18-أكتوبر-2020

عادت التوتر ليسود أجواء البلاد بعد أيام قليلة من إعلان "الهدنة"

الترا عراق - فريق التحرير

هيمن حدثان أمنيان على المشهد في البلاد خلال الساعات القليلة الماضية، حيث تصاعدت ألسنة نيران الفصائل المسلحة وسط بغداد، واستقر رصاص مجهولين في أجساد ثمانية شبان من أصل 12 مختطفًا في بلد إلى الشمال من العاصمة.

شهدت البلاد أجواءً متوترة بعد أعمال حرق وتخريب وإعدام أشخاص تتهم الفصائل المسلحة بالمسؤولية عنها

فجر السبت 17 تشرين الأول/أكتوبر، كسر هدير محركات المركبات ذات الدفع الرباعي التابعة للفصائل المسلحة، هدوء بغداد، حيث كانت تستطلع موقع مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني تمهيدًا لحرقه، في مشهد مكرر يطال كل من تعتبره تلك الجهات خصمًا بحجة "التطاول على المقدسات" و"الخطوط الحمراء".

"لعبة الترهيب"!

تبدأ الفصائل "لعبة الترهيب"، كما يصفها مراقبون، عبر منصات في تليغرام وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحشّد عناصرها الذين يحملون أسماء ظل منها "ربع الله" و"جبهة أبو جداحة"، ثم تطلقهم لاقتحام المواقع المستهدفة تحت عنوان "تظاهرة عفوية".

اقرأ/ي أيضًا: صواريخ الفصائل "تتلطخ" بدماء الأطفال.. غليان ونُذر حرب في العراق

ويقول الصحافي محمد حبيب لـ"الترا عراق"، إن "الفصائل تحاول فرض معادلة جديدة لمواجهة الاحتجاجات، والتي تتهم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وأطراف حكومية بدعم بعض نشاطاتها خاصة تلك المتعلقة باستهداف مقرات الأحزاب والفصائل".

ويبيّن حبيب المواكب للاحتجاجات، أنّ "المعادلة ترتكز على تنفيذ عمليات ترهيب لشخصيات وناشطين، واستهداف لمقار أحزاب محددة توصف كتيارات معتدلة مساندة للاحتجاجات، عبر مجاميع الظل التي تحرص على إظهارها كجمهور يمارس نشاطًا احتجاجيًا عفويًا، في سياق السباق المحتدم للحفاظ على أكبر قدر من المكاسب خلال الانتخابات المقبلة".

سخرت الفصائل مجاميع "الحرق والتخريب" للرد على حرق مقارها خلال الاحتجاجات

وقد عبرت منصات "ولائية" وحسابات تابعة لها عن ذلك صراحة، وردت على مستنكري عمليات الحرق الأخيرة بالإشارة إلى ما تعرضت لها مقار أحزاب وفصائل مسلحة على يد متظاهرين خاصة في بعض مدن الجنوب.

"الهدنة لا تشمل الجداحة"!

واعتمدت الفصائل، منذ مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس مطلع العام الجاري، ذات الأسلوب، في الهجمات التي شنتها على مدى أشهر ضد مصالح أمريكية ومقار رسمية ومواقع عسكرية بالصواريخ والعبوات الناسفة، فيما تنفي علنًا صلتها بالعناصر المنفذة.

لكن حادثة فجر الخامس والعشرين من حزيران/يونيو أو ما تعرف بـ"ليلة الدورة"، كانت قد كشفت عن ارتباط "الخلايا المهجنة"، وفق وصف الخبير الأمني الراحل هشام الهاشمي، بالفصائل الكبرى، حيث اقتحمت مركبات حركة حزب الله مقار حساسة في المنطقة الخضراء وهددت بحرب على الحكومة، بعد اعتقال عدد من مطلقي الصواريخ.

مسلحون من الفصائل يستعدون لاقتحام المنطقة الخضراء (25 حزيران/يونيو 2020)

ورضخت الفصائل المسلحة مؤخرًا، بإعلان إيقاف الهجمات عقب واساطات وتحركات حثيثة أجرتها أطراف داخلية خارجية، على خلفية التهديد الأمريكي بإغلاق السفارة الأمريكية في العاصمة بغداد، لكن الهدنة لم تشمل نشاطات "الترهيب والتخريب"، كما يقول الناشط والصحافي أحمد السهيل.

لم تشمل الهدنة التي أعلنتها الفصائل المسلحة نشاطات "الجماعات الولائية"

ويضيف السهيل لـ"الترا عراق"، أنّ "أحزاب السلطة والفصائل تلقت ضربات موجعة على عدة مستويات وخسرت بشكل كبير قاعدتها الجماهيرية بعد احتجاجات تشرين، وهي اليوم تحاول جاهدة الحفاظ على ما تبقى من رصيدها عبر الشحن الطائفي والالتصاق بالمرجعية الدينية في النجف، وهو ما يوقعها في تناقضات واضحة".

"تخادم" أطراف السلطة!

البحث عن الاستقطابات الطائفية والأزمات في إطار السباق الانتخابي ربما لا يقتصر على الأحزاب والفصائل الشيعية، بل جميع الأطراف الممسكة بالسلطة منذ 2003، فأحداث بغداد قد تنعش حظوظ الأحزاب الكبرى في كردستان، وهو ذات الأمر الذي توفره "مجزرة" صلاح الدين للقوى السنية.

اقرأ/ي أيضًا: الفصائل ترضخ لتهديد واشنطن.. كتائب حزب الله تعلن "هدنة" في العراق

 

وقد اعتبرت السياسية الكردية المعارضة سروة عبد الواحد، حرق علم إقليم كردستان وسط بغداد، "مجاملة" للحزب الديمقراطي الحاكم في كردستان في إطار "الدعاية الانتخابية".

فيما رأى عدنان فيحان القيادي في حركة عصائب أهل الحق، المتهمة بالمسؤولية عن إعدام ثمانية شبان في قضاء بلد رميًا بالرصاص، في تفاعل الشخصيات والأطراف السنية مع الحادثة "محاولة خلط أوراق لأغراض سياسية وانتخابية".

حملة اعتقالات..

وتلعب الأحزاب الشيعية والفصائل المسلحة دور المحرك لتلك الأحداث، والتي تهدف أخيرًا إلى "منع أي تغيير حقيقي على مستوى إدارة البلاد"، كما يؤكد الصحافي أحمد السهيل.

شنت قوات أمنية حملة اعتقالات طالت عناصر على صلة بفصائل مسلحة كبيرة على خلفية أحداث بغداد وبلد 

بالمقابل، يضع ذلك حكومة الكاظمي المطالبة بإجراءات رادعة تؤمن إقامة انتخابات مقنعة للشارع، تحت ضغط أكبر قد يدفعها إلى الصدام الذي تحاول تجنبه حتى الآن.

وأعلنت الحكومة، التي تواجه انتقادات كبيرة لـ"عجزها" عن ردع نشاطات الفصائل المتهمة بالمسؤولية عن أعمال القتل والاختطاف وصولاً إلى "أعمال الترهيب والتخريب والحرق"، اعتقال 15 متهمًا بإحراق مقر الحزب الكرديّ وسط بغداد.

مجاميع تحرق مقر الحزب الديمقراطي تحت أنظار قوات الأمن 

وعملية الاعتقال، هي الأولى من نوعها التي تطال عناصر على صلة بالفصائل بعد "ليلة الدورة"، فيما تشير مصادر أمنية رفيعة إلى حملة اعتقالات أوسع.

ويقول ضابط برتبة عقيد في قيادة عمليات بغداد، إن "قوات خاصة اعتقلت 15 شخصًا شاركوا في أعمال العنف التي شهدتها العاصمة"، مبينًا أن "المعتقلين يحملون هويات فصائل موالية لإيران".

ويؤكّد الضابط الذي رفض كشف هويته لدواع أمنية، أنّ "أسلحة وعشرات القنابل اليدوية ضبطت بحوزة المعتقلين"، مشيرًا إلى أن "المعتقلين يخضعون للتحقيق في مركز احتجاز أمني".

يقول ضابط إن أسلحة وقنابل ضبطت مع المعتقلين الذين يخضعون للتحقيق في مركز احتجاز 

كما أشار الضابط ذاته، إلى عملية اعتقال أخرى طالت عناصر على صلة بالفصائل المسلحة على مشارف العاصمة بغداد، في إطار التحقيقات في حادثة اختطاف وإعدام أشخاص جنوبي تكريت (170 كم شمال العاصمة).

مراسم دفن ثمانية أشخاص أعدموا على يد مسلحين في صلاح الدين

ويوضح الضابط، أنّ "ستة من عناصر أحد الفصائل المسلحة الكبيرة اعتقلوا، بعد مطاردة مركبتين رباعيتي الدفع (حوثية) كانوا يستقلونها، وفق معلومات استخبارية أشارت إلى احتمالية صلتهم بالجهة المنفذة للهجوم".

ويتحفظ "الترا عراق" على نشر قائمة بأسماء 15 معتقلاً في إطار الحملة الأمنية الأخيرة، كشف عنها الضابط الرفيع، لأسباب أمنية.

بوادر مواجهة.. 

وعلى الرغم من أنّ الجهات الرسمية لم تؤكد عملية الاعتقال الثانية، لكن المنصات الولائية أشارت إلى تعرض عناصر على صلة بالفصائل إلى عمليات اعتقال على يد جهاز المخابرات العراقي، على حد تعبيرها.

أطلقت فصائل مسلحة بيانات تهديد وتوعدت بمهاجمة قصر رئيس الحكومة ما قد ينذر بصدام يكسر الهدنة

وأطلقت فصائل مسلحة، عبر تلك المنصات، بيانات تهديد إلى ضباط وجهات أمنية، وتوعدت بمهاجمة قصر رئيس الحكومة في حال عدم إطلاق سراح المعتقلين، ما ينذر ربما بوقوع صدام هذه المرة قد يكسر الهدنة، في حال قررت الفصائل اقتحام المنطقة الخضراء مجددًا بعد تولي اللواء الركن حامد الزهيري، أحد أفضل الضباط مسؤولية حماية المنطقة المحصنة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إطلاق لجنة التحقيق بأحداث تشرين: 5 قضاة كبار ومحققين وخبراء

الصدر "يستغيث" من أعمال العنف والحرق في العراق