04-مارس-2023
الانتخابات والميليشيات في العراق

المجتمع الدولي وواقع الانتخابات والميليشيات في العراق (فيسبوك)

لا يمكن لوم الناس على فعل أو ردود فعل اتجاه ما يتعلق بالسلطة والنظام العراقي الحاكم منذ 2003، كما لا يمكن الدفاع عمّا يسمى بالديمقراطية في العراق - كما فعّل معلقون أمريكيون عقب إعلان نتائج انتخابات 2021، باستعجال - لأسباب تتعلق بنوع المسؤوليات من جهة، والأحداث المفزعة من جهة أخرى، ونجد بالتوضيح هذا مدخلًا ضروريًا لتحديد نقد متبنيات بعض النخب والمدونين والصحفيين، من زاوية عملية/إجرائية.

أغلبية المواطنين قاطعوا الانتخابات بسبب الإحباط والشعور بعدم الجدوى من الإدلاء بأصواتهم

منذ سنوات، رفع ناشطون ومثقفون ونخب ومدونون، رايةَ المقاطعة للانتخابات البرلمانية في العراق، بحماس، على الأقل في الدورتين الأخيرتين 2018، 2021. وبتقديرنا، للمقاطعة أسبابٌ موضوعية ودوافع راسخة تدفع المواطنين إلى رفض صفة الناخبين، امتعاضًا بالدرجة الأساس.

ومن هذا المنطلق، كانت بداية حديثنا، فشعور المواطنين بالإحباط واليأس وعدم الجدوى، يُفسر العزوف عن صناديق الاقتراع، ونتحدث عن قرابة 80 بالمئة نسبة الذين قاطعوا الانتخابات في بعض الحالات، ولعل الكثير منهم يعتبر مشاركته فيها إهانةً شخصية.

 

الامتناع، أو الإجراء السلبي (غير الفعّال) مفهومٌ ومتفهَّمٌ من عامة الناس، الذين يشكلون أغلبية المواطنين، في مسار يناقض الأنظمة الديمقراطية التي تتنافس على تلك الأغلبية؛ لكن إشكالنا - ومنذ سنوات - مع الدعوات المنظّمة للمقاطعة، حين تنطلق من أشخاص ومجاميع تعمل كخليةٍ واحدة، وتدعي إعمالها العقل في اتخاذ المواقف، ولنطلق عليهم "مروّجي المقاطعة".

لقد كان هدفُ مروّجي المقاطعة البارز هو عدم إعطاء شرعية للنظام السياسي في العراق؛ رغم أن الانتخابات السابقة لم تحظَ بمشاركة واسعة، ولم تسقط العملية السياسية أيضًا، بل كانت المشاركة (في 2010) من قبل الجماهير المقاطعة للعملية السياسية (الأغلبية سُنية) هي الفعل الجماهيري السياسي الأوحد الذي هزّ النظام، وأدى إلى أزمات كبيرة كشفت مبكرًا غياب أركان الديمقراطية عن النظام العراقي.

جرى تعديل قانون الانتخابات واختيار مفوضية من القضاة لكن الأغلبية قاطعت مجددًا

انقضت انتخابات 2018 وسط مقاطعة واسعة من الجماهير "المحايدة" غير الحزبية، باستثناء من عوّل على تحالف سائرون الذي جمع التيار الصدري مع قوى الاحتجاج المدنية؛ وعلى الرغم من المقاطعة فالأحزاب الرئيسة سيطرت على الحكومة والبرلمان ومررت أتباعها في الدرجات الخاصة، حتى انتفاضة تشرين، التي حملت مطالب من بينها تغيير هيكل الانتخابات؛ لكن دون جدوى: مرة أخرى ترفض الأغلبيةُ المشاركةَ وتستمر دعوات المقاطعة.

نتائج انتخابات تشرين 2021 جاءت مفاجئة نوعًا ما لبعض المتشائمين، بصعود شخصيات من قوى الاحتجاج، وتراجع مقاعد قوى السلطة المسلحة على وجه الخصوص، لكن النظام والسلاح - وذلك في صالح رأي المقاطعين - تمكنا من الهيمنة على الحكومة ومجلس النواب بانسحاب الفائز الأكبر.

 

الصورة الآن: مقاطعة كبيرة. الفائز الأكبر ينسحب من العملية السياسية. القوى المسلحة المتمردة على الدولة، والراعية للعمليات الحربية ضد بعثات دبلوماسية، والمتهمة بقصف منزل رئيس الحكومة، تستحوذ على السلطة وتنفرد بالحكم، وسط دهشة المشاركين والمقاطعين: هل ستمضي الأمور على ما يرام بعد كل ما حدث؟

نعم - استمر النشاط العربي والدولي في العراق، وزادت تحركات السفيرة الأمريكية لدى بغداد ولقاءاتها مع رئيس الحكومة الذي أُستقبل بترحاب في دول غربية بعد تنصيبه بمباركة أممية وتأكيد عربي على الانفتاح، آخره "حفلة" كأس الخليج العربي في البصرة.

هل نكتفي من هذا الدرس البليغ ونعكف على مراجعة آرائنا؟

لا - استبقت شخصيات ثقافية وسياسية وصحفية وأكاديمية، زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، لتقديم مذكرة احتجاج على أداء البعثة الأممية في العراق، بنقاط عدّة من بينها قضايا تتعلق بالتضييق على الحريات من قبل السلطات العراقية، و"فشل معالجة ظاهرة الأحزاب المسلّحة التي تقوم عمليًا بالالتفاف على القانون"، مقابل "عدم ظهور أيّ عمل جدي من ممثلية الأمم المتحدة لحث الأحزاب المسلحة على ترك السلاح".

ظهر الأمين العام للأمم المتحدة رفقة قيس الخزعلي في زيارته الأخيرة إلى بغداد

استجاب غوتيريش لاحتجاج نخب العراق الجديد على بعثته في البلاد، بالمقلوب، وبحركة لافتة، زار الأمينُ الأممي أمينَ ميليشيا عصائب أهل الحق المدرجة على لوائح الإرهاب الأمريكية، قبل ثلاثة أعوام فقط، والتقط صورًا معه مبتسمًا رفقة رئيس ميليشيا مسيحية آخر يدعى ريان الكلداني.

غوتيريش الخزعلي
 الأمين العام للأمم المتحدة مع قيس الخزعلي ورئيسي الاتحاد الوطني الكردستاني وميليشيا بابليون (فيسبوك)

 

سنوات من تكرار عبارات لم تبنَ على أساس علمي/موضوعي يفترض أن يكون منطلق تفكير وحديث وأفعال المثقفين في أي مكانٍ وزمان، اتضح إنها أبعدُ عن الحقيقة من آراء عامة الناس أنفسهم. وتلك طامة كبرى ألا يكون لمجتمعٍ ما دوائر وحلقات تُجيد التفكير السليم وتتبع خطوات المنطق وتتمركز وفق اشتراطات الواقع، لتختزل استنزاف السنين بالتجارب عبر نماذج فكرية/عملية مفيدة ومقنعة.

هل سيقاطع المقاطعون الأممَ المتحدة والعالم بعد مواقفهم مع حكومة الإطار التنسيقي وشخصياته؟

في هذه القصة القصيرة، لا نلقي باللوم على غوتيريش، أو نُطالب الأمم المتحدة بالتدخل كما فعل الموقعون على مذكرة الاحتجاج، لأن الصورة كانت وما زالت واضحة ولا يُمكن للخطاب الإعلامي الحزبي أن يغوّشها. بل هاي محاولة يائسة لقول شيء ما يفسر الواقع البسيط لقارئ في المستقبل، واستخدام الحدث للتأكيد على مسلّمة أن العالم لا يحترم الضعيف، واتخاذ المستجدات بابًا لأسئلة لطالما احتاجت إلى نقاش: إنْ كنّا لا نتظاهر، ولا ننتخب، ولا نؤثر في الداخل ولا في الخارج، فماذا نفعل بالضبط؟، ولماذا نجرؤ على المطالبة باحترام آرائنا؟ وهل سنقاطع العالم بعد أن توَهمنا فخُذلِنا؟