28-ديسمبر-2020

في العراق شهد 2020 تظاهرات، وصواريخ، واقتصاد متعثر وأزمات متتالية (ألترا عراق)

 في الساعات الأخيرة قبل الدخول إلى العام 2020، حاصر محتجون السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء بالعاصمة بغداد، في حدث غير مسبوق بتاريخ العراق والمنطقة التي لا زالت تعيش تداعياته مع انتهاء العام وربما للفترة القادمة. كانت ساحة التحرير وساحات الاحتجاج الأخرى تغص بالمتظاهرين في ليلة رأس السنة الميلادية، بينما يضرب محتجون من الفصائل المسلحة وأنصارها أبواب وأسوار السفارة الأمريكية ويحرقون مداخلها، ردًا على ضربة جوية أمريكية استهدفت ثكنات ومواقع عسكرية تابعة لكتائب حزب الله على الشريط الحدودي العراقي مع سوريا.

ثمة أمل كان يعتري نفوس العراقيين المحتجين على أوضاع بلادهم، لكن الفاعل الخارجي تدخل مجددًا ليفسد ما حاولوا إصلاحه

أطفأ العراقيون شمعة العام 2019 وأوقدوا أخرى للعام الجديد أملًا بالاحتجاج الشعبي الذي امتد لأكثر من شهرين آنذاك، بأن يسفر عن تغيير على المستوى السياسي والاقتصادي وإزاحة غُمّة طالت 17 عامًا ملؤها الحروب والفتن والدماء والانهيارات الأمنية والاقتصادية والفساد والطائفية وشتى أنواع الأزمات.

اقرأ/ي أيضًااقتصاد العراق في 2020.. اقتراضان ورواتب متأخرة وموازنة "مجهضة"

لم تكد شمعة العام الجديد تنطفأ حتى استيقظ العراقيون على خبر مدوٍاغتيل قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس بعملية أمريكية قرب مطار بغداد ليلة 2 على 3 من كانون الثاني/يناير 2020.

الصدامات مستمرة

ثمة أمل كان يعتري نفوس العراقيين المحتجين على أوضاع بلادهم، لكن الفاعل الخارجي تدخل مجددًا ليفسد ما حاولوا إصلاحه. استعرت الأوضاع في البلاد والمتظاهرون لا زالوا ملتزمين خيامهم في ساحات الاعتصام. اجتمعت الكتل الشيعية في مجلس النواب فورًا بعد حادثة المطار وأصدرت قرارًا يلزم الحكومة بإخراج القوات الأجنبية كافة، وذلك في الخامس من كانون الثاني/يناير.

في 8 كانون الثاني/يناير من ذات الشهر أطلقت القوات الإيرانية مجموعة صواريخ باليستية استهدفت قاعدة عين الأسد الجوية غربي العراق ردًا على اغتيال سليماني، لكن واشنطن لم تعلن عن مقتل أي من عناصرها في الهجوم الإيراني فيما قال الإيرانيون وحلفاؤهم إنهم قتلوا المزيد من الجنود.

بعد العملية الايرانية، دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى تظاهرة واسعة في منطقة الجادرية قرب المنطقة الخضراء، أيدتها وشاركت بها الفصائل المسلحة والقوى الشيعية المناهضة للأمريكان كافة، ورغم ما ورد في البيان الذي أذيع عن الصدر في الساحة من تأكيد على وقوفه مع المتظاهرين وضد قتلتهم، إلا أنه تبع ذلك بخطاب حاد ضد المتظاهرين أعقبه بحملة أنهت الحالة المستمرة منذ أشهر.

شهر البدايات

في الشهر الجديد، اتفقت بعض الكتل على ترشيح بديل للمستقيل عادل عبد المهدي، ولأول مرة، يكلف رئيس الجمهورية برهم صالح، محمد توفيق علاوي والذي بدا مدعومًا من الصدر بتشكيل الحكومة، والذي واجه رفضًا من متظاهري التحرير والساحات الأخرى واشتهرت عبارة "محمد علاوي مرفوض".

لأول مرة أيضًا، يصطدم التيار الصدري بالمتظاهرين بعد أشهر من الاعتصام كتفًا لكتفاقتحم أصحاب القبعات الزرق ساحة التحرير واشتبكوا مع المعتصمين فيما بات يعرف بحادثة التواثي، والمشيرة إلى العصي التي حملها أنصار الصدر في مواجهة المحتجين، رفاق ما قبل عملية المطار.

في 5 شباط/فبراير أدى اقتحام أنصار التيار الصدري ساحة الاعتصام في النجف إلى مقتل وإصابة العديد من المتظاهرين بعد أن استخدم الصدريون الرصاص الحي وسيطروا على الساحة ومنعوا الدخول إليها.

منذ ذلك الحين، أخذ المسار الاحتجاجي طريقًا آخر، وتحول الصراع من محتجين مع أحزاب السلطة إلى محتجين مع الصدريين؛ لكن محمد علاوي مرشح الصدر تم رفضه من الأحزاب ولم ينل ثقة مجلس النواب.

في 24 شباط/فبراير وصل الضيف الذي أقلق العالم إلى العراقسجلت وزارة الصحة أول إصابة بفيروس كورونا في مجافظة النجف لمواطن إيراني مقيم في العراق، وكانت بداية لانتشار المرض في العراق.

تكليف ثان وحظر للتجوال

اعتذر محمد علاوي عن تكليفه بتشكيل الحكومة، وأقدم الرئيس صالح على تكليف عدنان الزرفي في 17 آذار/مارس الأمر الذي أثار حفيظة الكتل المقربة من إيران والتي اتهمته بالعمالة للولايات المتحدة.

في اليوم ذاته قررت الحكومة وخلية الأزمة فرض حظر شامل للتجوال في عموم العراق وإغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية أمام حركة الوافدين والتجارة.

نيسان .. تكليف آخر

اعتذر عدنان الزرفي عن تشكيل الحكومة، فيما اعتبره مراقبون صفقة تتيح وصول المقرب من رئيس الجمهورية إلى السلطة. تم تكليف رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي بحضور ممثلي كل الكتل السياسية تقريبًا.

جاء ذلك رغم اتهامات شبه صريحة من بعض القوى الشيعية للكاظمي بالتورط في حادثة اغتيال سليماني والمهندس.

قررت خلية الأزمة رفع حظر التجوال في النهار بالتزامن مع حلول شهر رمضان قبل الشطر الأخير من نيسان/ابريل.

أيار.. حكومة جديدة

في السابع من أيار/مايو تسلم مصطفى الكاظمي رسميًا منصب رئاسة الحكومة بعد أن منحه مجلس النواب الثقة، في وقت كان المحتجون قد عادوا إلى منازلهم مع تفشي جائحة كورونا وحظر التجوال، الذي أعيد فرضه بشكل تام نهاية الشهر.

حزيران .. الآثار الواضحة

مع أشهر من الإغلاق، وتراجع أسعار النفط العالمية بانخفاض الطلب، واجهت الحكومة العراقية أولى الأزمات في ملف رواتب الموظفين والمتقاعدين، وأقر مجلس النواب مشروع قانون يتيح لها الاقتراض الداخلي والخارجي لسد العجز المالي.

عانى أصحاب الأجور اليومية من الإجراءات الاحترازية. وصل الحال لدى مجموعة من العاملين العراقيين والسوريين في مطعم في أربيل إلى عدم تمكنهم من أكل وجبة باليوم، كما يخبر محمد "ألترا عراق" الذي أسعفه بعض المتبرعين وأوصلوا لهم مواد غذائية بيد عنصر من الشرطة الكردية، مع حظر مشدد للتجوال.

استمر الصراع الخارجي في العراق واستهداف السفارة الأمريكية في بغداد، لتقوم الحكومة للمرة الأولى باعتقال عناصر من كتائب حزب الله في منطقة الدورة، الأمر الذي كاد أن يؤدي إلى مواجهة قبل أن تحل المشكلة بالإفراج عن المعتقلين.

اغتيال صادم

في السادس من شهر تموز/يوليو هز العراق خبر اغتيال الخبير الأمني والباحث في شؤون الجماعات الإسلامية هشام الهاشمي في منطقة زيونة، الأمر الذي أثار استنكارًا واسعًا في العراق والعالم. ولم يتم الكشف عن القتلة حتى الآن.

نهاية شهر تموز/يوليو حدد الكاظمي السادس من حزيران/يونيو 2021 موعدًا لإجراء الانتخابات المبكرة التي طالب بها المتظاهرون.

محرم مختلف

رغم نفشي فيروس كورونا، أحيا شيعة العراق مراسم العاشر من شهر محرم، وكان المتظاهرون حاضرين مع شعاراتهم الثورية وصور ضحاياهم، في مشهد جديد بعد أن كانت السلطة تستغل هذه الشعائر للتأكيد على الهوية الواحدة.

قصف رغم الانسحاب

في أيلول/سبتمبر أعلنت الولايات المتحدة عزمها سحب ما نسبته 40 بالمئة من جنودها في العراق. لكن الهجمات على معسكرات وسفارة واشنطن في العراق استمرت دون الإعلان عن تبنيها من جهات معروفة.

سقطت ثلاثة صواريخ قرب مطار أربيل حيث قاعدة عسكرية أمريكية قالت السلطات إنها أطلقت من محافظة نينوى، فيما أشارت مصادر إلى أن منظومة باتريوت أبعدت خمسة صواريخ عن القاعدة الأمريكية.

تشرين صاخب مجددًا

شهد شهر تشرين الاول/أكتوبر لقاء هو الأول من نوعه بين رئيس أركان هيئة الحشد الشعبي أبو فدك المحمداوي والممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة جينين بلاسخارت فيما قيل إنه نتج عن هدنة بين الأمريكيين والفصائل الشيعية برعاية أممية لمدة شهرين.

تظاهرات، وصواريخ، واقتصاد متعثر، وفيروس متحوّل، وقلق أمني، وإغلاق جديد، شهده الشهر الأخير من عام 2020 وكأنه يؤكد ما جاء فيه خلال الأشهر السابقة

أعلنت الحكومة العراقية التوصل إلى اتفاق مع حكومة إقليم كردستان حول تطبيع الأوضاع في قضاء سنجار غربي الموصل وطرد القوات غير الحكومية منه.

أعاد متظاهرون احتجاجاتهم مع الذكرى الأولى لانطلاق الاعتصامات قبل عام؛ لكن التظاهرات شهدت اختراقات كبيرة وتصادم مع القوات الأمنية؛ ليعلن من تبقى في ساحة التحرير رفع الخيام، وأعيد افتتاح جسر الجمهورية والساحة أمام حركة السير.

وكشفت الحكومة عن الورقة البيضاء الإصلاحية، والتي حملت المزيد من الإجراءات التقشفية.

تشرين آخر

صوت مجلس النواب على قانون اقتراض جديد مع تقليص المبلغ المطلوب من الحكومة، ذلك بعد تأخر رواتب الموظفين وما تبعه من ضجة على المستويات الشعبية والحكومية.

مع نهاية تشرين الثاني/نوفمبر دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أنصاره لإقامة صلاة الجمعة في ساحات الاعتصام المركزية ببغداد وبعض المحافظات، ما أدى إلى صدامات في ساحة الحبوبي في الناصرية سقط على أثرها قتلى وجرحى دون تدخل أو تعليق من السلطات الأمنية العليا.

ختام يشبه البدايات

اندلعت احتجاجات كبيرة في محافظة السليمانية والمناطق المحاذية لها في إقليم كردستان احتجاجًا على تردي الأوضاع الاقتصادية واتهامات الأحزاب الحاكمة بالفساد خاصة مع استقطاع جديد لرواتب الموظفين المتأخرة أصلًا هناك.

طغى العامل الاقتصادي على الشهر الأخير من العام المليء بالأحداث، حيث أقر مجلس الوزراء موازنة عامة لسنة 2021 بعجز كبير وحجم ضخم؛ تزامن مع رفع سعر صرف الدولار أمام الدينار ما أدى إلى هبوط سريع لقيمة الدينار أمام الدولار؛ صاحبه ضعف شديد في الحركة التجارية وارتفاع أسعار السلع والبضائع المستوردة وكذلك المحلية.

اقرأ/ي أيضًا: شجرة الميلاد تضيء وسط ظلام الأزمات في العراق.. قلق وترقب وآمال

لكن العامل الأمني لم يغب عن المشهد؛ وكأن عام 2020 لا يريد مغادرة العراق دون ضجيج البداية مجددًا.

استهدفت حزمة صواريخ المنطقة الخضراء في 20 كانون الأول/ديسمبر بعملية قال مراقبون أنها الأعنف، وتصدت الدفاعات الصاروخية في السفارة الأمريكية لعدد من الصواريخ وسقطت أخرى بالقرب من السفارة.

تلا ذلك تصعيد خطير في بغداد على خلفية اعتقال أحد عناصر عصائب أهل الحق مع تهديدات لفصائل مسلحة للكاظمي، ثم حديث عن اتفاق على إخراج أو تسليم المعتقل لأمن الحشد الشعبي، ليهدأ الموقف قبل الانزلاق إلى التصادم رغم تأكيد الكاظمي على أنه مستعد "للمواجهة الحاسمة".

في كربلاء، أزال المتظاهرون خيامهم من ساحة "فلكة التربية" مركز الاحتجاجات لتكون المدينة الأخيرة التي تزيل مظاهر الاحتجاج بعد عام وشهرين من الاحتجاج.

مع بدء أعياد رأس السنة الميلادية، رفعت خلية الأزمة توصية لفرض حظر للتجوال في عموم العراق؛ لكن مجلس الوزراء قرر الاكتفاء بإغلاق المطاعم والمولات والنوادي من الليل حتى الصباح، وغلق الحدود البرية كافة، ومنع السفر من وإلى البلدان التي تفشت فيها سلالة كورونا الجديدة.

إنه عام استثنائي، مع عدم يقين بما تحمله الساعات الأخيرة منه في العراق والعالم، قبل أن يُسلم الراية لـ2021

تظاهرات، وصواريخ، واقتصاد متعثر، وفيروس متحوّل، وقلق أمني، وإغلاق جديد، شهده الشهر الأخير من عام 2020 وكأنه يؤكد ما جاء فيه خلال الأشهر السابقة. إنه عام استثنائي على أية حال، مع عدم يقين بما تحمله الساعات الأخيرة منه في العراق والعالم، قبل أن يُسلم الراية لـ2021.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

بدأتها بغداد وصبغتها الناصرية بالدماء.. اعتصامات العراق تنتهي في كربلاء

سيناريو الحرب بين الكاظمي والعصائب.. ماذا حل بـ "قائد قوات الصواريخ"؟