاء بعض الدول المستورِدة للنفط الإيراني، خصوصًا وأن الموعد النهائي لإنهاء الإعفاءات قريب جدًا، وقد وصفت مديرة برنامج الطاقة والاقتصاد والأمن لدى مركز الأمن الأمريكي الجديد إليزابيث روزنبرغ الموعد الذي حدده البيت الأبيض بـ"المفاجئ".

اقرأ/ي أيضًا: ردود فعل إيران بعد العقوبات الأمريكية.. هل ستدفع العراق الثمن؟

روزنبرغ قالت إن "الإخطار قبل بضعة أسابيع فقط من الموعد النهائي يعني أن هناك الكثير من الشحنات التي جرى حجزها للتسليم في شهر أيار/مايو، وذلك يعني أن خروجها قبل الموعد النهائي سيكون أكثر صعوبة".

وقال المتحدث باسم الخارجية التركية حامي أقصوي في 26 نيسان/أبريل إن "بلاده تسعى لإقناع الولايات المتحدة بالسماح لشركة توبراش للتكرير أكبر مستورد نفط في البلاد، بمواصلة شراء النفط الخام من إيران".

بينما قال المتحدث باسم الخارجية الصيني إن التعاون الطبيعي للصين ودول أخرى في مجال الطاقة مع إيران في إطار القانون الدولي هو تعاون مشروع ويجب احترامه، داعيًا الحكومة الأمريكية لاحترام مصالح الصين وألا تتخذ أي خطوات خاطئة تضر بتلك المصالح. فيما أشارت وزارة الخارجية الكورية الجنوبية إلى مواصلتها "بذل كل ما هو ممكن للحصول على تجديد للاستثناءات".

العراق.. ورطة الغاز والصيف قادم

ربما تمتلك الدول المُستثناة أدوات لتنويع قبلة استيرادها للنفط كما تتحدث "تسريبات" عن مساعي كوريا الجنوبية، وأخرى تمتلك القدرة على صد العقوبات الأمريكية لما تمتلكه من اقتصادٍ قوي مثل الصين، إلا أن العراق، الذي تعتمد الكثير من محطاته الكهربائية على الغاز الإيراني (نحو 4000 ميغاواط) قد يكون أكبر المتضررين من هذا القرار مع قرب فصل الصيف اللاهب في البلاد.

الخارجية الأمريكية: التوسع في استغلال موارد العراق من الغاز الطبيعي وتنويع مصادر وإيرداته من الطاقة سيعزّز الاقتصاد العراقي بالإضافة إلى تشجيع قيام عراق متحرر من النفوذ الإيراني

يُشير خبراء إلى إمكانية العراق ربط الشبكة الكهربائية مع دول الجوار خصوصًا بعد الاتفاقيات التي وقعت مؤخرًا بين بغداد والرياض. ويتحدث خبيرٌ اقتصادي عن تأجير بوارج عملاقة لتوليد الطاقة الكهربائية من الفائض النقدي الذي سيتوفر من عدم استيراد الطاقة من إيران. وذكرت وزارة الخارجية الأمريكية في 20 آذار/مارس أن "التوسع في استغلال موارد العراق من الغاز الطبيعي وتنويع مصادر وارداته من الطاقة سيعزّز الاقتصاد العراقي بالإضافة إلى تشجيع قيام عراق موحد ومزدهر ومتحرر من النفوذ الإيراني" على حد تعبيره. فيما تُشير تصريحات بعض البرلمانيين العراقيين إلى طول مدة الربط الكهربائي مع السعودية، ما يعني أن الإجراءات الحكومية المُفترضة بحسب الخبير لن تحل الأزمة المتوقعة في الصيف القادم إذا ما قرّر العراق عدم استيراد الغاز من إيران.

استثناء لكهرباء العراق؟

مدّدت الولايات المتحدة في آذار/مارس الماضي إعفاء العراق من الالتزام بالعقوبات الأمريكية على إيران لمدة 90 يومًا إضافية قبل يوم واحد من انتهاء المهلة التي سبقتها ـ بحسب مسؤول ـ في 21 كانون الأول/ديسمبر.

عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية حسن فدعم لفت في 23 نيسان/أبريل إلى أن "واشنطن قد تعمل على تجديد الاستثناءات للعراق من عقوباتها على طهران"، مؤكدًا "عمل اللجنة بكل قوة ومن خلال علاقاتها للضغط على الجانب الأمريكي لتمديد استثناء العراق من تلك العقوبات لمدة ستة أشهر على أقل تقدير".

أضاف فدعم "يستورد العراق الغاز السائل والكهرباء من إيران ونحن على أبواب الصيف وليس لدينا الوقت الكافي والمقدرة على تغطية تلك الحاجات، ما يجعلنا بموقف صعب جدًا سيضر بالشعب العراقي بشكل كبير"، مشيرًا إلى أن "قبول العقوبات سيخلق مشكلة كبيرة لنا".

يُرجح ذلك قول وزير الكهرباء العراقي لؤي الخطيب في 25 نيسان/أبريل إن "استيراد الغاز الإيراني لا يندرج ضمن العقوبات الأمريكية على إيران"، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن ذلك الاستيراد "لن يستمر طويلًا، حيث يعمل العراق مع أطراف دولية عدة لتطوير حقوله الغازية لسد احتياجاته من الوقود الأزرق". لكن القائم بأعمال السفارة الأمريكية ببغداد جوي هود قال في 20 نيسان/أبريل "نريد من العراق أن يكون مستقلًا بمجال الطاقة، وأعطينا الحكومة استثناءات قصيرة الأمد بخصوص استيراد الطاقة من إيران، نريد العراق أن يقوم بإنتاج الطاقة والغاز دون الاستعانة بأي أحد، ولديه وزراء اكفاء للقيام بهذه المهمة".

اقرأ/ي أيضًا: دولة القانون: لن نلتزم بالعقوبات الأمريكية على إيران ولن نتخلى عنها

بهذا الصدد، يقول خبير الطاقة فرات التميمي إن "العراق استثني في الفترة الماضية من قبل الإدارة في واشنطن من استيراد الغاز الجاف من إيران، والذي يحتاجه لتوليد جزءًا مهمًا من المحطات لتوليد الطاقة الكهربائية في فترة الصيف والتي تولد ما معدله 4 آلاف ميغا واط من الغاز الجاف المستورد".

يؤكد التميمي في حديثه لـ"ألترا عراق" أن "العراق لن يتأثر بالعقوبات الجديدة على إيران، كون الغاز المُصدر من الأخيرة للعراق غير مشمول بالعقوبات الأمريكية".

ليس الغاز وحده

ليس الغاز وحده المشكلة التي تواجهها الحكومة العراقية في التعامل مع العقوبات الأمريكية على إيران، فالمشتقات النفطية التي تستوردها سوريّا لا تأتي من العراق، وإنما تمرر لها حين تأتي من إيران. الأمر الذي يقول بشأنه خبير اقتصادي إن ذلك يعني "مساهمة العراق وبشكل مباشر في خرق الحصار المفروض على إيران وهو الأمر الذي ترفضه الولايات المتحدة، مبينًا "وفي حالة عدم الالتزام بذلك فستتعرض الدولة غير الملتزمة لعقوبات أمريكية، وتستطيع واشنطن معاقبة تلك الدول من خلال الدولار، وإذا كان العراق يتعرض لضغط أمريكي من أجل عدم استيراد النفط ومشتقاته من إيران، فما بالك بعملية نقله إلى سوريا، وهو أمر سيضع الحكومة العراقية في موقف محرج".

على المستوى الداخلي، تُطرح تساؤلات حول الأضرار التي من الممكن أن يتعرض لها العراق، خصوصًا فيما يتعلق بالدولار. لكن مسؤولًا عراقيًا في وزارة التجارة قال لـ"رويترز" في 21 آب/أغسطس من العام الماضي إن "شركات الطاقة والبناء والسيارات التي تديرها الحكومة والقطاع العام هي التي ستواجه ضررًا أكبر".
أضاف أننا "نعتمد بشكل أساسي على إيران كمصدر لمواد البناء والسيارات، بما في ذلك قطع الغيار، بسبب انخفاض الأسعار وسهولة الشحن عبر الكثير من المنافذ الحدودية المشتركة". ووقع العراق مع إيران المزيد من اتفاقيات التعاون الاقتصادي المشترك حين زار روحاني بغداد مؤخرًا.

محلّل: " العراق سيتعاون مع إيران بصورة غير رسمية، والولايات المتحدة تعي هذا الأمر". يجري ذلك مع تأكيد واشنطن على أن غير الملتزم بعقوباتها "سيُعاقب"!

فيما يُشير المحلل السياسي عبد الجبار أحمد في حديث تلفزيوني إن "العراق سيتعاون مع إيران بصورة غير رسمية، والولايات المتحدة تعي هذا الأمر". يجري ذلك مع تأكيد واشنطن على أن غير الملتزم بعقوباتها "سيُعاقب".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

واشنطن تهدد العراق بعد زيارة روحاني.. امتثلوا للعقوبات ضد إيران لـ"مصلحتكم"!

روحاني في بغداد.. رسائل الداخل والخارج